احدى التظاهرات الاحتجاجية للاخوان المسلمين في مصر إلى غاية اليوم بقي الإخوان من دون نافذة إعلامية يخاطبون الرأي العام المحلي من خلالها وحتى الدولي، بعد المنع الذي مارسته الحكومة على مختلف أجهزة الإعلام التابعة للإخوان المسلمين. * فقد منعت إصدار مجلة "الأسرة العربية" إثر ممارسة الحكومة ضغطا سياسيا على صاحب الجريدة التي يصدرها حزب الأحرار، والذي توفي رئيسه منذ عام 1998، والحزب ليس له رئيس وبالتالي يتعرض للضغوط الحكومية والأمنية بسبب إفساح المجال للإخوان لإصدار هذه المجلة، وتم إغلاق المجلة رسميا منذ مارس 2006. * كما أصدر الإخوان في نفس الوقت مجلة "آفاق عربية" باسم نفس الحزب، وقد تم إغلاقها كذلك بقرار من مجلس الإدارة في مارس 2006، ولم تكن المجلة تعبّر بشكل مباشر عن خط الإخوان المسلمين، ولكنها كانت في الإطار العام تلتزم بالمبادئ الإسلامية، ومؤيدة للتيار الإسلامي، كما عطّلت الحكومة المصرية حزب الشعب الذي تحالف معه الإخوان خلال فترة التسعينيات، وكذا توقيف جريدة الشعب لسان حال الحزب، ومنذ ذلك التاريخ ظل الإخوان بدون واجهة إعلامية، كما توقف إصدار مجلة "لواء الإسلام" مع وفاة صاحب الامتياز، كما ينص على ذلك القانون المصري. * إلى أن تقرر إطلاق موقع "إخوان أون لاين" منذ نهاية 2001 وهو الموقع الرسمي لجماعة الإخوان المسلمين في مصر، وفي الموضوع قصة لطيفة رواها لنا رئيس تحرير الموقع، الأستاذ عبد الجليل الشرنوبي، وهو صحفي في مجلة الإذاعة والتلفزيون المصري، وعضو نقابة الصحافيين، واتحاد نقاد السينما. * استلم الشرنوبي إدارة الموقع إثر اعتقال مصالح الأمن رئيس التحرير السابق والذي قضى نحو 6 أشهر في السجن، مع مصادرة أجهزة الحواسيب وغلق الشركة التي كان يدار منها الموقع، فاعتقل مدير الشركة ومصادرة 24 جهاز كومبيوتر كان من خلالها يجدد الموقع. * ومنذ تلك المداهمات قامت إدارة الموقع الجديد باعتماد طريقة عمل جديدة، منها كما يقول رئيس التحرير الجديد "بدأنا إدارة الموقع من مقهى الانترنيت بنقابة الصحافيين بمصر، وكنا نقوم بمتابعة العمل بأقسام الموقع عبر مقاهي الانترنيت بالشوارع وتجاوزنا أزمة إغلاق الشركة وبدأنا نطور في العمل حتى شهر سبتمبر من عام 2004". * وأمام هذه الاستراتيجية الجديدة التي اعتمدها الإخوان، قامت الحكومة المصرية بحجب الموقع من شبكة الأنترنيت، "لأنها لم تجد من مكان لمداهمته، ففضلت أن تداهمنا على الشبكة العنكبوتية"، لم يجد التقنيون أية صعوبة في البحث عن طريقة جديدة لإعادة استخدام الموقع من خلال برامج فك الحظر على الموقع، باستخدام جسر لرفع الحجب عن الموقع، وقد زادت هذه الحرب الإلكترونية بين الإخوان والحكومة، من زيادة عدد المتصفحين للموقع، كما أكدته إحصائيات مستوى تصفح الموقع بحسب عبد الجليل الشرنوبي، "إذ أصبح الموقع مطلوبا لدى عامة الناس ومختلف الوكالات التي أصبحت تعتمده في نقل الأخبار الرسمية عن الإخوان وبياناتهم". * وبعد شد وجذب بين الطرفين، تمكن الإخوان من إدارة موقعهم، "وأثبتنا للنظام أنه فشل في إعاقة الموقع" الذي لعب دورا بارزا أثناء الانتخابات البرلمانية للعام 2005 بإذاعة مختلف بيانات الجماعة والحصار الذي تفرضه عليها الحكومة من أجل الترشيح، وإدارة الحملة الانتخابية بعد الضغط الذي مارسته الحكومة على عديد الصحف المصرية في تلك الفترة. * كما تمكن فريق تحرير الموقع من كشف حالات الفساد المستشري في البلاد، ومن بينها ملف فضيحة تصدير الفول المصري إلى إسرائيل، والتي هزّت الرأي العام المحلي بحسب الشرنوبي، ولم يكن أمام الحكومة إلا إلغاء الصفقات التجارية، بعد أن ارتفع سعره جراء ذلك ثلاث مرات في السوق المحلية. * * مع معتقلي الإخوان من المحاكم العسكرية * وأنا أتجول في المركز العام للإخوان المسلمين لليوم الثالث على