داخل المطعم العملاق لاشك أنها مدينة عالمية داخل العاصمة الصينية بكين، فهي تضم بين أسوارها كل ما يمكن أن يروق رواد المدن العالمية، وتضم بين جنباتها أشهر وأبرز نجوم العالم من مختلف الرياضات ومن جميع أرجاء العالم. * القرية الأولمبية في بكين يصعب مضاهاتها، بل هي الركن الأساسي في عناصر نجاح أولمبياد بكين، ونموذج حي على ما قدمه الصينيون للحركة الأولمبية. * * شوارع أوروبية وتجهيزات أمريكية * كنت أحمل في مخيلتي أفكارا حول القرية الأولمبية بما وسعت ورحبت، لكني لم أكن أتخيل البتة أنها بذلك الحجم، بل بقيت طيلة فترة رحلتي القصيرة من المركز الصحفي إلى القرية الأولمبية أفكر في هذا الأمر. * وبمجرد وصولي القرية رفقة زملائي الإعلاميين، بداية من نقطة الدخول، وجدت نفسي منبهرا مثل غيري من رواد القرية؛ فشوارعها النظيفة صممت على الطراز الحديث، تعطي الانطباع بأنك في أحد شوارع أوروبا أو الولاياتالمتحدة، سواء من حيث التجهيز الرائع لها أو المساحات الخضراء التي تجذب النظر دائما. * * أرقام قياسية في الخدمات المقدمة * تقع القرية الأولمبية شمال غرب المدينة الأولمبية، وتبعد نحو كيلومتر واحد عن الملعب الوطني، وستستضيف نحو 15 ألف شخص خلال دورة الألعاب الأولمبية، يشكل منها أزيد من 10 آلاف رياضي. وتشهدت القرية الأولمبية حركة دؤوبة ونشيطة للرياضيين والوفود المشاركة. * وفي الجهة الشرقية من القرية الأولمبية، عملت اللجنة المنظمة على تخصيص42 بناية من 5 طوابق من أجل الإقامة، حيث وفرت 3276 شقة تحتوي على 9993 غرفة ونحو 16 ألف سرير، تستقبل عشرة آلاف رياضي ورياضية في 3276 شقة. * * الجزائر بين نيجيريا وإيران * الدخول إلى القرية الأولمبية بالنسبة لنا كإعلاميين يتطلب الكثير من الإجراءات، والبداية تكون من طلب يقدم قبل أربع وعشرين ساعة من موعد الزيارة، موقع من طرف مسؤولي البعثة الجزائرية، وتحدد عدد الزيارات بالنسبة للوفد الجزائري ب15 تأشيرة حسبما أبلغنا به رئيس الوفد محمد مريجة. * بعدها تبدأ إجراءات الحصول على التأشيرة من خلال إيداع جواز السفر والخضوع للتفتيش والمراقبة، لتصل إلى المدخل الرئيسي الثاني، حيث يرفض دخولك بدون مرافقة أحد من المقيمين أو من أعضاء البعثة التي تزورها. * انتظرت رفقة زميلي عبد الكمال من "ليبرتي" وشفيق بوكابس من "لوصوار" أكثر من ربع ساعة، لكن لا أحد من الوفد الجزائري كان في الانتظار أو مر من هناك، قبل أن نتحدث إلى رياضي ليبي الذي تظاهر بأننا في زيارة خاصة له وقام بتخليصنا من هذا المطب، حينها كانت الساعة في حدود منتصف النهار. * يتواجد مقر إقامة البعثة الجزائرية في الجهة الشرقية، وهو محاذ للطريق السيار ضمن الجناح في جهة اليمين عن المدخل الرئيسي، بمحاذاة بعثات وفود البلدان الأخرى، منها نيجيريا، وإيران وعدد كبير من البلدان الإسلامية والعربية. * * الأعلام أيقونة للتعريف ومصدر للافتخار * لا توجد إشارات تمكنك من التعرف على مقر إقامة الوفود، ولكن أحد المنظمين أبلغنا بأن ذلك متعمد وذلك لمحاولة بعض الوفود المشاركة إخفاء هويتها لتفادي تهافت الزوار، خاصة إذا كان هذا الوفد يضم نجوما عالميين في صورة الوفد الأمريكي أو الأرجنتيني أو البرازيلي. * عند مدخل البناية