يقال أنه في بعض العواصم العربية تحوّلت السفارات الأمريكية إلى مراكز قرار تُزكي الرؤساء وتدعم السياسات وتُغطي على العيوب والانتهاكات، في حالة ما إذا كان النظام حليفا، كما أنها تقوّي شوكة المعارضة وتُخرّب الداخل بالدسائس والمؤامرات إذا كان النظام ممانعا ومقاوما، حتى وان رضيت معظم العواصم، إن لم نقل كلها، بالانخراط فرادى وجماعات في الصنف الأول وزايدت عليه بأن أدهشت سفراء البيت الأبيض بمستوى رفيع من الخدمة وبعض التدليل أيضا، والتدليل كما تعلمون أنواع وأصناف في العالم العربي!ما يحدث الآن في أكثر من بلد عربي، يعدّ تنوعا وتفرعا لأصل واحد أو لأزمة مشتركة، تتعلق بالرئاسة، ففي لبنان يبحث الساسة والعسكر عن رئيس يُزكيه الخارج قبل الداخل، أما في مصر وليبيا واليمن والسعودية، فالمشكلة تتمثل في وريث الحاكم القوي والحليف الذي لا يُعوض، بيد أنه في الجزائر لم نعهد منذ وعينا مثل هذه السياسات، حتى وإن قال البعض أننا لسنا شواذا عن القاعدة، وأن ما كان يحدث جهارا نهارا في العواصم الشقيقة والصديقة، كنّا نحن نخبئه في الكواليس ونتفق عليه في الصالونات المغلقة، لكن أن يخرج ذلك للعلن ويصبح السفير الأمريكي يستقبل زعماء الأحزاب وممثلي المجتمع المدني للتباحث في مسألتي الرئيس القادم وتعديل الدستور تحديدا، فذلك ما يُعدّ سياسة جديدة وتدخلا غير معهود، والأغرب أنه يحدث في العلن، كما تُنشر نتائج المباحثات في الصحف ولا تعليق حتى الآن على مستوى الحدث، لا من الرئيس المتباحث عليه، ولا من الحكومة المتحالفة حول برنامجه!؟الغريب أيضا أنّ الجهات الرسمية أنها لم تعلّق كذلك على قيام السفير البريطاني من جهته بالإشراف على ندوة في لندن، حضرها رسميون جزائريون، وقال فيها سعادة السفير بالحرف الواحد أنّه (جاء من بلد يعيش نكبات اجتماعية ورئيس يعاني من أمراض ولكنه يريد البقاء في الحكم)!، وكأن السفير لا يعرف أن النكبات تعنينا نحن أولا كجزائريين، وأن الرئيس هو رئيسنا، وأن صحته شأن داخلي لا يعني لندن أو باريس أو واشنطن!إن صعوبة هضم مثل هذه التصريحات وتجاوزها من طرف الرسميين والتعامل معها وكأنها (لا حدث) تساهم في توسيع دائرة الواثقين في صحتها، والمرددين لها، تماما مثلما قال السفير الفرنسي بالأمس أن السلطات الجزائرية لم تطلب تعويضا عن الفترة الاستعمارية السوداء ولا عن خسائر الألغام، وبالتالي فهو يقول بشكل أو بآخر أن (حكامنا يكذبون علينا)، وأن كل العنتريات الجاري ترويجها بمناسبة أو بأخرى حول حفظ الذاكرة والضغط على المستعمر القديم تُستعمل فقط للتسويق الداخلي!وبافتراض صحة كل ذلك جدلا، فإنه بات من الواجب الحفاظ على مؤسسة الرئاسة (قبل الرئيس) من أي تدخل خارجي، وحماية الدستور من أي تعديل مفروض، حتى لا نتحول إلى لبنان جديد يبحث عن رئيس فلا يجده إلا في عواصم الآخرين!