يقول السيد فاروق قسنطيني إن "الجزائر لن ترضخ للشروط الأمريكية من أجل إطلاق سراح معتقليها في غوانتانامو .وبأن ما قامت واشنطن بتمريره على كثير من البلدان العربية لن تنجح في تمريره علينا لأننا لسنا تحت وصايتها(...)" * كلام كبير، وقومية يُحسد عليها السيد قسنطيني لكنه لم يُخبرنا بالمقابل عن سرّ تأخر المفاوضات الجزائرية لبحث تلك الشروط الأمريكية المرفوضة، خصوصا أن السفير الراحل عنا "المستر" فورد كان له السبق الإعلامي في إخبار الرأي العام برغبة بعض المعتقلين الجزائريين وعددهم 27 في العودة إلى بلدهم، ولم يخبرنا بذلك مصدر جزائري، رسمي أو غيره، ثم عن أيّ كرامة وسيادة يتحدث رئيس اللجنة الاستشارية لحقوق الإنسان وقد كشف أحد التقارير الخطيرة التي لم يُردّ عليها أن أربعة من الجزائريين تم تحويلهم قبل فترة إلى سجون الأردن لاستنطاقهم، وهل لدينا القوة للتحرر من الوصاية الأمريكية إذا كنا لم نستطع حتى أن نحرّر سجناءنا في المغرب وإسبانيا وليبيا حتى الآن، فما بالك بمعتقل غوانتانامو الذي عجز عن اختراقه حتى الأمريكان!؟قبل فترة، وعندما سُئل زعيم جبهة الإنقاذ المحظورة عباسي مدني في (نيوزويك) الأمريكية إن كان يفكر بالعودة إلى بلاده، أجاب متسائلا "لقد خرجت من بطن الأفعى فكيف أعود إليها؟!"...والأفعى التي يتكلّم عنها الشيخ عباسي هي أفعى سامة، ساهم الكثيرون في صنعها بمن فيهم شيوخ الإنقاذ أنفسهم، حتى تحولت البلاد التي كانت مفخرة لمواطنيها إلى جحيم لا يطاق، من يعيش فيها يحلم بالفرار ومن فرّ منها يخاف العودة، والحقيقة أن ما تنشره الصحافة عن أرقام المنتحرين شنقا وبحرا لهو دليل قاطع على ما نقول، لأن البلد الذي يتحول بنظر بعض معتقلي غوانتانامو إلى جحيم يخشون العودة إليه هو بلد تحوّل إلى سجن كبير قد لا تبدو قيوده ظاهرة للعيان لكنها أقوى وأكثر صلابة من كل قيود! * ولاشك أن هذه النظرة الواقعية الغارقة في السواد ليست حكرا على الجزائر، بل قد تكون هذه الأخيرة الأخفّ وطأة في إهدار كرامة مواطنيها من بلدان أخرى ما تزال تعامل السلطات الحاكمة فيها الشعب كقُصّر لا يمكنهم البلوغ يوما ولا يمكنهم التصرف في ملكيتهم العامة التي تحوّلت إلى خصخصة لدى عصابات محلية ودولية، كما انهار مفهوم الدولة وتحوّل إلى مزرعة خاصة للحاكم وعائلته، رغم أنّنا أنفقنا عمرا طويلا في الصراع حول تأسيس الدولة ما بين إسلامية وعلمانية، أو عسكرية ومدنية، وفي نهاية الأمر لم نحقق أبدا الدولة ولا حتى الدويلة بل تحول البلد إلى مجرّد بطن أفعى!.