التي يقيم بها أعضاء الوفد الجزائري وكذلك النيجيري، وجدنا مجموعة من الرياضيين عند مشارف البناية وعلى المساحة الخضراء يتبادلون الحديث، كان في مجملهم أعضاء المنتخب الوطني للملاكمة والعداء سعيدي سياف. * 50 ألف وجبة يوميا.. وخمسة آلاف في ساعتين! * داخل القرية الأولمبية، حرصت اللجنة المنظمة لدورة الألعاب الأولمبية في بكين على تخصيص كل وسائل الراحة والترفيه للمشاركين والمشاركات في المنافسات، عبر بناء قرية أولمبية من الطراز الرفيع، تتضمن شققا وعيادة طبية ومطعما يوفر نحو1000 وجبة وقاعة رياضية ومرقص. * بعد أن قضينا مأربنا والحديث مع مجموعة من عناصر الوفد الجزائري، دعانا رئيس البعثة الجزائرية محمد مريجة والأمين العام للجنة الأولمبية نصر الدين نعيجي إلى تناول وجبة الغداء معنا. * وبالنسبة لنا كزوار، كان لزاما على السيدين نعيجي ومريجة دفع تذاكر الإطعام، بالطبع مجانا، لكن لابد من تقديم طلب قبل ذلك. وتقوم شركة أمريكية لخدمات المطاعم بتحضير الطعام للرياضيين، وتشهد أكلات البيتزا إقبالا كبيرا، وربما كان زميلنا دريس دقيق من التلفزيون الجزائري أول المقبلين على ذلك. * وبإمكان أن تقدم 5 آلاف وجبة خلال ساعتين عندما يكون الضغط كبيرا، ونحو مليون تفاحة ومليوني قطعة خبز تم استهلاكها طيلة فترة الألعاب الأولمبية. * * مطعم "حلال" للمسلمين * يملك المقيمون خيارات كثيرة في هذه المطعم، فهناك الأكلات الآسيوية والمتوسطية، وحتى أكلات "حلال" للرياضيين المسلمين. وعموما، يوفر المطعم نحو 1000 أكلة، ولكل أكلة تفاصيل مضامينها وقيمتها الغذائية. * ويتردد كثيرا الرياضيون المسلمون على هذا المطعم، بينما يفضل البقية تناول الخضروات والأسماك دون اللحوم لمخالفة الشرع. * * شقق مريحة وعيادة طبية بحجم مستشفى * وعمل المنظمون على تجهيز الشقق (معدل مساحة كل واحدة 120 متر مربع) التي تتوفر على غرف بسرير واحد وأخرى بسريرين، بكل وسائل الزخرفة والترفيه وما يحتاجه الرياضيون والرياضيات. وعلى شُرف الغرف، وكما درجت العادة، تقوم الوفود المشاركة بعرض أعلامها الوطنية. * وجهزت القرية الأولمبية بعيادة طبية وضعت رهن إشارة المقيمين بها، وذلك من أجل الفحوصات والتعافي في حال الإصابة أو المرض، يشرف عليها 41 طبيبا متطوعا. * وكما هو معروف، يضطر الرياضيون إلى التوجه إلى المستشفيات الكبرى من أجل الخضوع للفحص بالأشعة المغناطيسية للوقوف على مدى خطورة إصاباتهم في حال تعرضهم إليها، بيد أن الأمر سيكون مختلفا في دورة بكين، حيث سهلت اللجنة المنظمة المهمة عليها بتجهيزها العيادة الطبية بجهازين للفحص بالأشعة المغناطيسية، وبالتالي سيضعون لها في عين المكان ولن يجبروا على التوجه إلى المستشفى. * * حدائق غناء وملاعب ومسابح للترفيه * وفي غرب القرية الأولمبية، توجد حديقة أزهار تحظى بعناية فائقة من قبل المتطوعين، بالإضافة إلى مطعم كبير يسهر عليه نحو 5500 شخص على مدار 24 ساعة. * وغير بعيد عن المطعم، توجد صالة رياضية كبيرة ومعدة بكل التجهيزات الرياضية التي تخول الرياضيين القيام بالتمارين الرياضية والحفاظ على رشاقتهم ولياقتهم البدنية، وفي الخارج يوجد مسبح. * وعلى بعد أمتار قليلة هناك وسائل الترفيه، صالة تضم 18 شاشة