احتضنت مؤسسة "الشروق" الأحد ندوة تكريمية للشيخ العلامة الإمام الأكبر "محمد شارف" الذي يعتبر قامة شاهقة من قامات علماء الجزائر الأجلاء الأخيار، وكبير الأئمة في الجزائر العاصمة. وحضر هذه الندوة ثلة من علماء الجزائر على رأسهم الشيخ العلامة "الطاهر آيت علجت" وثلة من تلاميذه بالإضافة إلى نجله. * وأشاد مدير "الشروق" الأستاذ علي فضيل في كلمته الافتتاحية بهذا الرمز الذي أفنى عمره في خدمة الدين الإسلامي واللغة العربية في الجزائر، حتى أصبح مرجعا لا يمكن تجاوزه في الاستشارة الدينية، وأكد أن "الشروق" تتشرف بالشيخ "محمد شارف" وبكل الشيوخ الأجلاء الذين همشتهم الظروف، وستحاول قد المستطاع أن تصل إليهم وتقدمهم للرأي العام ولفئة الشباب خصوصا حتى تتيقن أجيال الجزائر الآتية بأن بلادهم زاخرة بعبقريات ونوابغ. * وأجمع كل المشاركين في الندوة على أن الشيخ "شارف" صاحب علم غزير ومثال في التواضع والأخلاق الحميدة والزهد، وقد قضى أكثر من سبعين عاما من عمره الذي تجاوز المئة في تعليم الناس عبر مساجد العاصمة خاصة العتيقة منها مثل "الجامع الكبير، كتشاوة، وسيدي رمضان". وكان له الفضل في تكوين مئات الطلبة الذين أخذوا عنه الأصول الشرعية من منبعها الصافي المعتدل المهذب للسريرة البشرية. ومن أفضاله على الناس أنه كان طيلة هذه السنين يفيدهم بالفتاوى ويرشدهم إلى طريق الله دون أن يبتغي من أحد جزاء ولا شكورا، وكانت النتيجة احترام الناس وتقديرهم الكبير له، فكلمته مسموعة بين الجميع واستشارته لا تخيب. * وفي ختام الندوة ألبسه الأستاذ علي فضيل برنوس "الشروق"، كما قدم له صكا اعترافا بفضل هذا العالم الجليل، وكان جو التكريم مفعما بالمشاعر النبيلة التي توحي بعظمة خادمي كتاب الله عز وجل وفي الأخير رفع الشيخ يديه بالدعاء فاختار منه أفضله في هذا الشهر الفضيل هدية لكل الجزائريين. * * علي فضيل: * نريد أن نبرز العلماء ليكونوا قدوة للشباب * * قال الأستاذ علي فضيل، مدير "الشروق" في كلمته الافتتاحية، إن الشيخ "محمد شارف" يعتبر من كبار علماء الجزائر، وهو يستحق الإكبار والتجلة والتكريم، فهو كبير الأئمة في العاصمة، عرفه الناس منذ فجر الاستقلال في المسجد الكبير وفي مختلف المساجد العتيقة التي تعطرت بكلامه العذب الصافي. كما أكد أن الجريدة ستسعى دائما إلى الكشف عن علمائنا الأجلاء المغمورين لتوصل صورتهم للرأي العام، وتجعل منهم نموذجا يحتذي به لدى الشباب. وقال أيضا إن الكنز الذي تحتويه الجزائر من علماء وفقهاء يجب أن يستثمر لخدمة الدين المعتدل في هذا الوطن العزيز. * * الدكتور محمد فارح: * قمنا معا بحجة لا تنسى * * رغم ظروفه الصحية المتعبة إلا أن الدكتور محمد فارح لم يتخلف عن موعد تكريم الشيخ "محمد شارف". وقال إنه عرفه في مساجد العاصمة مربيا ومفتيا مفسرا. ومن جملة ما تذكره من العلاقة الأخوية التي ربطتهما منذ سنوات طويلة هي الحج إلى بيت الله. ودعا الدكتور "فارح" لرفيقه بأن يمد الله في عمره لكي يبقى نفعه على الأمة. * * الدكتور عبد الرزاق قسوم: * الشيخ شارف أهم قضاة المذهب المالكي بالجزائر * * أشاد الدكتور عبد الرزاق قسوم بجهد "الشروق" في تكريم