هم ملوك الصيف، كالنجوم والفنانين والمشاهير الذين يظهرون فجأة مع حلول كل موسم صيفي، فيبرزون ويتألقون ويتكاثر عليهم الطلب في التظاهرات الفنية والأعراس، وهكذا تكتظ أجندتهم بالمواعيد ويصعب لقاؤهم أو الظفر بموعد معهم، ويصبح أمر الوصول إليهم يتطلب وساطة، خاصة إذا كانوا من الصنف المعروف بإبداعه ونجاحه.. إنهم طباخو الأعراس والحفلات. والفارق بينهم وبين نجوم الفن، أنهم ملوك، لكن لا يعرفهم أحد وينعم في بلاط ملكهم بعيدا عن كل الأعين، إلا من اضطر للاستفادة من خدماتهم، حينها فقط يمكن الولوج إلى عالمهم المليء بالدهشة، فهم أيضا صاروا بأجندتهم المكتظة بالمواعيد وتسعيرتهم الملتهبة. وحين ارتأينا إلقاء الضوء على نشاط هذه الشريحة، اخترنا مرافقة أحد أشهر الطباخين في سوق أهراس الذي عرف عنه حسب مصادر متطابقة أن كل من يتذوق طعامه يصبح من عشاق حضور الأعراس التي يتولى فيها الطبخ، فكان من الصعب علينا الظفر بموعد معه، حيث تردد في البداية وتحجج بانشغاله في التكفل بالأعراس، لكن إلحاحنا الشديد جعلنا نظفر بموعد، وبالتحديد العيش معه يوميات عرس تولى الطبخ فيه. * عشاء العرس عملية فنية يعتبر تنظيم عشاء في عرس وأي حفلة، عملية حربية وفنية في غاية الخطورة، ويتطلب استراتيجية دقيقة، تبدأ أسبوعا أو عشرة أيام قبل الموعد، حيث يتم في أول لقاء مع صاحب الوليمة تحديد قائمة لوازم العرس بناء على عدد المدعوين وعلى نوعية الأطباق، ثم تأتي المرحلة الثانية، وتأتي بالضرورة يوما قبل موعد العرس، حيث ينتقل الطباخ رفقة معاونيه، أين يصل عددهم في بعض الأحيان إلى أربعة أعوان، حيث يعمل رئيس الفريق على تفقد المشتريات ومعاينة المكان ويمنع دخول أي شخص، ماعدا المنسق الذي تم تعيينه من طرف صاحب العرس. حين انطلقت عملية الطبخ، سأل مباشرة عن اللحوم البيضاء "الدجاج"، فقال له صاحب العرس إنه اشتراها بالأمس، فطلب تفقدها وتفحصها، ثم طلب مجموعة من التوابل (فلفل أسود، كمون، ثوم.. زبدة)، وقام بتحضير خليط عجيب ملأ به جوف الدجاج الموجود وأمر بحفظه في الثلاجة. وفي اليوم الموالي، وفي حدود الساعة التاسعة صباحا، تجد رئيس الفرقة رفقة أعوانه جاهزين في الموعد المحدد، وكل واحد يتولى تحضير وجبته. وحسب دائما ذات المتحدث، فإن الذي يبهر الضيوف هو الكسكسي، ليعمل أعضاء الفريق دائما على أن تكون الأطباق في المستوى المطلوب. وتكون سعادته أكبر، حينما يطلب المدعوون المزيد من الشربة والكسكسي، لأن طلب المزيد يعني رضا المدعوين عن الأطباق. وربما تبقى أهم ميزة يتركها طباخو الأعراس، هي أنهم غيّروا يوميات أهل الأعراس بشكل أفضل، حيث أراحوا النساء من غمة المطبخ ومنحوا لهن الفرصة للفرح واستقبال الضيوف. والأهم هنا، أن الطباخ يعمل على تحديد لوازم العرس بشكل دقيق وبدون إسراف، لأنه مؤهل لذلك بحكم تجربته الطويلة في عالم الطبخ. وبذلك، لا يحمّل صاحب العرس أعباء كثيرة، عادة ما تنتهي برمي العديد من المواد الغذائية مباشرة بعد الانتهاء من مراسيم العرس.