وقال الشيخ عبد القادر بن عبد العزيز في هذه المناسبة من مراجعاته "هناك فرق بين العلم بكفر السلطان وبين وجوب الخروج عليه، فلا يجب عند العجز أو إذا غلبت المفسدة في الخروج، خصوصا إذا كانت المفاسد جسيمة أعظم وخارجة عن المألوف في الجهاد، وقد تكررت حوادث الخروج على الحكام في بلاد المسلمين خلال العقود الماضية باسم الجهاد في سبيل الله من أجل تحكيم شريعة الإسلام في تلك البلاد، * وقد أدت هذه الحوادث إلى مفاسد عظيمة على مستوى الجماعات الإسلامية وعلى مستوى البلاد التي وقعت بها هذه الأحداث والقاعدة الفقهية أن "الضرر لا يُزال بمثله" ومن باب أولى "لا يُزال بأشد منه" قال "وسواء كان ترك الحكم بالشريعة كفرًا أو كفرًا دون كفر أو معصية،.. فإننا لا نرى أن الصدام مع السلطات الحاكمة في بلاد المسلمين باسم الجهاد هو الخيار المناسب للسعي لتطبيق الشريعة" * وقال أيضا "نرى أن الصدام مع السلطات الحاكمة في بلاد المسلمين لأجل تحكيم الشريعة في مصر وما يشبهها من البلاد لا يجب في ضوء الظروف السابقة سواء كان هذا باسم الجهاد أو باسم تغيير المنكرات باليد، كل هذا لا يجوز ولا يجب، ولا يجوز التعرض لقوات هذه الحكومات (من الجيش والشرطة وقوات الأمن) بالأذى لما في ذلك من المفاسد الكثيرة، وننصح بذلك جميع المسلمين، ونرى أن الاشتغال بالدعوة الإسلامية وتقريب المسلمين من دينهم بما يؤدي إلى تقليل المفاسد الشائعة أجدى نفعًا للإسلام وللمسلمين، والذين خالفوا في ذلك ولجأوا إلى الصدام لا هم أقاموا الدين ولا أبقوا على أنفسهم وأهاليهم ولا حافظوا على بلادهم من المفاسد والخراب، وفي القاعدة الفقهية "من استعجل الشيء قبل أوانه عوقب بحرمانه" أو "التعجل علة الحرمان" ومن عجز عن الدعوة والتغيير باللسان أنكر بقلبه، وبعض من رأى أن يصطدم بالسلطات في بلاد المسلمين وعجز عن ذلك لجأ إلى مسالك جانبية لإزعاج السلطات وذلك بضرب المدنيين أو الأجانب والسياح ببلاد المسلمين، وكل هذا غير جائز شرعا وإنما ألجأهم إلى ذلك تكليفهم أنفسهم بما لم يوجبه الله عليهم فعالجوا الخطأ بخطأ ثان". * بهذا ترى أنّ علماءنا المشهود لهم بالعلم في هذا العصر أجمعوا على عدم جواز الخروج حتّى على الحاكم الذي ظهر كفره بلا خلاف وذلك لما فيه من الضرر بالمسلمين وبالدعوة أعظم وأعظم من فتنة بقائه في الحكم، فالحكم الذي يتّفق عليه مثل هؤلاء الأئمة الكبراء والعلماء الفقهاء كالإجماع تماما، وهو الحقّ والهدى والرشاد، لأنهم أئمّة الزمان، وعلماء العصر والأوان، فإنّ علماءنا الأجلة هؤلاء هم نجوم الهدى، ورجوم العِدى، من تمسّك بغرزهم فهو الناجي، ومن ناوأهم وعاداهم فهو المظلم الداجي. * قال الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله "الخروج ليس فيه غير القتل والفساد، يَقتلون ويُقتلون، فهم يبيدون أنفسهم ويبيدون الدعوة، وهذا فيه فساد عظيم" وصدق شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله حيث قال "لا يكاد يُعرف طائفة خرجت على ذي سلطان إلاّ وكان في خروجها من الفساد ما هو أعظم من الفساد الذي إزالته". * * العمليات الانتحارية: * إنّ هذه العمليات المسماة بالاستشهادية تُعد من حيث الطريقة والوسيلة المتَّبَعة من النوازل، والمسائل المحدثة، وطريقتها أن يقوم ذلك الشخص الذي يريد أن ينفّذ هذه العملية بأن يملأ حقيبته أو سيارته بالمواد المتفجّرة أو يلفّ نفسه بحزام ناسف مملوء بالمواد المتفجرة ثمّ يقتحم على العدوّ مكان تجمعهم أو يشاركهم الركوب في وسيلة نقل كبيرة أو طائرة أو قطار أو نحو ذلك، أو يتظاهر بالاستسلام لهم حتّى إذا رأى أنّ الفرصة مواتية فجّر ما يحمله من المواد المتفجّرة بنفسه وبمن حوله ممّا يِؤدّي إلى قتل وجرح وتدمير في أشخاص العدوّ وآلاته وحتما سيكون منفّذ العملية من بين القتلى. * اختلف العلماء في هذه العمليات، وذهب علماء السلفية إلى أنّ هذه الأعمال هي عمليات انتحارية سواء كانت في فلسطين أو في العراق أو غيرها من الأماكن، فهي محرّمة لذاتها لا لمكانها، وهذه بعض أقوالهم: * قال الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله مجيبا: عن حكم من يُلَغّم نفسه لِيَقْتُلَ بذلك مجموعة من اليهود؟ * قال: "قد نبهنا غير مرة: أن هذا لا يصح، لأنه قتل للنفس، واستدل بالأيات والأحاديث الدالة على ذلك. * يسعى في حماية نفسه، وإذا شَرَعَ الجهاد جاهد مع المسلمين، فإن قُتل فالحمد لله، أما أنه يَقْتُلُ نَفْسَه يضع اللّغم في نفسه حتى يُقتل معهم غلط لا يجوز، أو يطعن نفسه معهم، ولكن يجاهد إذا شُرع الجهاد مع المسلمين، أما عمل أبناء فلسطين فهذا غلط، لا يصلح، إنما الواجب عليهم الدعوة إلى الله والتعليم والإرشاد والنصيحة من دون العمل" اه. * وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "إن ما يفعله بعض الناس من الانتحار، بحيث يحمل آلات متفجرة ويتقدم بها إلى الكفار ثم يفجرها إذا كان بينهم، فإن هذا من قتل النفس والعياذ بالله، ومن قتل نفسه فهو خالد مخلّد في نار جهنم أبد الآبدين كما جاء في الحديث * لأن هذا قتل نفسه لا لمصلحة الإسلام، لأنه إذا قتل نفسه، وقتل معه عشرة أو مائة أو مائتين لم ينفع الإسلام بذلك، لم يُسْلم الناس، بخلاف قصّة الغلام فإن فيها إسلام الكثير. * أما أن يموت عشرة أو عشرين أو مائة أو مائتين من العدو فهذا لا يقتضي إسلام الناس، بل ربما يتعنت العدو أكثر ويوغر صدره هذا العمل حتى يَفتِك بالمسلمين أشد فتك، كما يوجد من صنع اليهود مع أهل فلسطين. * فإنه إذا مات أحد منهم من هذه المتفجرات، وقتل ستّة أو سبعة أخذوا من جراء ذلك ستين نفراً أو أكثر فلم يحصل بذلك نفع للمسلمين، ولا انتفاع بذلك للذين فُجرت هذه المتفجرات في صفوفهم، والذي نرى: ما يفعله بعض الناس من هذا الانتحار نرى أنه قتل للنفس بغير حق، وأنه موجب لدخول النار والعياذ بالله، وأن صاحبه ليس بشهيد..." ا.ه. * هذه الأقوال التي نقلتها وغيرها في حكم هذه العمليات كلّها كانت تعالج الجهاد المشروع، ومع ذلك أفتى هؤلاء الأجلاء بعدم جواز تلك العمليات، فهي محرّمة لذاتها حتّى ولو كان هذا الجهاد مشروعا لا خلاف فيه، ومن باب أولى لا تجوز هذه العمليات في بلاد المسلمين، لأنّ الخروج هذا أصلا غير مشروع. * وقال أبو بصير الطرسوسي وهو من شيوخ الجماعات المسلحة وزعمائهم "ونقلوا عن الشيخ عبد القادر بن عبد العزيز أنه كان لا يرى جواز العمليات الاستشهادية لعدم عثوره على دليل نصي صريح يخرجها عن حكم الانتحار، وأنه تفكر فيها طويلاً، * قال أبو بصير: أقول بناء على ما نقلوه عن الشيخ عبد القادر فإن الشيخ متفق معنا بأن جميع الأدلة الأخرى لا تفيد جواز العمليات الاستشهادية، وهي لا تُخرجها