أفردت مسرحية "حمام بغدادي"، الثلاثاء، هامشا واسعا للصراع بين (ضحايا) الرئيس العراقي الراحل "صدّام حسين" ونظرائهم الواقعين تحت إفرازات ما أقدم عليه الرئيس الأمريكي السابق "جورج دبليو بوش"، وأتى العرض مؤثثا بشحنات حزن وتطهّر تعتري راهن العراق المثخن! برسم عمل أنتجه مسرح بابل واحتضنته خشبة المسرح الوطني الجزائري، عاد المخرج العراقي المخضرم "جواد الأسدي" (68 عاما) ليشتغل بشكل مغاير على "حمّامه البغدادي" الذي ابتعثه في الثالث عشر مارس 2009. وبنى الحائز على جائزة "كلاوس" للمسرح (2004) رؤيته عبر أنموذجي شقيقين عراقيين "مجيد" (عبود الحركاني) و"حميد" (حيدر أبو حيدر) اللذين مثّلا فريقين في المجتمع العراقي وتعاطيه مع الاحتلال الأميركي غداة سقوط بغداد (9 أفريل 2003)، وجرى استظهار ثنائي العمل كضحيتين ل (جانيين مختلفين): الأول ضحية حاكم مستبد، والثاني ضحية محتل، يختلفان في كل شيء لكنهما يتشاطران الحزن كمعادل موضوعي وقيمة ثابتة تتآكل العراق . وعلى إيقاع محزون يفور بالنبش والتعرية والتنازع، استحال "الحمام" إلى مستنقع آسن محترّ استدرج المتلقين إلى كتلة من الطقوس المزاوجة بين عنفوان الأداء وهدير الصوت وفقاعات الأضواء. وبدا واضحا أنّ الأسدي تحاشى الاكتفاء بنمطية المسرحة وارتضى الانغمار في نوع من الانعكاس المرآوي، وعمد إلى تكثيف النقائض التي ظلت تتجاذب العراق على مدار ال 12 عاما المنقضية. ولعب الأسدي كناص ومخرج جيدا على وتر الطبوع، فأشهر لاعبه الأول "مجيد" بشبقه وانتهازيته وتجرده ومتاجرته، فهو مستعد ليتماهى مع الشيطان في سبيل القوت، انتقاما من تبخّر أحلامه المخملية، على النقيض، برز "حميد" ببساطته واستيلابه وعقده. وعلى هذه الخلفية، فجّر الأسدي صدامية الشقيقين/المخيالين وتوغّل في دروب العتمة ليستنطق مكبوت الكينونة العراقية الممزوقة بين ماض لم يمض وحاضر مجرور نحو المجهول.