التوالي، سمعت بخبر إطلاق بعض كوادر الإخوان، أحدهما كان من المحكوم عليهم من طرف المحكمة العسكرية في إطار ما يعرف بقضية الأحكام العسكرية، والتي عرفت سجالا كبيرا بين الإخوان والقضاء من جهة، والحكومة المصرية من جهة أخرى، خاصة بعد إعلان المحكمة المدنية عدم شرعية امتثال مدنيين أمام محكمة عسكرية. * وكان لنا لقاء مع المهندس أحمد النحاس،المتابع -كما يقول- بتهمة المساس بأمن الدولة، الإرهاب، غسيل الأموال، والانضمام إلى جماعة محظورة، وحيازة مطبوعات ومنشورات تدعو إلى فكر هذه الجماعة، رفقة 31 مسؤولا من الإخوان المسلمين، من بينهم خيرت الشاطر في سجن طورة. * يقول المهندس أحمد النحاس بعد أن تلقى تهاني الإفراج عنه من المرشد العام للاخوان المسلمين، "عرضنا مرتين أمام محكمة مدنية، واعترضنا على الاتهامات الموجهة إلينا، وبرّأتنا المحكمة وأخلت سبيلنا مرتين، ثم أعيد اعتقالنا 2007، بنفس التهم ثم أخلت المحكمة سبيلنا مرتين بعد اعتراض وزارة الداخلية على الحكم الأول، فما كان من النظام إلا أن حوّلنا إلى القضاء العسكري وهو قضاء استثنائي لا يحول إليه إلا ذوي القضايا الحساسة". * استمرت محاكمة الإخوان أمام القضاء العسكري أكثر من سنة، بحوالي 73 جلسة رفقة بقية المعتقلين، وقضت بسجن ب7 سنوات سجنا نافذا في حق المهندس خيرت الشاطر، والأستاذ حسن مالك، و5 سنوات على أحمد شوشة وصادق الشرقاوي وأحمد أشرف، و13 آخرين ب 3 سنوات من بينهم الدكتور بشر عضو مكتب الإرشاد، كما برّأت المحكمة 15 فردا من بينهم محدثنا المهندس أحمد النحاس، كما أسقطت المحكمة العسكرية تهما في منتصف المحاكمة تتعلق بالإرهاب وغسيل الأموال لغياب الأدلة في حق بعض المتابعين. * وقد صادرت النيابة حوالي 14 ألف جنيه مصري من بيت المهندس أحمد النحاس عند اعتقاله، ويدير مكتب استشارات هندسية يعمل في مجال الاستثمار العقاري، وأغلقوا المكتب إلى غاية هذه اللحظة، حيث ترفض المحكمة تنفيذ الأحكام، فضلا عن منع عدد من هؤلاء من السفر إلى الخارج، وبعضهم من رجال الأعمال المرموقين في مصر. * واعترف النحاس أن معتقلي الإخوان لقوا معاملة حسنة من إدارة السجن المدني الذي كانوا يقبعون به، "كنا في راحة تامة وتتم معاملتنا وفق لوائح مصلحة السجون المدنية، باستثناء النقل في سيارات الترحيل غير الآدمية، والأقفاص التي نمكث فيها أكثر من 10 ساعات وأحيانا 12 ساعة أثناء المحاكمة لا نستطيع حتى الحركة ولا الصلاة، كأنها أقفاص القرود". * كما كانت إدارة السجن تسمح بزيارة عائلات المعتقلين مرة في الأسبوع من الدرجة الأولى فقط، كما أن عائلات المعتقلين شرّدت وبقيت بدون عائل طوال فترة المحاكمة مع مصادرة ممتلكات العائلة دون استثناء الأصول، مما شكّل عبءا إضافيا على الجماعة في رعاية عوائل المعتقلين، فضلا عن العمال الذين كانوا يقتاتون من هذه الشركات التي تم غلقها نهائيا، ودخول مئات موظفيها عالم البطالة. * * من غزة إلى سجن طورة * لا تختلف قصة المهندس محمد كمال إثارة وتشويقا عن قصة المهندس أحمد النحاس، حيث يروي قصته قائلا: "اتهمتني النيابة بإصدار أوراق تحرّض الشعب على التبرع لفك الحصار عن غزة وإنارتها، لم أنكر هذه التهم الموجهة إلي، بل قمت بأكثر من ذلك، واعترفت أمام وكيل النيابة بإرسال مساعدات غذائية ونقدية عن طريق الهلال الأحمر المصري التي ترأسه سوزان مبارك، حرم الرئيس حسني مبارك، وقمت بدعوة وكيل الجمهورية أن لا يسجل هذا الكلام في المحضر، حتى لا يتسبب ذلك في إيذائي، ورغم ذلك دوّن أقوالي في محضر الاستماع". * وقد تم اعتقال المهندس كمال من مقر إقامته وبقي لشهر في سجن برج العرب، برأته المحكمة ثم تم احتجازه ثانية لمدة أسبوع في قسم الترحيلات بالإسكندرية دون توجيه أية تهمة، ثم صدر قرار الاعتقال ليتم ترحيله إلى سجن آخر، وهناك أنهى فترة "العقوبة" المسلطة عليه، وبعد ذلك يواصل كمال مسلسله مع الاعتقالات، حيث تم احتجازه مرة ثالثة وتم ترحيله إلى أحد أقسام المنتزه الثاني، وقضى مدة العقوبة في سجن الجنائيين والمتهمين في قضايا المخدرات والقتل، وهناك صدر قرار بتبرئته إلى جانب عدد من المعتقلين في مختلف الأحكام. * يقول المهندس كمال إن الاعتقال الأخير هو الاعتقال الثامن الذي يتعرض له من طرف السلطات الأمنية في ظرف زمني قصير، بحيث يقضي في كل عملية اعتقال حوالي من 6 إلى 8 أشهر اعتقال ثم يطلق سراحه. * وكعادة الإخوان يتّخذون من السجون فرصة للدعوة وتوعية الناس بقضايا دينهم والفهم الصحيح للإسلام، يقول محمد كمال: "كنا نجلس في زنزانة واحدة تجمع بين مختلف النخب المصرية، وقد تاب عدد من المحبوسين عند التقائهم بشباب الإخوان المسلمين، إلى حد تدخلنا في حل بعض النزاعات بين المحكومين عليهم في القضايا الجنائية"، ولم تتوقف العلاقة عند هذا الحد بل امتدت حتى بعد خروج بعض الإخوان وقضاء فترة الحكم، بحيث يتواصل كمال مع بعض الموقوفين داخل السجن، فضلا عن رعاية الجماعة لبعض أسر هؤلاء. * * مع محامي الإخوان: المحاكمات صورية وملفات الاتهام فارغة * يعتقد المحامي عبد المنعم عبد المقصود مسؤول دفاع الإخوان المسلمين، أن السلطات المصرية تضرب عرض الحائط مختلف مواد الدستور المصري التي تنص على حق كل مواطن في التقاضي أمام المحاكم المدنية، وليس في القضاء العسكري، كما وقع لعدد من قيادات الإخوان المسلمين مؤخرا. ويقول المحامي أثناء زيارتنا لمقر الإخوان لتسوية بعض الملفات القضائية العالقة لبعض المحكومين من الإخوان: "المحاكمة لا تتوفر على أية حصانة ولا توفر للمتهم ضمانة، لأن القضاء غير مستقر وخاضع للسلطة التنفيذية، ووزير الدفاع الوطني، وهو خاضع لرئيس الجمهورية، وهو الخصم والحكم"، ويعترف المحامي عبد المنعم عبد المقصود الذي يتولى المرافعة عن مجموعة الشاطر التي مثلت أمام القضاء العسكري، أن هيئة الدفاع ترافق موكليها في مختلف مراحل التحقيق وذلك في معظم القضايا سواء على مستوى القضاء المدني وحتى العسكري، كما أن "الفرصة متاحة للمحامي للكلام، ولكن المحكمة لا تستجيب ولا تملك قرارها، ولا يستطيع القاضي الحكم بالبراءة لأنه في هذه الحالة يتعرض للعزل من قبل وزير الدفاع". * ويرى أن لجوء الحكومة إلى المحكمة العسكرية بدل المدنية دليل ضعف، وكمثال على ذلك تحويل بعض قيادات الإخوان على القضاء العسكري وملفاتهم فارغة، مع تلفيق تهم اعتاد على سماعها الإخوان والرأي العام العالمي، ويستعد المحامي للطعن في تلك الأحكام التي تم التصديق عليها يوم الأحد 13 جويلية ومع ذلك لم يحصل الدفاع عن حيثيات الحكم حتى يطعن أمام المحكمة. * * الإصلاح السياسي ليس غدا * يبقى الشد والجذب هي الميزة الرئيسية في العلاقة بين الإخوان المسلمين والحكومة المصرية، مع سيطرة الطابع الأمني بامتياز في التعامل مع الظاهرة الإسلامية. ويبدو أن الضغط الخارجي الذي مارسته إلى حد ما الإدارة الأمريكية مؤخرا على الحكومة المصرية، خلال الانتخابات البرلمانية لحملها على فتح مساحات الرأي والحرية، أتت أكلها، ولكن سرعان ما أوصدت هذه الأبواب أمام الجميع، ما يؤكد أن رياح التغيير الديمقراطي لم تهب بعد على مصر، ومساحات الرأي أصبحت تضيق يوما بعد آخر، بحسب عدد من المراقبين، وبقيت الانتخابات النيابية الأخيرة استثناء في المشهد السياسي المصري. * وبين الغلق والانفتاح تتخبط الحكومة المصرية في معالجة عدد من الملفات، فإذا تقدم الإخوان بملف إنشاء حزب سياسي والانفتاح على المجتمع، -نفس الخطوة انتهجتها جماعة الجهاد عندما أعلن على لسانهم المحامي منتصر الزيات إنشاء حزب سياسي يؤطر حركتهم- فإن النظام يبتعد أكثر فأكثر عن مناقشة القضايا الجادة، قضايا الإصلاح السياسي، الديمقراطية والحرية.