رغم إدراكنا أن ممارسة مهنة المتاعب ليس بالأمر الهيّن، إذ كنا نتوقع أن تصادفنا وفي كل خطوة نخطوها جملة من المعوقات التي لم تكن تتعدى على أكثر تقدير المتابعات القضائية أو التعرّض لاعتداء جسدي من طرف من لا يريد البقاء للقلم الحر، إلا أننا لم نفكر يوما أن نعيش لحظة، لن يتمنى أن يعيشها أحد. * * والحقيقة أننا عندما أبلغنا بخبر انفجار قنبلة بمدينة عمر، لم نشعر إطلاقا بأن انتقالنا إلى عين المكان فيه شيء من المغامرة اعتبارا أننا ألفنا تلك الأنباء، خاصة وأنه لم يسجل سقوط ضحايا، عدا جريح واحد، أصيب في كتفه الأيمن بشظايا القنبلة التقليدية، الشيء الذي لمسناه عند وصولنا إلى عين المكان برفقة زميل لنا في المهنة، رأينا أن نلج إلى عمق المكان الذي كان محاطا بعناصر الأمن المنتمية لمختلف الأسلاك، إذ لم نخف في الالتحاق بمكان التفجير الأول الذي أخضع لعملية مراقبة تقنية وكشف إمكانية وجود قنبلة أخرى، وبعد أن قدمنا أنفسنا، سمح لنا بأخذ صورة لمكان التفجير الذي لم يكن شديدا حسب روايات بعض المواطنين لنرى بعدها ضرورة التنقل إلى الحي المقابل. وفي لحظة من الزمن، انفجرت القنبلة الثانية التي كانت قوية جدا لدرجة أنها أسقطت الجميع أرضا ولن نخفي أننا أصبنا بارتباك شديد. * في الوقت الذي راح فيه أحد الزملاء يلتقط صورا للانفجار، الذي خلف انبعاثا كبيرا للغبار والأتربة التي حجبت عنا الرؤيا، ولم يتسن لنا الوقوف على عدد الإصابات عدا منظر رجل الإطفاء الذي كان مرميا في وسط الطريق، دون حراك. قوة الانفجار دفعت بنا للهروب إلى أعلى التلة لتفادي انفجار ثالث محتمل، لتتضح فيها الرؤيا بعد ذلك شيئا فشيئا ولم نكن نلاحظ إلا أفراد الدرك وهم يقومون بتقديم الإسعافات الأولية لزملائهم في مشهد أقل ما يقال عنه بأنه تراجيدي وتعجز كل التعابير عن وصفه، خاصة سكان المنازل المحاذية الذين خرجوا من ديارهم وهم يدعون الله أن تكون الحصيلة خفيفة، خاصة العجوز التي بلغت من العمر عتيا والتي راحت تضرب بيديها على كفيها وهي تذرف الدموع. أحد السكان دعانا إلى الدخول إلى منزله وقام بتقديم الماء البارد في الوقت الذي هرعنا إلى الجهة المقابلة لرؤية ما يمكن رؤيته. * وإعادة محاولة الولوج إلى منطقة الانفجار إلا أننا منعنا من ذلك في الوقت الذي قطعت فيه كل الاتصالات لنضطر للصعود إلى أعلى التلة من أجل الاتصال بالجريدة التي تلقت النبأ بدهشة لتتهاطل علينا المكالمات من كل أفراد الطاقم للإطمئنان عنا، الشيء الذي كان عاملا في زرع السكينة في قلوبنا، لنباشر بعدها عملنا، ورحنا نبحث عن المعلومة بعد أن تمّ نقل أكثر من ست ضحايا كان أحدهم قد فارق الحياة، لنقارع بعدها أكثر من ساعة من أجل الالتحاق بسيارة زميلنا التي كانت في قلب مسرح العملية عن طريق مسلك آخر عبر أعلى التلة بعد أن نصحنا أحد المقاومين بعدم المغامرة والسير في وسط الطريق العمومي الذي قد يكون ملغما، لنتمكن بعدها من استرجاع السيارة التي لم تتعرض لإصابات، لنعود بعدها أدراجنا إلى مدينة البويرة ولسان حالنا يقول "اللهم لا نسألك رد القضاء ولكن نسألك اللطف فيه"، ضاربين موعدا لقراء الشروق أننا سنكون دوما صوتا لهم ولن يثنينا في ذلك أي عائق مهما كلفنا ذلك. * *