من الصدف الجميلة والمؤلمة في نفس الوقت، أن ذكرى الإسراء والمعراج التي كانت فتحا دنيويا وأخرويا في حياة خاتم الأنبياء والمرسلين عليه الصلاة والتسليم، تزامنت هذا العام مع نكبة فلسطين في الذكرى السابعة والستين لقيام الكيان الصهيوني وتفتيت فلسطين وتشريد أهلها وتهويد المكان الذي أسرى الله إليه بعبده من المسجد الحرام، وصراحة يبدو منظر بعض الأئمة والكتّاب قبيحا جدا، وهم يعدّون مشاهد المعراج وخاصة الإسراء، بكلام إنشاء، كما وردت في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، ويتظاهرون بالافتخار بها واتباع هديها، في الوقت الذي ضاعت فيه القدس مسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا توجد أية نية - ولا نقول محاولة - لأجل استرداده، فقد كانت حادثتا الإسراء والمعراج فعلا، وللأسف تحوّلت إلى قول، يتردد مع حلول الذكرى، وواضح أنه سيتردد بنفس البؤس مدة زمنية طويلة. ولا يمكن لأي مسلم من هذا المليار ونصف المليار، المتواجد في الصومال وآلاسكا، وفي غيرهما من بلاد في القارات الخمس، أن يتحدث عن المغزى من الإسراء والمعراج، وعن فضل بيت المقدس، وعمّا هو موجود في السماوات السبع، وهو يساهم بتخاذله في جعل رحلة الإسراء الليلية من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، الذي بارك الله من حوله، إلى ذكرى أو قصّة جميلة يرويها لأبنائه، ويعجز عن أن ينقلهم إلى هذا المكان الذي كان أولى القبلتين، لأنه بيد كمشة من الناس، لا يكاد عددهم يزيد عن نصف عدد سكان بعض المدن في العالم الإسلامي مثل القاهرة وجاكارتا وطهران واسطنبول. منذ أن انتصر الصهاينة وكانوا عصابات وقطّاع طرق، على سبعة جيوش نظامية عربية في نكبة ماي سنة 1948، والمسلمون يجتهدون في كل أبواب الفقه، فمنحونا مئات الفرق وآلاف العلماء والمفتين، ودخلوا في عمليات تكفير بعضهم البعض، وحتى عندما فتحوا باب الجهاد أوجدوا لنا أعداء جددا، حرّفوا بهم القرآن الكريم الذي خلّد العدو الأول للذين آمنوا وهم اليهود في سورة المائدة، فتارة يعلنون الجهاد على أهلهم، وأخرى على جيرانهم، فظلت المعركة تحوم حول فلسطين، مرة في العراق وسوريا وأخرى في ليبيا واليمن، حيث احترقت الآلاف من ملايير الدولارات، وهلك عشرات الملايين من الناس وبقي سجّانو القدس آمنين. قديما قال صلاح الدين الأيوبي عندما سأله أحد تلامذته عن سبب عبوسه الدائم: "أأضحك والقدس في أيدي الصليبيين"؛ ولكننا الآن نرى كرنفالات من الضحك ليس لدى عامة الناس والحكام وإنما لدى رجال الدين، وهم يروون لنا قصة المعراج والإسراء، من بدايتها في فجر الإسلام، ولكن من دون الانتهاء إلى أن القدس التي لم تعد في أيدي الصليبيين فقط كما كانت في زمن السلطان صلاح الدين، وإنما تحت أقدام ومعاول الصهاينة الذين غيروا ملامحها وألبسوها ثوبا يهوديا وكتبوا تاريخا من سليمان وهيكله إلى نتنياهو وهياكله.. ومن دون إسراء.