أثارت التعليمة الأخيرة لوزارة الداخلية والجماعات المحلية، القاضية بمنع جمع التبرعات بالمساجد، تحت أي غطاء خيري، إلا برخصة مسبقة من الوالي بعد تحريات أمنية وبلدية عميقة والتي قد تستغرق أشهرا..، استياء كبير وسط الأئمة واللجان الدينية والمصلين، الذين اعتبروا التعليمة بمثابة تقييد للعمل الدعوي وتجميد بناء المساجد وإفشال العمليات التضامنية في رمضان، حيث طالبت النقابة الوطنية للأئمة بضرورة تجميد هذه التعليمة التي ستكون لها آثار سلبية وزعزعة الثقة ما بين المساجد والمحسنين الذين يتكفلون بعمليات بناء المساجد وتهيئتها وإنجاح العمليات الخيرية.. أٌغلب المساجد تشهد عمليات صيانة وتجديد استعدادا لرمضان اللجان الدينية ترفض تطبيق التعليمة والأئمة في ورطة تشهد المساجد حالة من الغليان وحربا باردة ما بين اللجان الدينية التي رفضت تطبيق تعليمة وزارة الشؤون الدينية القاضية بتجميد استقبال التبرعات، وبين الأئمة الذين وجدوا أنفسهم مجبرين على رد تبرعات المحسنين بعد تلقيهم تعليمة كتابية من طرف مديري الشؤون الدينية تطالبهم بوقف استقبال الأموال دون الحصول على رخصة مسبقة من الوالي، والتي تتطلب أسابيع طويلة تتخللها تحريات أمنية، وتقارير من الأميار للسماح للإمام باستقبال الأموال. أكد رشيد حمزاوي، رئيس اللجنة الدينية لمسجد ابن باديس بالعاصمة أن تعليمة وزارة الشؤون الدينية القاضية بتجميد تبرعات المحسنين هي تعليمة "بيروقراطية"، هدفها التشويش على العمل الدعوي وزعزعة الثقة ما بين المحسنين واللجان الدينية التي تشرف على استقبال الأموال وصيانة المساجد ودفع مرتبات العمال والمساهمة في بناء المساجد. وأضاف محدثنا أن اللجان الدينية في العديد من مساجد العاصمة تصادمت مع الأئمة الذين أجبروا على وقف التبرعات، خاصة وأن أغلب المساجد تشهد هذه الأيام عمليات تجديد الأفرشة والطلاء والمكيفات الهوائية استعدادا لشهر رمضان، وتجميد استقبال التبرعات في هذا الوقت يعني تكريس الفوضى في المساجد، وقال مصدرنا أن وزارة الشؤون الدينية جمدت منذ أشهر عمليات اعتماد اللجان الدينية، وتعليمة وزارة الداخلية لتجميد التبرعات هي سياسة ممنهجة لإفراغ المساجد من المصلين وإبعادها عن دورها التفاعلي، وخاطب المتحدث أصحاب التعليمة "ارفعوا أيديكم عن المساجد التي بناها الشعب...".
جمال غول رئيس المجلس العلمي للأئمة: التبرعات هي المصدر الوحيد لبناء المساجد ونطالب بالبديل تريّث رئيس المجلس العلمي للأئمة جمال غول، في إبداء رأيه حول التعليمة الأخيرة لوزارة الداخلية، والتي تمنع جمع التبرعات في بعض المساجد، وتقييدها بحصول مدير الشؤون الدينية على رخصة من الوالي، معتبرا في تصريح "للشروق"، أن تعليمة وزارة الداخلية حصرت منع جمع التبرعات على بعض مساجد الوطن فقط "...إذا كان المنع لسبب مشروع، سواء تعلق بغياب الشفافية في جمع وتحويل الأموال، وتسجيل مخالفات وأمور مشبوهة في مساجد معينة، فنحن نرحب بالقرار"، لكن الإشكال في الموضوع حسب غول، أن أموال التبرعات، تُعتبر مصدر التمويل الوحيد لبناء المساجد والمصليات عبر الوطن وتأطيرها، يقول "نحن نُرحّب بالقرار لأسباب موضوعية، فجمع المال في المسجد له سلبياّته، فالعملية تجعل الأئمة والقائمين على الموضوع محل خطر وتهديد دائم من المجرمين، كما أن كثيرا منهم وجدوا أنفسهم محل شبهة واتهام رغم براءتهم... لكن وبما أن أموال التبرعات تعتبر المصدر الوحيد لبناء المساجد، على الدولة أن تفكر في البديل". والحل حسب محدثنا أن تحرص الدولة على توفير مورد مالي ثابت لبناء وترميم المساجد وتأطير القائمين عليها، وفق مخطط وميزانية سنوية، يتساءل "لماذا لا تحرص الدولة على بناء المساجد مثل حرصها على تشييد المدارس والجامعات...؟".
