من رأى أنه يجب عليه تغيير كل المنكرات التي تظهر سواء كانت صادرة من المجتمع أم من سلطة الحكم حتى وإن لم يصل إلى الحكم ومكان صنع القرار. * * المبحث الثاني: * من رأى أنه يجب عليه تغيير كل المنكرات التي تظهر سواء كانت صادرة من المجتمع أم من سلطة الحكم حتى وإن لم يصل إلى الحكم ومكان صنع القرار. * وأصحاب هذه الطريقة هم الذين يرون أنّ أسلوب التغيير يكون بالانتخابات مع الاشتغال بالدعوة إلى الله ومحاربة كلّ أنواع البدع والخرافات، واختاروا هذه الطريقة لأنّ الطريقة الأولى وهي الخروج والثورة المسلحة شرّها أعظم من نفعها وهذا ما رأته وتبنته الجبهة الإسلامية للإنقاذ المحلّة آخذين بفتوى للشيخ أحمد شاكر رحمه الله التي بيّن فيها بأنّ الثورة والخروج بالسلاح على الحكام ضرره أكثر من نفعه حيث قال رحمه الله "لست داعيّا إلى ثورة جامحة على القوانين وأنا أعتقد أنّ ضرر العنف الآن أكثر من نفعه، وإنّما قمت فيكم أدعوكم إلى العمل الهادئ المنتج بسنّة التدرج الطبيعي حتى نصل إلى ما نريد من جعل قوانيننا من شريعتنا وأنا أعرف أنّ هذا لا يوصل إليه في يوم ولا يومين ولا في عام ولا عامين" * * تغيير المنكر بلا ضوابط * وهذا الصنف اشتغل بالدعوة وتبنّى طريقة محاربة الشرك والبدع والخرافات، فكان له الكثير من الفضل في عودة كثير من النّاس إلى جادّة الصواب، فبعدما كانوا من المدمنين على المعاصي والمخدرات أصبحوا من المصلين التائبين، وكذلك كثير من المصلين عادوا إلى السنة بعدما كانوا يعبدون الله بالبدع والخرافات ولكن وقعت بعض التجاوزات من بعض أفراد الجبهة الإسلامية للإنقاذ أثناء تغييرهم للمنكر، وكثيرا ما كانت تقع مشادّات عنيفة بين أنصار الجبهة الإسلامية وبين بعض الشباب بسبب جهلهم وحماسهم وشدّتهم في التغيير، ومن المعلوم أنه لا يجوز تغيير المنكر بمنكر أكبر منه أو مثله، ولكن ماذا نقول حماس الشباب إذا لم يقيّد بالشرع أضلّ وأهلك ولم ينفع، بل أجزم أنّ ذلك الحماس الغير مضبوط هو الذي أوصل البلاد إلى ما نحن فيه الآن. * * تحرّش خطباء الجبهة على الحكام من على المنابر: * حماس لدى الشباب وحماس لدى خطباء المنابر أولد لغما ما لبث أن انفجر آخذا معه الأخضر واليابس، فكان خطباء الجبهة يتهجمون من فوق المنابر على الحكام ويصفونهم بالأوصاف غير اللائقة، محدثين بلبلة في أوساط المسلمين ومخالفين في هذا هدي السلف الصالح في معاملة الحكام، وأحيانا كثيرة كان خطباء الجبهة يستفزون الحكام من على المنابر، يتلثَّم الخطيب كي لا يُعرَف.. فيشتُم ويضلّل.. ويجمع ويحرّض.. ثم يصلي بالناس الجمعة ثم يفرّ.. وأحيانا يفرُّ قبل الصلاة.. وإذا حضرت الشرطة لم تجد إلا الأبرياء، فتأخذهم بجريرة أولئك الأبطال الذين فرّوا إلى مخابئهم كأن شيئا لم يكن. * نعم كان لهم الكثير من الفضل في التغيير في المجتمع أمّا بالنسبة للتغيير في الحكم والسلطة فلم يصلوا إليه حتى ننظر هل نجحوا في ذلك أم لا؟ وإن كنّا نعلم علم اليقين أنّ التغيير هناك ليس بالأمر الهيّن والسهل، فالكثير ممن كانوا ينادون بالتغيير أصابهم التغيير، دخلوا ليغيّروا فتغيّروا، دخلوا ليصلحوا غيرهم فأفسدوا أنفسهم، ونحن لم نعتبر بما وقع لغيرنا في البلاد الإسلامية، فكثير من الحركات الإسلامية قطعوا الأعوام الطوال، في الأقوال والجدال، وجمع الأموال، وتعليل الأمّة بالخيال من دون أن تحقّق عشر ما كانت تتمنّى أو تحلم، وإن انتصرت وكانت على مرمى من الحكم لم يتركها هؤلاء الذين كانوا ينادون بالديمقراطية ولقد رأينا كما رأى غيرنا "أنّ هذه الديمقراطية التي أصبح الكلّ يتغنّون بها أصبحت وأضحت مثل صنم العجوة (أي التمر) الذي كان يصنعه المشرك فإذا جاع أكله، فالحكام العلمانيون إذا أحسوا بأيّ خطورة على مواقعهم وأن الإسلاميين على مقربة من الحكم سيسارعون بحل المجالس النيابية والأحزاب، ويكون الجيش مستعداً دائماً وفوراً لإجهاض هذه الديمقراطية التي اخترعوها". * قال الأستاذ محمد قطب "ولنفرض جدلا أننا توصلنا إلى برلمان إسلامي مائة بالمائة كلّ أعضائه يطالبون بالشريعة، فماذا يستطيع أن يصنع هذا البرلمان بدون قيام القاعدة الإسلامية التي تسند قيام الحكم الإسلامي ثم تسند استمراره في الوجود بعد قيامه؟ انقلاب عسكري يحلّ البرلمان ويقبض على أعضائه ويودعهم السجن وينتهي كلّ شيء في لحظات، إنّه تفكير ساذج بالرغم ما يقدّم له من مبررات". * * الفصل الثالث * * المبحث الأوّل: * من رأى أنّ أسلوب الدعوة يكون عن طريق "التربية والتزكية" * * وهذه الطريقة هي طريقة الصوفية الطرقية العلَوية والأشاعرة وجماعة التبليغ والإخوان مع كلّ ما تجمعه هذه الجماعة من أفكار، لأنّه يوجد في صفوفهم الصوفي والطرقي والأشعري وغير ذلك من الفرق والأصناف، يجتهدون في دعوة الناس أو المجتمع إلى الالتزام بالأخلاق الحميدة والصفات النبيلة بالقصص الغريبة والأحاديث الضعيفة والموضوعة والإسرائيليات من دون تمحيص ولا تدقيق، غَرَضُهم في ذلك هو جَمْعُ الناس واستعمالهم عند الحاجة إليهم، وَوُجد هذا في كثير من كتبهم، بضاعتهم في العلم ضعيفة، لا يدرسون علم الحديث ولا يهتمون به، ويرمون دارسه بأنه لا يعرف الواقع، وأنّه لا يزال يبحث عن السند والعَالَمُ كلّه تطوّر وأصبح يطوف الفضاء ويركب الرياح.... والآن أكثر أصحاب هذا الأسلوب انظَمُّوا إلى التشكيلات السياسية والجمعيات الخيرية، ولا تهمهم تلك التشكيلات التي انظموا إليها إن كانت إسلامية أو وطنية أو ديمقراطية، ومن أهمّ صفاتهم: * * تساهلهم في العمل بالحديث الضعيف: * ومن الصفات التي اشتُهرت عنهم أنهم يتساهلون في الأخذ بالحديث، ويعملون به من غير بحث عن حاله إن كان صحيحا أم لا، وقد تجد منهم من يكتب كتابا أو رسالة وكلّها مبنية على حديث لا أصل له أو ضعيف، مع أنّ أكثر البدع وأعظمها ما قامت لها قائمة إلاّ بهذه الأحاديث الضعيفة "فبدعة القول بوحدة الوجود تتوكّأ على الحديث الذي لا أصل له "ما وسعتني سمائي ولا أرضي ولكن وسعني قلب عبدي المؤمن" وبدعة النور المحمّدي تقف على الحديث الموضوع: "أوّل ما خلق الله نور نبيّك يا جابر" وبدعة خلق المخلوقات من أجل محمّد تعتمد على حديث مكذوب "لولاك لولاك ما خلقت الأفلاك"وسيأتي تفصيل هذا فيما بقي من البحث إن شاء الله تعالى. * * رفضهم العمل بأحاديث الآحاد: * وقولهم بأنّه يفيد الظن لا اليقين، وأنّه يجب العمل به في فروع الشريعة لا الأصول، وذلك للشك في ثبوته، فهو لا يفيد العلم اليقيني عند أكثرهم أو معظمهم بل يفيد الظنّ. وهذا هو منهج المعتزلة كما هو ظاهر من كتبهم. * وأصحاب هذا الاتجاه من هذه الجماعات لهم قدوة في هذا العصر ببعض الكتاب