التطرف مذموم مهما كان شكله، ومن أشكال التطرف ما نسمعه هذه الأيام من بعض المتسلقين الذين نراهم في كل موعد انتخابي في مقدمة الركب، * من أن الامتناع عن التصويت جريمة في حق الوطن، ومساس بالسيادة وتواطؤ وتآمر على الجزائر. * صحيح أن الانتخاب فعل حضاري والتشجيع عليه أمر مطلوب، لكن في حدود المعقول، وليس من الوطنية اتهام من أراد أن يمارس حقه الانتخابي بالامتناع عن التصويت بكل تلك الاتهامات. * هل من المقبول تخوين ملايين الجزائريين الذين اختاروا الامتناع كموقف في كل المواعيد الانتخابية، وهل يمكن اعتبار أولئك الذين يرقصون مع كل عريس ويهللون لكل رئيس أكثر وطنية من الذين يملكون قناعات خاصة. * بل إن احترام الذين يتخذون موقفا بالامتناع يكون بقدر أكبر من احترام أولئك الغوغاء الذين تذروهم رياح السياسة في كل الاتجاهات، حتى وإن اختلفت الإيديولوجيات والبرامج، يدفعهم في ذلك مبدأ الانتهازية والتسلق واتخاذ التطبيل والتزمير للقوي مهنة للاسترزاق. * لا يمكن بناء ديمقراطية حقيقية بأمثال هؤلاء، كما لا يمكن اعتبار الإساءة إلى الرموز الوطنية ومن بينها الراية الوطنية سلوك ديمقراطي سليم، وإنما هي سلوكات صادرة عن مراهقين وأدعياء سياسة، لم يفهموا بعد معنى الاختلاف في الرأي والتباين في القناعات. * إن احترام موقف الممتنعين ليس دفاعا عن معتنقي سياسة الكرسي الشاغر الذين لا يمكنهم رؤية الأمور الإيجابية، ولكن ليس من الديمقراطية ما نسمعه من خطاب متطرف يخوّن الممتنعين ويضعهم في زمرة المتآمرين، وهو ما لم يحصل في أكبر الديمقراطيات في العالم، حيث يحترم المقاطعون والممتنعون وحتى أولئك الذين لا يبالون بالعملية الانتخابية من أساسها.