علماء الجزائر الأجلاء، وكما قال أصابت في اختيار شخصية الشيخ محمد شارف العالم العامل الملتزم في علمه وخلقه. وقال أيضا أنه يمثل أحد سدلة وقضاة المذهب المالكي في الجزائر، إذ اشتهر بفتاويه الدقيقة النابعة من غزراة علمه واجتهاده المستمر. ونصح طلبة العلم والباحثين الأوفياء في المذهب المالكي بأن يضعوه قدوة لهم لأنه مرجع مهم لا ينضب. * * الطاهر آيت علجت: * محمد شارف شيخ شيوخ الجزائر بلا منازع * * أكد الشيخ العلامة الطاهر آيت علجت أن الشيخ محمد شارف هو شيخ شيوخ الجزائر دون منازع، نظرا لعلمه الغزير وحكمته البليغة وتواضعه المشهود له في جميع مواقفه، وذكر آيت علجت أنه عرف قيمة الشيخ ومنزلته من خلال طلبته الذين درسوا عنده فقد تميزوا بأخلاقهم الفاضلة واجتهادهم القويم ومعارفهم الشاسعة لدرجة أن الشيخ آيت علجت كثيرا ما كان يطلب منهم تصحيح أخطائه وإرشاده عندما يتيه -على حد تعبيره-، وقد ذكر المتحدث إحدى المواقف التي جمعته مع الشيخ محمد شارف عندما قصدا مدينة سطوالي للإصلاح بين عائلتين وقع بينهما قتل عن طريق الخطأ وكان الأمر عصيبا لتمسك إحدى العائلات بالثأر ولكن -يضيف الشيخ- حكمة الشيخ محمد شارف وحنكته في حل المشاكل ساهمت في حل الأزمة وتسامح العائلتين المتخاصمتين. وأضاف العالم الطاهر آيت أن جميع الطلبة الذين درسوا عند الشيخ محمد شارف تحولوا إلى دكاترة وإطارات في جامعتي خروبة وقسنطينة. * * محمد الشيخ: * محمد شارف من بقية السلف الصالح في الجزائر * * أشاد الأستاذ محمد الشيخ بمبادرة "الشروق اليومي" في تكريم الشيخ محمد شارف واعتبرها احياء لمآثر ومجهودات رجل أفنى عمره في خدمة العلم، الإسلام والجزائر، وقال "نحن جيل الاستقلال فتحنا أعيننا فوجدنا هذه الرموز الجليلة التي فتحنا لها قلوبنا ونفوسنا واعتبرناهم من بقية السلف الصالح في الجزائر"، وأضاف المتحدث أن الشيخ محمد شارف كان مرجعية لوزارة الشؤون الدينية في العديد من المسائل نظرا لعلمه الغزير، وكان يرجع إليه في المسائل الصعبة للفصل فيها، كما ذكر محمد الشيخ بمواقف الشيخ ومآثره في ندوة الجمعة التي ألفه الناس من خلالها والتي تميز فيها الشيخ بآرائه وفتاويه التي كانت تتماشى مع الواقع المعاش للجزائريين وبعيدة كل البعد عن جميع أنواع التعصب والغلو، وحكا الأستاذ محمد الشيخ موقفا له مع محمد شارف حين ذهبا معا لأداء مناسك الحج في إطار بعثات لوزارة الشؤون الدينية والأوقاف وكان حينها الشيخ تعبانا ومريضا، فتطوع شاب لخدمته خدمة حيرت كل من حظرها وهي خدمة لا يخدمها ابن لأبيه تميزت بالرحمة والإخلاص والحنية، وقال المتحدث إن الله صخر هذا الشاب لخدمة الشيخ نظرا لنقاء سريرته وإيمانه العميق. وذكر أن الله كتب للشيخ محمد سارف القبول في الأرض وخير دليل على ذلك الحب الذي يحضى به من جميع الناس. * * الدكتور محمد ايدير مشنان: * علّم القرآن والفقه وهو في أحد المحتشدات الألمانية * * كشف الدكتور محمد ايدير مشنان، وهو إطار بوزارة الشؤون الدينية، بعض الجوانب الخفية من شخصية الشيخ محمد شارف، من بينها أنه كرسّ حياته للعلم والتعليم في تواضع وتفان، حيث ومنذ دخوله إلى العاصمة عام 1932 إلى