عن حكم ووصف الانتحار.. إلا هذا الدليل الوحيد: * ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق الذي انفرد الشيخ في فهمه، والاستدلال به على المسألة! * ولكن هل حقاً في هذه الآية دليل على جواز العمليات..؟! * أقول: لا، ليس فيها دليل على جواز العمليات المسماة بالاستشهادية؛ وذلك أن الآية بإجماع المفسرين المراد فيها إقامة حد القتل، الذي يقيمه السلطان المسلم على من يستحقه شرعاً من الجناة.. وقتل ومحاربة من يستحق القتل شرعاً من الأعداء المحاربين والمارقين.. فالقاتل هنا الذي يُباشر مهمة إقامة الحد أو القتل هو السلطان المسلم، ومن ينوب عنه... إلى أن قال: هذا الفهم الشاذ الذي انفرد به الشيخ عبد القادر.. لم يسبقه إليه سلف ولا خلف معتبر.. وليس بمثل هذا الشذوذ والانفراد في الفهم، تُرَدُّ الأدلة المحكمة، وتُزهق الأنفس والأرواح، وتجوز المغامرة". * قال "ثم لنا أن نسأل: قد أجاز المخالفون هذه العمليات وفق قيود وشروط محددة: * منها: أن تكون استثنائية، وأن لا يُلتجأ إليها إلا لضرورة ملحة تقتضيها مصلحة راجحة من مصالح الجهاد، في ظرف من الظروف. * ومنها: أن تكون المصلحة من ورائها راجحة ومحققة؛ أي غير ظنية! * ومنها: أن تكون المصلحة من ورائها عامة لجميع المسلمين. * ومنها: أن تحقق نكاية بليغة بالعدو. * ومنها: انعدام إمكانية تحقيق هذه النكاية إلا من خلال هذا العمل. * ومنها: أن لا تؤدي إلى زهق الأنفس البريئة المعصومة شرعاً، التي لا تدخل تحت حكم مسألة الترس والتترس. * ومنها: إضافة إلى جميع ما تقدم أن يكون الباعث على العمل التضحية الإخلاص، والجهاد في سبيل الله، وأن تكون كلمة الله هي العليا.. وليس أي غرض أو باعث آخر. * هذه هي شروط الطَرَف المجيز لهذه العمليات من أهل العلم المعاصرين.. والتي على أساس الالتزام بها أجازوا هذه العمليات.. والسؤال الذي يَطْرَح نفسه: هل الذين يقومون بالعمليات الانتحارية كما نشاهدها ونعايشها ونسمع بها يحققون ويلتزمون بهذه الشروط والقيود.. وكم عدد ونسبة تلك العمليات التي تلتزم بهذه القيود والشروط.. من مجموع العمليات؟! * سيأتي الجواب محرجاً جداً: إنّ أكثر من تسعين بالمائة من تلك العمليات ربما قد لا تتحقق فيها مجموع تلك الشروط والقيود.. وبالتالي لا يجوز نسب القول بجواز ومشروعية هذه العمليات إلى العلماء والمشايخ المعاصرين الذين أجازوا هذه العمليات بشروطهم وقيودهم! * وسئل الشيخ علي بن خضير الخضير من طرف الشيخ عائض القرني: هل الذين يقومون بهذه العمليات يسمونها استشهادية في بلاد الإسلام؟ * الشيخ علي بن خضير الخضير: نعم هذا خطأ. * الشيخ عائض القرني: نسميها ماذا؟ * الشيخ علي بن خضير الخضير: لأنه ما دام أنه قتل نفس معصومة فإذا قتل النفس المعصومة بأداة أو ببندقية حرب فكيف إذا قتل النفس المعصومة بنفسه جمع بين قتل النفسين نفسه ونفس أخرى يعني انتحار ومحاربة... * الشيخ عائض القرني: الأعمال التي تحصل.. هل كَسَبَت نتيجة في بلاد المسلمين.. الذين سبقونا في هذه التجربة ودخلوا النفق المظلم وتشتت رأيهم وسفك الدماء المعصومة وأزهقت الأنفس... الذين يرون أن لها جدوى.. الذين يقومون بهذه الأعمال ما رأيك في قولهم؟ * الشيخ علي بن خضير الخضير: حسب التجربة.. الواقع ما رأينا بلاداً إسلامية قامت من خلال التفجيرات.. ولا بلاداً إسلامية قامت من خلال المواجهة بين الإسلاميين والحكومات وهناك الجزائر.. مثال واضح.. الكثير يستشهد به.. خاض الإسلاميون صراعاً ومواجهة قديمة منذ عشرات السنين من عشرين سنة ومازالت.. وكذلك مصر وحصل في أماكن أخرى فلا يمكن.. أن يحققوا إقامة حكومة إسلامية بالمواجهة مع الحكام والصراع معهم لان هذا يؤدي إلى مفاسد عظيمة وفي النهاية لن يكسبوا شيئاً". * * حكم قتل الأجانب: * لا شك أنّ هذه العمليات المحدثة مخالفة للإسلام جملة وتفصيلا، وبيان ذلك يكون من أقوال شيوخهم الذين يستدلون بهم ويأخذون عنهم. * قال أبو بصير في معرض ردّه على بيان الجماعة السلفية للدعوة والقتال "ليس من حقكم شرعاً أن تسلبوا عشرات الملايين من المسلمين.. أكثر من واحدٍ وثلاثين مليوناً من المسلمين الجزائريين.. حقهم في تأمين من أرادوا إدخاله من غير المسلمين ديارهم بأمانٍ منهم... وقد ذكرنا أكثر من مرة نقلاً عن أهل العلم أن شبهة الأمان أمان يمنع من الاعتداء، وبالتالي فأيما مسلم كان وضيعاً من عامة الناس أم كان شريفاً يُرحِّب بالوافد الكافر.. ويُسمعه عبارات الترحيب، والتأمين.. فالآخر آمن إلى أن يرتد إلى مأمَنه الأول الذي جاء منه.. وأيما اعتداء عليه، فهو خفر لذمم المسلمين.. وهو غدر وخيانة، يُنَصّب لصاحبه لواء يُعرف به غدره، كما قال: "إن الغادر يُنصب له يوم القيامة فيُقال: هذه غدرة فلان بن فلان" متفق عليه. وقال: "لكل غادرٍ لواء يوم القيامة يُعرف به" متفق عليه. وقال: "من أمَّن رجلاً على دمه فقتله فأنا بريء من القاتل، وإن كان المقتول كافراً". وقال: "من أمَّن رجلاً على دمه فقتله فإنه يحمل لواء غدرٍ يوم القيامة". وغيرها كثير من النصوص الشرعية التي تُحذر من عواقب الغدر.. والعياذ بالله". * وقال الشيخ علي بن خضير الخضير مجيبا على سؤال الشيخ عائض القرني: من دخل البلاد بتأشيرة هل يعتبر معاهدا وما حكم الاعتداء عليه؟ * قال "أما المعاهد فالنصوص دلت على حرمة الاعتداء عليه والمعاهد هو الرجل الذي من بلاد كافرة ثم يدخل إلى بلاد الإسلام فيعطى عهد أو أمان بأن لا يمس وبذلك يستحق أن تعصم له ماله ودمه فإذا دخل الإنسان إلى هذه البلاد سواء كان من الدولة أو من الأفراد أيضا فان هذا يعتبر أماناً، والفيزا هي أمان لأن الأمان والعهد ليس له ألفاظ معينة بل كل ما دل الدليل على أنه مأمون ولن يمسه شر فهذا يعتبر أمانا. * * الشيخ عائض القرني: المعاهد والمستأمن؟ * الشيخ علي بن خضير الخضير: كل من دخل هذه البلاد فانه معاهد ومستأمن ويحرم قتله وتكون دماؤه معصومة وأمواله معصومة حتى يخرج". * وقال عبد القادر بن عبد العزيز في تراجعاته "وبعض من رأى أن يصطدم بالسلطات في بلاد المسلمين وعجز عن ذلك لجأ إلى مسالك جانبية لإزعاج السلطات وذلك بضرب المدنيين أو الأجانب والسياح ببلاد المسلمين، وكل هذا غير جائز شرعا كما سنذكره في البنود التالية إن شاء الله وإنما ألجأهم إلى ذلك تكليفهم أنفسهم بما لم يوجبه الله عليهم فعالجوا الخطأ بخطأ ثان"، وقال أيضا "نرى أن الأجانب القادمين والمقيمين في بلاد المسلمين لا يجوز التعرض لهم بقتل أو نهب أو إيذاء سواء قدموا للسياحة أو العمل أو التجارة ونحوها". * وهذه المسائل المهمة ستجدها مفصلة في كتابنا عن الجماعات المسلحة في الجزائر وسنناقشها بالتفصيل حتى يتضح المطلوب ويزول الإشكال.