المفكرين وهاك أقوالهم. * قال الشيخ محمد الغزالي رحمه الله "والأحاديث الصحاح من رواية الآحاد تفيد العلم المظنون لا العلم المستيقن، وقد اتفق علماؤنا على العمل بها في فروع الشريعة. ورأيت قلة من الظاهرية والحنابلة يرون العمل بالآحاد في القضايا القطعية بيد أن هذا رأي مردود. وعلى أية حال فعقائدنا تعتمد على نصوص متواترة سواء كان التواتر لفظيا أو معنويا". * ويقول أيضا "إنني آبى كل الإباء أن أربط مستقبل الإسلام كله بحديث آحاد مهما بلغت صحته، كيف أجازف بعقائد ملة شامخة الدعائم عندما أقول: لا يؤمن بها من لم يؤمن بهذا الحديث". * ويقول المفكر سيد قطب رحمه الله كما في تفسير سورة الفلق في سياق رده للروايات التي تذكر أن النبي قد سحره رجل من اليهود "وقد وُردَت روايات بعضها صحيح ولكنه غير متواتر وأحاديث الآحاد لا يؤخذ بها في أمر العقيدة، والمرجع هو القرآن، والتواتر شرط للأخذ بالأحاديث في أصول الاعتقاد". * * تقديمهم للرأي على الشرع * ومنها أنهم يقدمون العقل على النقل والرأي على الشرع، فكثير من الأحكام الشرعية رُدّت بسبب أنّها لم توافق آراءهم وأذواقهم، فعطّلوا الأحكام الشرعية والسنن النبوية، وكثيرا ما ضعفوا حديث النبي صلى الله عليه وسلم لمجرّد أنّ مضمونه يخالف الرأي والعقل، فكلّ حديث يكون كذلك فإنّه يُرَدّ حتى ولو كان صحيحا متفقا عليه، وفي مقابله إذا كان الحديث مضمونه لا يخالف العقل فإنّه يؤخذ به حتى ولو كان سنده ضعيفا. * هذا بالنسبة للحديث والحكم عليه بالصحة أو الضعف، ولكن إذا جاء الحديث وقَبلوه ورأوا العمل به فإنّهم ينظرون؟ فإن وافق أهواءهم قَبلوه، وإن لم يوافقها ردّوه أو حرّفوه وهذه طريقة أهل البدع. * قال ابن أبي العز رحمه الله "كلّ فريق من أرباب البدع يعرض النّصوص على بدعته وما ظنّه معقولا، فما وافقه قال إنّه محكم وقَبِلَهُ واحتجّ به، وما خالفه قال إنّه متشابه ثمّ ردّه وسمّى ردّه تفويضا أو حرّفه وسمّى تحريفه تأويلا فلذلك اشتد إنكار أهل السنّة عليهم . * وطريق أهل السنّة أن لا يعدلوا عن النّص الصحيح ولا يعارضوه بمعقول ولا قول فلان". * * طعنهم في أهل العلم والافتراء عليهم: * ومن الصفات التي اشتهرت عنهم كذلك طعنهم في علماء السنّة والجماعة ووصفهم بأوصاف قبيحة. مثل قولهم "وهابية" و"حشوية" إلى غير ذلك من الألقاب الشنيعة. وقد أكثر من هذا في هذه الأيام ذلك الدعيّ المدعو "شمس الدين بوروبي" من التهكم على العلماء الأحياء منهم والأموات، فقد رماهم بالعظائم، واتهمهم بالضلال والانحراف، بسبب أو من غير سبب، ما إن تسنح له فرصة حتى يجرّ لسانه عليهم طولا وعرضا، هاتكا أعراضهم، آكلاً بالباطل لحومهم، مع أنّ لحومهم مسمومة قال الحافظ ابن عساكر رحمه الله "إنّ لحوم العلماء مسمومة وعادة الله في هتك أعراض منتقسيهم معلومة". هذا وقد ذَكر في إحدى المرات الإمام البربهاري رحمه الله فقال عنه من غير استحياء ولا تردد "وما هو إلاّ ضال مضل" وأحيانا "احذر من هؤلاء الحشوية" وأحيانا أخرى "احذر الفتاوى الضالة التي يطلقها الوهابيون" وغيرها من الألقاب الشنيعة. ونحن بتوفيق الله سنأتي على ذكر معنى "الحشوية" و"الوهابية" ومن هو أول من أطلقها على علماء السنة والجماعة في الفصل الرابع المخصص للرد مع مناقشتها بالكتاب والسنة وأقوال أهل العلم. *