غاية 2002 لم يتوقف عن التدريس وتلقين القرآن والفقه والنحو.. وكشف الدكتور محمد ايدير مشنان أن الشيخ محمد شارف الذي حضي بتكريم "الشروق اليومي" لم يتوقف عن رسالته حتى وهو معتقل من طرف الألمان في أحد المحتشدات بعد الحرب العالمية الثانية، فقد كان يعلم بقية المعتقلين معه القرآن والفقه وأصول اللغة العربية.. ومن مميزات الشيخ التي يذكرها إطار وزارة الشؤون الدينية أن الرجل والى جانب علمه الغزير، هو إنسان متواضع وكريم، لا يكل ولا يمل في أداء واجباته، وإذا شرع في عمل ما أكمله، ومثال على ذلك -يؤكد محدثنا- أن تلامذته كانوا يشفقون عليه ويطلبون منه أحيانا التوقف، إلا أنه يرفض ويطلب منهم في المقابل أن يغادروا هم إذا تعبوا لأنه سيقابل الله سبحانه وتعالى يوما ويسأله عن واجبه.. ويرجع الدكتور محمد ايدير مشنان سر التخلق والتواضع الذي يطبع شخصية الشيخ الذي ولد عام 1908 في مليانة إلى نسبه الشريف، حيث ينحدر من سلالة الرسول صلى الله عليه وسلم.. * * نجل الشيخ: * ما يزال يرتل القرآن فجرا ويملك ذاكرة قوية * * شكر نجل الشيخ محمد شارف جريدة "الشروق اليومي" على التكريم الذي خصت به والده، وأثنى على رفقائه الأساتذة والدكاترة الذين كشفوا له بعض الجوانب المجهولة عن شخصية والده. ويقول الأستاذ شارف إبراهيم إنه انهل من والده العلوم وأيضا التواضع والتفاني، فقد تعلم على يده اللغة وقواعد النحو والصرف. وتحدث الأستاذ شارف عن بعض خفايا شخصية والده ومن بينها أنه ورغم كبر سنه ما يزال مواضبا على التعلم والقراءة، حيث يدرس حتى آخر ساعة من الليل وينهض في ساعة مبكرة من الصباح من أجل ترتيل القرآن الكريم. والغريب أن ذاكرة الشيخ محمد شارف ما تزال قوية ويتذكر أمورا مضت عليها سنوات طوال حتى أنني أحسده على هذه الذاكرة القوية، يقول ابن الشيخ الذي حظي بتكريم "الشروق اليومي"، نظرا للمكانة التي يحظى بها، ما يزال الشيخ قبلة لبعض الناس وخاصة الشباب الذين يريدون تفسيرات في الأمور الفقهية.. * * المحامي بوسام بوبكر: * الشيخ سحرني بعلمه وأقسمت أن لا أفارقه * * بدوره المحامي بوسام بوبكر أثنى بكثرة على الشيخ محمد شارف وقال إنه كرّس حياته للعلم وأعطاه كل ما يملك. ويقول هذا المحامي الشاب إنه التقى الشيخ في التسعينيات عندما كان طالبا في معهد الحقوق وقد سحره بعلمه وتواضعه إلى درجة أنه أقسم بأن لا يفارقه مدى الحياة، وهو ما حدث، حيث ظل يلازمه لأكثر من عشر سنوات ويرافقه في الذهاب إلى المسجد. ويؤكد المحامي بوسام بوبكر أن الشيخ الذي كرمّته "الشروق اليومي" أعطاه حياة الروح التي لا يمكن أن يستغني عنها الإنسان مهما وصل درجات العلم. * ويكشف نفس المتحدث عن بعض الجوانب الخفية في شخصية الشيخ ومن بينها أن الله سبحانه وتعالى أكرمه ببركاته، ويروي في هذا الصدد حادثة وقعت معه، حيث يقول إنه أخذ أحد أقربائه كان يعاني من مرض السرطان إلى الشيخ محمد شارف من أجل الرقية. وبعد أن قرأ له القرآن أقسم بالله ثلاث مرات بأن هذا المريض سيشفى. وعندما استفسر هذا المحامي عن سر هذا القسم قال له الشيخ إن الله لا يحنث عبده المسلم .." وبالفعل شفي المريض بعد شهر، مثلما يقول المحامي..