تحت أصوات الموسيقى الصاخبة، وصرخات الأطفال الممتزجة أحيانا مع ضحكاتهم البريئة، وأحيانا أخرى مع بكائهم، تقدّم بعض العروض المسرحية الموجهة للطفل في بلادنا، فتبدو عيون الأطفال هائمة في فضاء لا يتناسب مع براءتها، ولكنه في ذات الوقت لا يحترم عقلها وذكاءها الصغير. لم يخف عدد من الفاعلين في مسرح الطفل، استهجانهم لمستوى الكتابات المسرحية والعروض التي تقدم للأطفال تحت مسمى مسرح الطفل في بلادنا في السنوات الأخيرة، معتبرين ذلك استخفافا بالقدرات الذهنية لطفل الألفية الثالثة، "الشروق" ناقشت الموضوع مع فنانين كانت لهم تجربة في المجال وارتأت الوقوف على واقع هذا المسرح.
وحيد عاشور: توقفوا عن استغباء الأطفال يرى الممثل والمخرج المسرحي وحيد عاشور، من فرقة مسرح"البليري" في قسنطينة، أن الطفل تحوّل إلى سلة مهملات يلقي فيها الكبار مخلفاتهم، دون مراعاة لخصوصية عقل الطفل وأحلامه ومشاعره، منتقدا التركيز على ما وافقنا في تسميته "بالخيال الفاسد" الذي غرقت فيه الأعمال المسرحية الموجهة للطفل، وعدم التعامل معه كإنسان يفكر قبل كل شيء، مستشهدا في هذا السياق بتجربة عمله الثرية في مدينة "دريزدن" الألمانية التي أخرج فيها عملا مسرحيا موجها للأطفال حول أهمية الماء في الحياة، مبديا إعجابه بطريقة العمل التي قال إنها تحترم عقل الطفل بالدرجة الأولى، وأنه نجح في البرهنة على أن الطفل قادر على تقبل الموضوع المعقد والإخراج الراقي، المعتمد على نصوص راقية وقوية أيضا، لأن الطفل ينبغي أن يكتشف دائما فضاءات جديدة . وأضاف أن تجربة ألمانيا اعتمدت على نص كلاسيكي إغريقي للكاتب"أوفيد"، يطرح تساؤلات جادة حول خلق الكون، ولكنه استطاع مع فريقه أن يقدم استنادا إليه، عملا فنيا يفهمه الطفل، بعيدا عن التهريج والإسفاف وفوضى الألوان، منتقدا تحويل مسرح الطفل عندنا إلى عروض تهريجية وعدوانية من خلال الفوضى والأصوات العالية التي تعتريها عن طريق موسيقى "دي جي" غير الملائمة لسن الطفل، ولم يتوان الفنان في القول إن مسرح الطفل عندنا بات يعلم صغارنا الكذب، وليس سحر الإبداع، أو الخيال الخلاق"فالبزنسة" هي سيدة الموقف. من جهتها قالت الممثلة "صبرينة بوقرية" الحائزة على جائزة أحسن دور نسائي في مسرح الطفل عام 2014 عن عرض "جبل الأماني" مع مسرح سكيكدة الجهوي، أنه ينبغي دراسة النصوص التي تقدم للطفل، وعدم معاملته كآلة لا تعرف شيئا، فالطفل كائن ذكي، مستشهدة بقصة طريفة حدثت لها مع طفلة عمرها أربع سنوات، لكنها أعطتها درسا كما قالت، إذ تقدمت منها بعد أحد العروض، وعبّرت لها عن فهمها لمضمون ما قدم في المسرحية، ناصحة إياها بأن لا تخاف من الذئاب عندما تلعب مرة أخرى دور الفراشة، لأن الذئاب لا تأكل الفراش، وتضيف الممثلة أنها أحست بصفعة على وجهها عندما سمعت ذلك الكلام من طفلة، ورأت أن كاتب النص كان ينبغي أن ينتبه لمثل هذه التفاصيل. أما الكاتبة الشابة "اسمهان منور" الحائزة بدورها على الجائزة الثانية في مسابقة الهيئة العربية للمسرح العام الماضي، فترى أنه ينبغي تجديد الكتابة المسرحية الموجهة للطفل، وتنقيتها من الشوائب النمطية والمعالجات السطحية الساذجة، بما يتماشى مع طفل الألفية الثالثة الذي يمتلك اليوم قدرا كبيرا من الذكاء، ومساحة أكبر للإطلاع والتعلم السريع في عصر تكنولوجيا الاتصال.
"أبي خذني إلى المسرح".. تجربة رائدة يقول الفنان عبد الحق بن معروف، مبدع فكرة "أبي خذني إلى المسرح" التي يجسدها حاليا مسرح عزالدين مجوبي الجهوي في عنابة، كل يوم جمعة، إن مبادرته التي احتضنتها وزارة الثقافة جاءت بعد دراسة لما يقدم في السنوات الأخيرة من مسرح للطفل، وهي تدخل في إطار فلسفة خلق ما أطلق عليه "ماركتينغ ثقافي" من جهة، وتنشئة جيل يعرف معنى عرض مسرحي من جهة ثانية، خاصة وأن المبادرة تراعي الفئات العمرية التي تتوجه لها العروض في كل مرة، إذ لا يعقل أن يجبر طفل في العاشرة من العمر أو الثانية عشرة، على متابعة عرض لطفل في الخامسة، وعن الصعوبات التي واجهت الفكرة، قال بن معروف إن أهمها كان كيفية إقناع الآباء والأمهات باصطحاب أولادهم إلى المسرح، وجعلهم يجلسون لوحدهم في المقاعد الأمامية، بينما الأهل في المقاعد الخلفية، ولكن المبادرة نجحت وهي تستقبل عروضا من كل ربوع الوطن، كما تنظم عروضا خارج الركح في بعض الأحيان.