كبيرة لعرض الأفلام التي يرغب الرياضيون مشاهدتها، بالإضافة إلى أجهزة للعب كرة القدم والبيار. * * حراسة مشددة وكاميرات مراقبة في كل مكان * أما بالنسبة للأمن، فإن اللجنة المنظمة لم تترك شيئا للصدفة، فالحراس متواجدون بكثرة في كل الأماكن، كما تم وضع سياج مزدوج يحرسه رجال شرطة تبلغ المسافة بين كل منهم 200 متر، بالإضافة إلى وضع كاميرات مراقبة لإحباط أي محاولة للدخول إلى القرية الأولمبية. * * خدمات دينية ومصلى لا يكفي يوم الجمعة * ولأول مرة في تاريخ الأولمبياد تم تخصيص مركز للخدمات الدينية يقدم على مدار الساعة لقاطني القرية باللغات العربية والانجليزية والايطالية والفرنسية والكورية والعبرية، ويقدم المركز خدماته لأتباع الإسلام، المسيحية، اليهودية، البوذية والهندوسية، وبمجرد ولوجنا هذا المركز طلب منا عدم استعمال الكاميرا لا أدري ما السبب وراء ذلك لكن المتطوعين الذين تحدثوا إلينا أشاروا بأنه ممنوع. * طيلة الرواق المؤدي، عبرنا على بيعة لليهود، الذي يقابله على الجهة اليمنى معبد للهندوس، وآخر على شكل كنيسة للمسيحيين، لكن المميز أن المصلى يوجد في الأخير. * إلتقينا أحد المتطوعين من مدينة بكين يدعى عبد الرحيم إيوان، يجيد الحديث باللغة العربية، وبعد أن سلم علينا بدأ يشرح لنا المصلى وأماكن الوضوء، كان الأمر في غاية الروعة. * أدينا أنا وزميلي من ليبرتي صلاة الظهر والعصر جمعا وقصرا، قبل أن نعود إلى الحديث مع عبد الرحيم، لكن تفاجأنا بأنه منع من الحديث. * يقول عبد الرحيم: "نحن ممنوعون من الإدلاء بأي تصريح؛ لأننا تابعون للجنة المنظمة، الرجاء لابد من الحصول على ترخيص"، بيد أن عبد الرحيم مافتئ أن نصحنا بزيارة المساجد في بكين قائلا: "إذهبوا إلى بكين وهاكم هذه العناوين لمساجد، إنها في غاية الروعة وبها أئمة متمكنون". * كانت غايتنا معرفة الأجواء الروحانية في القرية الأولمبية، فأبلغنا أحد الحضور بأن المركز الديني يعرض القرآن وأن بإمكان الرياضيين استخدامها مجانا. * كان صوت إمام الحرم المكي عبد الرحمن السديس ينبعث في أرجاء المركز الديني، قبل أن يتأسف محدثنا عند الإدلاء بالمزيد. * ويقال أن المسلمين يعانون من مشاكل لا حصر لها وتضييق كبير، حيث يقدر عددهم بحوالي 20 مليون مسلم، وربما هي الأسباب الكامنة وراء الامتناع عن الإدلاء بتصريحات. * ويشهد المصلى توافد أعداد مقبولة من الرياضيين المسلمين، خاصة في صلاة الجمعة، حيث يمتلئ عن آخره، بل ويتم توسعة قاعة الصلاة لتشمل جزءا كبيرا من الرواق. * وتكفي قاعة الصلاة لاستيعاب حوالي 40 مصليا، لكن الجمعة الماضية فاق فيها عدد المصليين المئة، لكن مدرب المنتخب الوطني للجيدو سيدات، عبد الحميد شعلال، بدا مندهشا لأول مرة وهو يشاهد إماما يلقي الخطبة وآخر يؤم الصلاة. * يقول عبد الحميد شعلال: "كنت مضطرا لأسال مدرب منتخب الجيدو للذكور أحمد موسى، فهو يفقه في الدين، وزار البقاع المقدسة مرات ومرات، لكن الأمر بدا غريبا بالنسبة له.. ولكن في الأخير الأعمال بالنيات". * ويضطر باقي الرياضيين إلى أداء فريضة الصلاة يوم الجمعة في المساجد الكبيرة المتواجدة في بكين، مثل مسجد نيوجيه المتواجد بشارع البقر، والذي يعرف توافدا كبيرا من مسلمي بكين.