جلول حجيمي رئيس النقابة الوطنية للأئمة: نحن على أبواب رمضان ويجب إلغاء التعليمة فورا اعتبر المنسق الوطني لنقابة الأئمة جلول حجيمي، أن تعليمة وزارة الداخلية جاءت في غير وقتها، ويُوضح "للشروق"... تفصلنا أيام فقط عن شهر رمضان المعظم، وكان الأجدر الانتظار والتريث، لأنها ستثير بلبلة في المساجد، فمضمون التعليمة غامض ويحتاج لتوضيح، لأن كل طرف فسّرها على هواه. وحسب حجيمي "كنا ننتظر أن تصدر تعليمة كهذه من وزارة الشؤون الدينية والأوقاف التي تملك الصلاحيات الدستورية في هذه المواضيع، أما وزارة الداخلية فلها أن تُنظم الأمور وتراقبها، ونستغرب عدم استشارة نقابتنا في الموضوع باعتبارها طرفا فاعلا، الجميع يعلم أن المساجد تبنى من تبرعات المحسنين، فيما لا تساهم الدولة إلا ب10 بالمائة في ذلك، نحن لا نعارض التعليمة، لكن نتمنى أن تكون فيه توضيحات أكثر وأمور تنظيمية، وإذا بقي الغموض فالأجدر إلغاؤها فورا، خاصة ونحن على أبواب شهر رمضان، أين تزيد تبرعات المحسنين".
حمدادوش ناصر ممثل الكتلة البرلمانية لتكتل الجزائر الخضراء: التعليمة جمدت تمويل 5 آلاف مسجد قيد البناء فتح مسؤول الإعلام ناصر حمدادوش النار على تعليمة وزارة الداخلية، ففي سؤال شفهي وجّهه لوزير الداخلية حول موضوع التضييق والبيروقراطية الإدارية في جمع التبرعات في المساجد، اعتبر التعليمة بمثابة صدمة للشعب الجزائري، خاصة وأن تبرعات المحسنين عن طريق الجمعيات الدينية وفق التنظيم المعمول به ساهمت في بناء 18 ألف مسجد، وأكثر من5000 مسجد في طور الإنجاز، حيث تبلغ الحصيلة السنوية للأموال المتبرع بها حوالي 400 مليار سنتيم، مُعتبرا "أنّ الدّولة هي الغائب الأكبر في بناء المساجد، إذ لا تساهم إلا ب10٪ فقط، ويقتصر دورها على الترميم والتجهيز، مع التركيز على بعض المساجد دون غيرها، مثل مسجد الجزائر وبعض المساجد التاريخية... كما أنها لا تدرج المساجد -أصلا- ضمن المرافق الضرورية أثناء انجاز المشاريع السكنية، واعتبر حمدادوش منع بعض المساجد من جمع التبرعات، بمثابة عقاب لها، ودليل على انعدام الثّقة في الأئمة والجمعيات المعتمدة من طرف الدولة، وفي شخص مديري الشؤون الدينية والولاة والأجهزة الأمنية التي تتابع العملية. وتطرق النائب لموضوع تجميد إنشاء الجمعيات ذات الطابع الديني واللّجان المسجدية، بسبب تعطيل صدور مشروع القانون الخاص بها.
الباحث في العلوم الإسلامية الداعية كمال أبو سنة: تقييد التبرعات يعني وقف بناء المساجد انتقد الباحث في العلوم الإسلامية والداعية كمال أبو سنة تعليمة تقييد التبرعات المسجدية التي ستؤثر حسبه سلبا على الكثير من العمليات التضامنية التي تعتمد على تبرعات المصلين على غرار عمليات بناء وصيانة المساجد، دفع مستحقات عمال المساجد، تمويل مطاعم الرحمة ومساعدة العائلات المعوزة في رمضان، تمويل مسابقات حفظ القرآن.. واستغرب المتحدث استقالة البلديات من صيانة المساجد ودفع مستحقات عمالها من الحراس، في حين استقالت الدولة من بناء المساجد منذ زمن طويل "ولولا أموال المصلين لما بنيت المساجد في الكثير من القرى والمداشر والمناطق النائية، أين حول المحسنون الكثير من المساجد إلى مؤسسات من خمسة نجوم مزودة بكامل تجهيزات الراحة والأمان". وطالب المتحدث من السلطات الوصية تخصيص ميزانيات معلومة لبناء وتسيير المساجد على مدار السنة. جمعية العلماء: على الدولة تخصيص ميزانية لبناء المساجد وتسييرها
أكد رئيس شعبة جمعية العلماء المسلمين الجزائريين وإمام مسجد عمر بن الخطاب بالرغاية، الشيخ محمد سعيود "للشروق"، أن تبرعات المحسنين هي ما يوفر الراحة لمرتادي المساجد، وتتيح لهم الجو الملائم لأداء شعيرة الصلاة، فبأموالهم تشترى المكيفات الهوائية والسّجادات ومصاحف القرآن، وتنظف المساجد ويُطعم الفقراء، خاصة في شهر رمضان، فإذا أقفل هذا الباب ستجد المساجد نفسها في ضائقة مالية ما ينعكس سلبا على راحة المصلين والقائمين على المساجد... على الدولة الاهتمام بهذا الباب إذا أرادت منع جمع التبرعات، وتخصيص ميزانية للمساجد بدل إهدار المال شرقا وغربا وفي غير أماكنه.