يشرح العقيد عمار بن عودة، عضو مجموعة ال 21 التي مهدت لاندلاع الثورة التحريرية، في الحوار الذي خصّ به "الشروق"، ظروف هروبه إلى منطقة الأوراس التي أقام فيها مطلع الخمسينيات بعد هروبه من السجن واكتشاف المنظمة السرية من طرف الاستعمار الفرنسي، ويكشف في هذا الحوار علاقته بالشهيد مصطفى بن بولعيد، ورفيق دربه مصطفى بن بوستة، إضافة إلى طريقة تعامل أعضاء المنظمة السرية مع مجموعة الخارجين عن القانون بطريقة وصفها بالمتبادلة والمتكاملة، ويشرح العوامل التي جعلت منطقة الأوراس تحتضن الثورة منذ البداية، موازاة مع المساعي القائمة من قبل المناضلين قبل ضبط الأمور من قبل مجموعة ال 21. كشفت في تصريحات سابقة ل"الشروق" جوانب مهمة من سيرتك النضالية والثورية، لكن الكثير يجهل فترة هروبك إلى منطقة الأوراس بعد اكتشاف المنظمة السرية، ما قولك في هذا الجانب؟ حدث ذلك مطلع الخمسينيات، حيث كنت متواجدا في سمندو رفقة زيغود يوسف، فقالوا لنا إن السيارة في انتظاركم، ولا ندري الاتجاه إلى أين، وصلنا إلى السيارة فوجدنا رجلا كبيرا ذا همة وهيبة، ركبنا في السيارة ومرافقنا جلس جهة الأمام، وبمرور الوقت وصلنا إلى باتنة ثم لامباز (تازولت حاليا)، وفجأة نظر السائق إلى عيني زيغود يوسف ولاحظ أنهما زرقاوان، علما أننا كنا بألبسة نسوية (ملايات وعجارات)، فانتبه مرافقنا إلى نظرة السائق الذي راوده الشك بأننا لسنا نسوة، فطلب منه التوقف في تازولت بحجة أن لديه أقارب يتطلب زيارتهم. بعد نزولنا نزعنا اللباس النسوي وسرنا بصورة عادية، حيث "تعشينا" عند شخص اسمه بليوي من عرش توابة غير بعيد عن آريس، ولأول مرة أسمع كلمة لها رنة شاوية "إذا ما شبعتوش نجيبولكم الفولكاكة". لم تذكر لنا اسم مرافقكم من قسنطينة نحو باتنة وصولا إلى آريس؟ عرفت اسمه أثناء تناولنا العشاء بعد قرب وصولنا إلى آريس، وهو السيد مسعود بلعقون، وعرفت أنه إنسان جاد ومناضل "تاع بارود"، ويعد قدوة في الصدق والإخلاص. أين كانت وجهتك بعد وصولك إلى آريس؟ تحوّلنا إلى منطقة بني بوسليمان، واستقر بي المقام في خنقة بوستة بنواحي تكوت، حيث تنقلنا إلى السيد الشهيد مصطفى بن بوستة الذي يعد نائب مصطفى بن بولعيد. ما هي النظرة التي أخذتها على منطقة الأوراس مباشرة بعد وصولك إلى خنقة بوستة؟ أعتقد بأن طبيعة الأوراس تفرض على الشخص أن يتحلى بالوطنية، لأن وعرة الجبال وقساوة الطبيعة، يحتمان على الفرد أن يدافع ويموت من أجل وطنه، والشيء المهم أننا تعلمنا الصبر والكفاح، وتعلمنا معنى المقاومة والصدق والإخلاص. وجودنا في الأوراس كان لنا بمثابة مدرسة حقيقية لعدة أمور وجدناها وساعدتنا خلال الثورة، فالصبر تعلمناه في الأوراس، صحيح أننا جئنا من مدرسة تكوّن الرجال، كنا رجالا حقيقة، وكنا هاربين من السجن الذي لم يهرب منه أي أحد، وهو ما يؤكد أن لدينا الشجاعة، لكن في الأوراس تعلمنا الكثير. من هم زملاؤك من المنظمة السرية الذين قرروا الهروب إلى منطقة الأوراس؟ هم عبد الله بن طوبال وأحمد زيغود وعبد السلام حباشي وبيطاط والمتحدث، كنا في خمسة لكن في أماكن مختلفة، فأنا استقريت في خنقة بوستة رفقة زيغود يوسف، وبن طوبال متواجد بناحية آريس، والكلام ينطبق على بقية أعضاء المنظمة السرية المتواجدين في مناطق تابعة لقرى آريس، وفي شهر رمضان كنا نلم الشمل ونتجه ناحية منطقة تسمى "القابل"، ونوفر المتطلبات الغذائية حتى نقضي شهر رمضان الكريم في جو مقبول، من خلال تحضير مختلف الأطعمة مثل البربوشة والكسرة والبطاطا وغيرها، وهنا أذكر بأني كنت أتقن صنع أكلة حيّرت الكثير في تلك الفترة وهي "سفنج" باستعمال السكر والعسل، ومرة زارنا بعض أعضاء الخارجين عن القانون الفرنسي على غرار مسعود بن زلماط والمكي عايسي والصادق شبشوب خلال شهر رمضان، فوضعنا لهم الشاي وأكلة "سفنج"، فبدأوا يتساءلون عن مصدرها "منين جبتوه"، فقالوا لهم هذا من صنع بن عودة. نفهم من كلامك أنك رفقة أعضاء المنظمة السرية كانت لكم علاقة تعامل وتواصل مع مجموعة متمردي الشرف أو ما يصطلح عليهم بالخارجين عن القانون الفرنسي؟ نعم، كنا نلتقي بهم من حين إلى آخر، وكانت تجمعنا بهم علاقة طيبة، حيث استفدنا منهم مثلما استفادوا منا. هل يمكن أن تذكر أسماء مجموعة متمردي الشرف الذين تعاملت معهم؟ أذكر منهم مسعود بن زلماط وحسين برحايل والصادق شبشوب (قوزير) رفقة زوجته التي حملت السلاح إلى جانبه، والمكي عايسي وغيرهم. هل ترى وجود تكامل بين أعضاء المنظمة السرية والخارجين عن القانون الفرنسي؟ أكيد أن هناك تعاملات متبادلة ومفيدة للجانبين، فنحن أعضاء المنظمة السرية قمنا بعدة جهود حتى نوصل لهم مبادئ في الوطنية، وطنية متمدنة إن صح التعبير، فالذي كنا نعرفه من خلال نضالنا في الحركة الوطنية والمنظمة السرية منحناه دون بخل، كما تعلمنا منهم أيضا الكثير في مجال الصبر والإخلاص وحب الوطن وكره المستعمر.. تعلموا منا وتعلمنا منهم. ما هي الجوانب السلبية التي حاولتم إقناعهم بتفاديها؟ الخارجون عن القانون أو كما كنا نسميهم ب "الخماتية" كانوا لا يعرفون سوى لغة السلاح، وهو ما يجعلهم أحيانا يستعملون القوة للحصول على الذخيرة أو المؤونة، لكن بمرور الوقت أقنعناهم بعدم جدوى استعمال السلاح للحصول على ما يريدونه "مابقاش عندك موكحلة تفرض نفسك"، وقلنا لهم لا تفرضوا أنفسكم بالسلاح، كل شيء بالرضا، اطلبوا من الشعب أن يمدوكم بما تريدون وإذا رفض علينا البحث عن البدائل بالطرق الودية. هل اتصفوا بالمرونة تجاه مقترحاتكم؟ هناك تفاهم جيد من هذا الجانب، وهو ما يؤكد علاقتنا الطيبة مع أغلب الخارجين عن القانون، باستثناء قرين بلقاسم الذي لم نكن نتفق معه بشكل جيد، ففي إحدى المرات توجهنا نحو "القابل" في أجواء رمضان فأطلق علينا الرصاص دون معرفة الأسباب الحقيقية، لكن رفضنا الرد عليه "ما نعرف واش كان في عقلو". بحكم تواجدكم في منطقة الأوراس مطلع الخمسينيات، هل كنت ترى وجود مؤشرات حول إمكانية اندلاع الثورة؟ بكل صراحة، الشعب كان مهيأ للثورة، لأنه وصل إلى قناعة بضرورة محاربة المستعمر، ما جعل استجابته تكبر يوما بعد يوم، بفضل العمل الكبير الذي كان يقوم به المناضلون في الخفاء، وهنا أسرد لك حادثة طريفة رواها لي الشهيد مصطفى بن بولعيد مع نائبه مصطفى بوستة، حيث قال لي "ذهبت إلى صاحبك بوستة فرد علي قائلا: هل جئت عندي من أجل الثورة أو من أجل الانتخابات، إذا جئت من أجل الثورة فمرحبا، أما إذا قدمت لغرض السياسة أو الانتخابات "روح تروّح"، فرد عليه مصطفى بن بولعيد لقد جئتك من أجل الثورة". الكثير يجهل المناضل مصطفى بوستة، فكيف ترى دوره في التحضير للثورة مادمت قد أقمت عنده؟ مصطفى بوستة كانت لديه مكانة خاصة عند الشهيد مصطفى بن بولعيد، وهو أول من تحدث معه من منطقة بني بوسليمان وكيمل والشرفة، بصراحة مصطفى بوستة يعد من الرجال الكبار والمخلصين للوطن والثورة، كان "أرڤاز" ورجل بأتم معنى الكلمة. كم دامت مدة إقامتكم في الأوراس؟ لا أتذكر المدة بالضبط، لأنني لم أكن أحسب عدد الأشهر، لكن ما يجب قوله هو أنني استفدت كثيرا طيلة تلك الفترة ، قد تكون عاما أو أكثر، لأننا قصدنا الأوراس في شهر ماي، موازاة مع هروبنا من السجن وتوجهنا إلى سمندو، وغادرناه في فصل الصيف. كيف كانت علاقتك بالشهيد مصطفى بن بولعيد؟ كانت جيدة، فهو رجل طيب، عرفته أول مرة عام 1948 بقرية فم الطوب بباتنة، حيث كانت لديه مزرعة هناك، فذهبت إليه للقيام بتربص وتدريبات في مجال القنابل والمفرقعات والديناميت والميق وغيرها، وقد كنت إلى جانبه لمدة 3 أيام، كان مخلصا ومؤمنا، وهو ابن زاوية ويخاف الله. هل جمعتك به لقاءات أخرى؟ بعد مغادرتي الأوراس، التقينا في اجتماع ال 21، الذي عرف إجراء الانتخابات لاختيار مسؤول على الثورة، لكن لم يتسن الحصول على نتيجة بالأغلبية في ظل انتخاب بن بولعيد ومرات أخرى بوضياف، وهو ما جعلني أقول لبن بولعيد لو نعيد الانتخابات بهذا الشكل فلن نصل إلى نتيجة، فلماذا لا تقومون بالإجراءات التي تلجأون إليها في سوق الجمعة (ربما يقصد سوق عيد الخريف السنوي)، حيث يتم لم شمل الأعراش والجمعيات ويشكلون جماعة تشرف على متطلبات سكان الأوراس والأعراش، واقترحت عليه هذه الفكرة من أجل التصويت عليهم بنظام القيادة الجماعية، بدلا من تكرار الانتخاب على الرئيس. كيف كان رد فعله؟ استحسن الفكرة، وأكد بأنه سيقول لبوضياف وبيطاط، وهو الأمر الذي حصل بعد الغداء، موازاة مع العودة لمواصلة عقد الاجتماع، حيث أخذوا بالمقترح، وتم اختيار قيادة جماعية مشكلة من بن بولعيد وبوضياف وبيطاط وديدوش مراد وبن مهيدي، حيث صوت الجميع عليها تحسبا لموعد اندلاع ثورة الفاتح نوفمبر. هل نفهم من كلامك أنك جنبتهم إشكالا تنظيميا قائما؟ هذا مجرد اجتهاد فقط، وفضلت أن أقوله لبن بولعيد الذي أخذ الفكرة بعين الاعتبار، لكن للأسف ابنة بن بولعيد تقول إن بن عودة "يخرف"، وتصرح بأن والدها هو رئيس الثورة، والحقيقة أن الثورة كانت لها قيادة جماعية، كما أنه في حال الانتخابات يمكن اختيار بوضياف لأنه كان مسؤولا على ولاية قسنطينة القديمة، وهو أكثر توسعا من بن بولعيد الذي كان مسؤولا على منطقة الأوراس. ما هي الأسباب التي جعلتكم تغادرون منطقة الأوراس؟ السبب هو حملة التمشيط الدقيقة التي قامت بها قوات الاستعمار الفرنسي انطلاقا من بسكرة مرورا على تكوت وآريس وحنبلة وإينوغيسن، ما جعلنا نغادر نحو مرتفعات شيليا ثم الشمرة، لنتحول إلى قسنطينة في أجواء صيفية، حيث توجهنا إلى عمار بوجريدة، لكن خفنا أن ينكشف أمرنا، ففي الوقت الذي بقي زيغود يوسف في سمندو، أما أنا فتنقلت إلى عنابة، وبعد ذلك طلب مني التحوّل إلى العاصمة، حيث استقر بي المقام في بوزريعة قبل أن أتحول إلى منطقة القبائل التي أقمت فيها مدة معينة، حيث عشت في عدة أماكن رفقة أوعمران وكريم بلقاسم، وبعدها قررت المغادرة. لماذا في رأيك؟ السبب يعود إلى تقسيم الحزب، قلت لهم أنا لست مركزيا ولست مصاليا، فما جدوى بقائي بعد تقسيم الحزب، وأخبرتهم بأنني عائد إلى عنابة، لأن الحزب الذي جئت من أجله فقد وحدته. هل نفهم من كلامك أنك انسحبت من المجموعة؟ لم يحدث ذلك، لأنني التقيت زيغود يوسف في سمندو، وتحدثنا في الموضوع، وقال لي "هذا الانقسام ممكن يأتي منه الخير"، مشيرا لي أن ديدوش مراد قادم، وسوف يجري العمل من أجل الصلح بينهم، أو نكسب مصالي الحاج أو بن خدة، وممكن سنقدم على التحضير لاندلاع الثورة. كيف كان ردك؟ قلت له دعنا من هذا الكلام، التونسيون رجال وعرفوا كيف يحدثون ثورة، أما نحن فلا أعتقد، وقلت له أنا ذاهب إلى عنابة في انتظار حدوث أي مستجدات، حيث أقمت عند محمد راشدي، وبعد ذلك جاء بولعراس بوشريحة إلى دار هذا الأخير، وجاءت المناسبة للتنقل لحضور اجتماع موجوعة ال 21 التي حسمت في أمر التحضير لاندلاع الثورة. ما هي المهمة التي أوكلت لك؟ في الأول تم تعييني مسؤولا على مستوى ميلة وما جاورها، حيث كوّنت فوجين، لكن في آخر لحظة طلبوا مني التحوّل إلى عنابة، في الوقت الذي تقرر أن يخلفني بن طوبال على مستوى ميلة، فقلت لهم ماذا سأفعل قبل أسبوع عن موعد اندلاع الثورة، خصوصا أن العمل الكبير قمت به في ميلة، الوقت غير كاف لإعادة تحضير الأمور في عنابة، فطلبوا مني طبع وتوزيع منشور بيان أول نوفمبر، حيث منحوني آلة راقنة، ما جعلني أقضي 3 أيام لكتابة البيان، وفعلا تمكنت من طبع البيان، وأحضرت 5 أشخاص لمساعدتي في المهمة، موازاة مع التحضير لموعد اندلاع الثورة التحريرية. كيف ضبطت على مستوى منطقة عنابة؟ الحقيقة لم يكن لدينا سلاح ولا هم يحزنون، حيث لم نتوفر سوى على شاقور حاولنا توظيفه لقطع كابلات في مركز البحرية، وذهبنا إلى أحد المصانع لتكسير الزجاج لكن لم نجد ما نبحث عنه بعدما جلبنا معنا قارورتي بنزين، خلاصة القول أننا قمنا بالتحضير لثورة الفاتح نوفمبر بوسائل بسيطة دون سلاح، عدا الفأس والشاقور لقطع خيوط الهاتف وكابلات مركز البحرية. هناك من يتهمك بالضلوع وراء الإعدامات التي ذهب ضحيتها إطارات في الثورة، ما قولك؟ شخصيا لا علاقة لي بالإعدامات، وكنت أرفض هذه الفكرة من أساسها، والدليل أنني لم آمر بالقتل سوى على شخص واحد أو اثنين على الأكثر، الأول هرب دون مبرر، وأمرت أن يطلقوا عليه النار، والثاني هو جندي جندناه وأعطيناه السلاح (فيدي ميليترا)، ثم هرب، فأمرت أيضا أن "يعطيوه الحس"، باستثناء كل هذا أنا كنت ضد الذبح أو الإعدام، والدليل أن الناس كانت تغني وتشيد بجيش عمار بن عودة حتى في الأعراس، الحمد لله أننا لم نفعل الشر، ولم أتسبب في إيذاء أحد، وفي مقدمة ذلك سكان المشاتي، بدليل أننا نفضل تأجيل استهداف عساكر الجيش الفرنسي بعد أن نبتعد لتفادي أي أذى لسكان القرى والمشاتي. بماذا تفسر إعدام العديد من إطارات الولاية التاريخية الأولى على غرار لعموري ونواورة وعواشرية وغيرهم؟ هذه قضية طويلة، فإعدام لعموري يتحمل مسؤوليته فتحي الذيب، وأنا كنت ضد فكرة إعدام لعموري، لأن الأولوية في نظري هو إعدام فتحي الذيب المحسوب على المخابرات المصرية. هل من توضيح أكثر؟ يقولون إن لعموري أراد تنفيذ الانقلاب على فرحات عباس، تحت مبرر أنه كان ضد فرحات عباس، والسؤال المطروح هنا، هل حدث هذا الانقلاب فعليا، وهل أسالوا الدم، والكلام ينطبق على عواشرية وأحمد نواورة، أعتقد أن تنفيذ الإعدام في حقهم كان ظلما كبيرا، خصوصا أن ما حدث كان مجرد موقف لم يتجسد على أرض الواقع، ومن غير المعقول أن يتم تصفيتهم بمجرد الاطلاع على النوايا. هل اتخذت موقفا في هذا الجانب؟ قلت للعموري إذهب إلى العراق ولا تبقى في القاهرة، لأنه في حال بقائك سوف يرغمونك على الذهاب إلى فتحي الذيب، وقد تحصل انعكاسات سلبية، لأن هناك مجموعة جزائريين يعملون مع فتحي الذيب، وأعرف كم يقبضون من دراهم، فتحي الذيب إنسان رخيص ويسيطر عليه الطمع، ولا يؤتمن جانبه، بدليل أنه تسبب في عدة مشاكل في هذا الجانب. وماذا عن قضية إعدام عباس لغرور؟ القضية تعود إلى وجود لقاء في تونس، وتباحثوا بخصوص تعيين قيادة، لضبط المسائل التي تخص أمور منطقة الأوراس، لكن لم يتفقوا وتقاتلوا فيما بينهم داخل الفيلا التي كانوا يتواجدون فيها، ما جعل محساس يضعهم في السجن بعدما جلب لهم الدرك. وكيف كان مصيرهم بعد ذلك؟ المتواجدون في السجن تم قتلهم من طرف أوعمران، بما في ذلك عباس لغرور. من أين استمد أوعمران هذا القرار؟ أوعمران قال لدي أوامر من عبان رمضان، وأكد بأن جميع من كان مع بن بلة ومحساس سيكون مصيره الموت. هل نفهم من كلامك، أن إعدام عباس لغرور لم يكن بسبب قضية شيحاني بشير؟ المؤكد أن إعدام عباس لغرور لا علاقة له بقضية شيحاني بشير، سمعت كثيرا مثل هذا الكلام، لكن لا أساس له من الصحة ولم يعدم عباس لغرور انتقاما لإعدام شيحاني بشير، أوعمران تلقى أوامر من عبان رمضان، واستعمل الحيلة، بدليل أن مقتل عباس لغرور وآخرين، كان في الحدود مع الولاية الثانية، حتى يلصق التهمة بالجنود الناشطين في هذه الأخيرة، والولاية الثانية بريئة من كل هذا. كيف تفسر الوضع الذي وصلت إليه القيادة في الأوراس بعد استشهاد مصطفى بن بولعيد وإعدام شيحاني بشير وعباس لغرور؟ كان لي حديث مع بعض قياداتها، وقلت لهم ما هي النتيجة التي وصلتم إليها بعدما تم قتل شيحاني بشير، أين وصل حال الولاية، أكيد أنه لم يتم لم الشمل، ما جعل كل عرش يحارب فرنسا على انفراد، أين وصلت وضعية عاجل عجول مثلا، رغم أنه كان من نواب مصطفى بن بولعيد ومن أبطال الأوراس، أقول هذا الكلام على أساس أنني أعرفه جيدا، وتقاسمنا معه الخبز والملح. في هذا الإطار، كيف تفسر استسلام عجول؟ الأمر واضح، عجول خاف أن يقتل من طرف عميروش وفضل خيار الاستسلام، وعميروش لم يحسن التعامل بالشكل الايجابي مع الأزمة الحاصلة، فهو لا يعرف المنطقة جيدا، ولا يعرف أيضا عقلية سكان الأوراس، بدليل أنه مال إلى لغة القوة والتهديد، وهو الأمر الذي زاد الوضع تعقيدا، والدليل أنه غادر منطقة الأوراس وترك المجموعة منقسمة أكثر من السابق. هناك من يقول بأن زيغود يوسف تم تكليفه بهذه المهمة إلا أنه تراجع، هل تؤكد ذلك؟ لما تم تكليف زيغود يوسف بهذه المهمة، قال لي لن أذهب، مؤتمر الصومام خيانة، ولن أنقل الخيانة إلى الأوراس باسم زيغود يوسف، وطلب من الله الشهادة حتى لا يلاقي عميروش ولا ينقل خيانة الصومام إلى الأوراس، وفعلا كان مصيره الشهادة. هل تقر بوجود خيانة في مؤتمر الصومام؟ خيانة وفضيحة، لأنه خرج عن مبادئ 1 نوفمبر، وتحول من بناء الدولة على المبادئ الإسلامية إلى اللائكية والشيوعية والإلحاد، فالذي كتب أوراق الصومام هو عمار وزقان الذي كان يعد السكرتير العام للحزب الشيوعي الجزائري. هناك من يقول إنه لم يتم إرسالك شخصيا (عمار بن عودة) أو بن طوبال ليتم تجاوز مشكل القيادة في منطقة الأوراس؟ لو تم تعيين بن طوبال للقيام بهذه المهمة لذهب دون إشكال، فقد كان بمقدوره أن يعمل على تسوية الأزمة دون التطرق إلى تقارير ونتائج مؤتمر الصومام، لأنه كان قادرا على الصلح بين الجماعة بغية بناء قيادة تعيد الاستقرار لمنطقة الأوراس مثلما حصل ذلك ليلة الفاتح نوفمبر، والدليل أنها أعطت أمثلة كثيرة في الصمود والتضحية، وصمدت طيلة 13 شهرا كاملا وهي تواجه فرنسا، وأريد أن أقول شيئا طريفا في هذا الجانب. ما هو؟ لما قام شيحاني بمراسلة زيغود يوسف، طالب منه فك الحصار يوم 20 أوت 1955، فقد بعث مجموعة من مجاهدي الأوراس مشكلة من 13 أو 14 مجاهدا على رأسهم عبد الوهاب من تبسة، وكانوا يتوفرون على سلاح عسكري متطور"ميليتير"، حتى أن الغيرة تملكتنا، لأننا لم نكن نتوفر على تلك النوعية من الأسلحة. هل قمت بجهود شخصية لمعرفة أسباب مشاكل القيادة في الأوراس؟ التقيت بمسعود بن عيسى في تونس، قلت له ماذا يحصل في الأوراس من خلاف وشقاق، أنتم ركيزة الثورة ووصلت بكم الأمور إلى هذه الدرجة، حتى أنه لا يتفاهم أي طرف مع الآخر، هل غرتكم أنفسكم أم الأعراش، أم أن هناك من أثر فيكم، أم أن فرنسا دخلت بينكم، كنت أعرفكم على أنكم من ذوي الحق والعدل، وعليكم أن تكونوا صرحاء مع أنفسكم، لتنجوا في تجاوز مثل هذه الخلافات، لكن ما لاحظته أن مسعود بن عيسى كان هو الآخر يطمح في تولي مسؤوليات عليا على رأس قيادة منطقة الأوراس، وكان يظن أنني أسانده، في الوقت الذي كنت أحرص على النصح للم الشمل، لا أقل ولا أكثر. وماذا عن قضية لزهر شريط؟ أقاموا له محكمة يترأسها بن طوبال، فيها محمود الشريف نائب عام، وفيها عمارة وأنا كنت عضوا، جاء محمود الشريف يطلب الإعدام على لزهر شريط، فقلت لبيطاط لماذا الإعدام بالضبط، صحيح أنه كان ضد مؤتمر الصومام، وكان مثل عمارة ومحمود الشريف وحاج علي والهامل من خنشلة. ما رأيك في طبيعة المحاكمة، وهل ترى أن لزهر شريط مظلوم؟ كلهم كانوا مثل لزهر شريط تابعين لبن بلة، لكن حين التقيت بهم خلال عدة اجتماعات بتونس، فإن لزهر شريط كان أول من قال أنا أعترف بلجنة التنسيق والتنفيذ "سي سي أو"، وبقرارات المؤتمر أيضا، حيث قال أنا سأتبع بن عودة، لأن مصطفى بن بولعيد قال بأن عمار بن عودة وطني، وعلى هذا الأساس سأوافق على الجوانب التي وافق عليها، خرجنا حينها متحدين، وتفادينا الفرقة، واتفقنا حول مؤتمر الصومام ولجنة التنسيق والتنفيذ. لكن أنت في الأول كنت ضد قرارات مؤتمر الصومام؟ نعم، كنت ضد قرارات مؤتمر الصومام، كالمجلس الوطني للثورة الجزائرية، انتقدته بحدة وتناوشنا، وتحاكمنا، كلامي صريح وواضح، قلت لهم هؤلاء شيوعيون، ونحن تربينا على الدين وحب الله، جماعة ال 21 اتفقوا يقصد مجموعة 22 على بناء الجزائر وفق المبادئ الإسلامية السامية، وفي الصومام حوّلونا إلى الشيوعية والإلحاد، لذلك كنت ضد الفكرة من أساسها وكذا القرارات التي خرج بها. هل كان هناك رد فعل على ضوء معارضتك لقرارات مؤتمر الصومام؟ نعم، لذلك طلبوا مني جلب السلاح من تونس وليبيا، وكان في اعتقادهم أنني سأفشل في المهمة، لكن تواصلي مع وزير الداخلية الليبي المهيري وعدة أطراف أخرى سهلت لي المهمة، حيث تنقلت إلى طرابلس للقاء سالم شبك الذي سخر شاحنته تحت التصرف، وحملنا السلاح إلى غاية الوصول إلى الحدود، حينها قمت بتوزيع الأسلحة على الولايات. كيف تمت عملية التوزيع؟ الولاية الرابعة لم تكن في حسابي لكنني منحت لها 150 أسلحة، والولاية الثالثة بعثت لها 350 سلاح، والولاية الأولى 250 سلاح، والولاية الثانية 250 سلاح، وقاعدة الشرق 100 سلاح، وبقي في المخزن عدد معتبر من الأسلحة، وضعته تحت التصرف في حال وجود طلب لتحويله إلى الداخل. إلى ماذا ترجع حسب رأيك غياب منطقة الأوراس عن فعاليات مؤتمر الصومام؟ قاموا بإرسال الاستدعاء، لكن يبدو أنهم لم يجدوا من يأتي، ثم قدم بعد ذلك عمر بن بولعيد، لكن في منتصف الطريق قالوا إن أشغال مؤتمر الصومام قد انتهت، حدث ذلك بعد وصوله إلى نواحي سطيف، ما جعله يقرر العودة من حيث أتى. لماذا أدخل عاجل عجول السجن بعد الاستقلال، أي في عهد بن بلة؟ بعد الانتهاء من مفاوضات إيفيان، تم إصدار الشامل، وبما في ذلك عاجل عجول، كما أن القرار مسّ أيضا الحركى و"القومية" الذين كانوا أغلبيتهم في الإدارة، الإعفاء عن عجول لم يكن مطروحا، ومسألة سجنه بعد الاستقلال ربما كان مجرد إجراء تنظيمي فقط، المشكل ليس في سجنه أو الإعفاء عنه، ولكن في وزنه على مستوى العرش الذي ينتمي به بعد كل الذي حدث له. ما تعليقك على التصريحات الأخيرة لحسين بن معلم (كاتب عميروش) الذي وصف عجول بالخائن؟ لالا، لالا، عجول لا يخون ولا يمكنه أن يخون، فهو شخص متشبع بالوطنية، وعجول إذا كانت لديه أسرار عن الثورة وقادة الثورة فلا يبوح بها، المؤكد أنه لم يستسلم حتى يخون الثورة أو لغرض الإضرار بالثورة والبلاد، بل غادر مضطرا. هل من كلمة في الأخير؟ يقولون بأن عمار بن عودة "هبل"، أنا أقول لهم تحيا الجزائر وتحيا الثورة، ربي يعيش رجال الجزائر والأوراس ومنهم زروال فهو أخ عزيز علي، الحمد لله الذي أطال في عمري حتى أقدم مثل هذه الشهادات التاريخية، وإن شاء الله تكون شهادات خير لذاكرة الجزائر وجيل المستقبل.