هل توجد سلطة فعلية في أي قطر عربي، يمكن توريثها؟ وهل يمكن للأجيال القادمة خيانة الوطن؟ وماذا يعني توريث الآباء للأبناء "المال الحرام" والعقار المنهوب من المال العام؟ * أسئلة تبادرت إلى ذهني حين رأيت مهاجرين يحملون الجنسيات الفرنسية ومسؤولين يولدون »نساءهم« خارج الجزائر بهدف ضمان الجنسية الأجنبية لأبنائهم. 1. عقدة الجنسية 2. مشكلة الجزائري هي في التأشيرة للخارج وليست في الجنسية، والذين تمسحوا أو تجنسوا هدفهم »التنقل بحرية« لكن هل نقبل هذا الرأي وهل يجوز شرعا؟. 3. لست مفتيا ولا رجل قانون لأقول أنه »يجوز أو لا يجوز«، ولكنني مقتنع بأن من يفكر في تغيير دينه، بغض النظر عن الهدف، هو شخص ليس جديرا بالاحترام، إلا إذا كان صادرا عن إيمان بالدين الجديد. لأن تغيير الدين هو تغيير هوية وثقافة ومبادئ وقيم. 4. ولهذا أقول للذين تمسحوا تحت شعار »اللي في القلب يبقى في القلب« إن اختيار دين جديد يأتي من القلب، بعد أن يكون الاقتناع صار ثابتا في النفس. والذين يملكون القدرة على تغيير الدين الأصلي بدين آخر، لأغراض دنيوية، هم أخطر على من يتنكر لدينه دون تعويضه بدين آخر. 5. والخيانة، في مفهومها البسيط هي لباس أقنعة الآخر بهدف تحقيق أغراض غير نبيلة. ومن يقرأ تاريخ الجوسسة في العالم والخيانات والعمالة يجد أصحابها ممن يملكون أكثر من دين أو جنيسة أو جواز سفر مزيف. 6. صحيح أن أوروبا تسهل الحصول على التأشيرات للمسيحيين أكثر مما تسهل لأصحاب ديانات أخرى، ولكن هل يعقل أن تصير التأشيرة »دينا«؟ 7. المؤكد أن الكثير من الآباء يريدون لأبنائهم حياة أفضل من حياتهم حين ينجبونهم في فرنسا أو بلدان أخرى، بهدف حصولهم على الجنسية، لكنهم يورّثون أبناءهم »خيانة الوطن« ومشاكل لا حصر لها. فالذي يولد في غير بلده الأصلي سيجد نفسه »مزدوج الشخصية«. وكان يفترض من علماء الاجتماع معالجة هذه الظاهرة أو الآفة التي صارت موضة الإطارات السامية في الجزائر. 8. وعلى الجزائر أن تحسم قضية »مزدوجي الجنسية«، فلا يحق أن يدخل مواطن حدودنا وفي جيبه أكثر من جواز سفر. 9. ولا أفهم كيف يتنقل شخص من بلد لآخر بعدة جوازات سفر دون توقيفه في المطارات إلا إذا كانت هناك جهات مستفيدة من هذا التنقل. 10. إن توريث الخيانة للوطن يبدأ من توريثهم الأبناء جنسيات آبائهم غير الأصلية، وتوريثهم المال الحرام والنهب والفساد، بحيث أن الإبن حين يكبر يرث أباه فساده وبالتالي يكون أكثر تأهيلا لخيانة البلاد والعباد. 11. فمتى تنتهي عقدة »الجنسية الفرنسية« في الجزائر، ويدرك المهاجرون ممن تجنسوا أنهم أولى باحترام جنسية فرنسا على احترام جنسياتهم الأصلية؟. 12. ومتى تدرك السلطات الجزائرية أن المساعدات التي تقدمها لما يسمى ب (المهاجرين الجزائريين) إنما هي تقدمها لأشخاص صاروا عالة على البلاد والعباد، ومتى يصير للجزائر مهاجرون أمثال المغاربة والتوانسة وسلطة تدرك أن لها مهاجرين لهم الحقوق والواجبات مثل بقية المواطنين. 13. هل هناك سلطة تورث؟ 14. من يستطيع أن يقنع المواطن العربي بوجود سلطة داخل أي قطر عربي تملك »سلطة اتخاذ القرار« بتوريث نفسها للعائلة أو لأحد أفراد العائلة؟ 15. ربما يقول البعض: وماذا عن النظام الملكي أو الأميري؟ 16. إذا كانت السلطة في النظام الجمهوري تتم عبر صناديق الاقتراع أو التوافق البرلماني، فإن الرئيس المنتخب أو المعين لا بد أن يأخذ »شرعيته« من سلطة الآخر أو »الأجنبي« أمريكا أو أوروبا. 17. فقيادة الأوطان لم تعد تتحكم فيها السيادة الوطنية وإنما من وراء »البحار«، والسيناريو يكون عبر وزارة الداخلية. 18. فما حدث في موريتانيا لا يحتاج إلى دليل، فالذي أطاح بالديمقراطية، بدعم أجنبي، هو الذي صار رئيسا أما كيف حدث فهذا حديث آخر. 19. أما مسألة ولي العهد في النظام الملكي أو الأميري فهي قضية بسيطة، لأن الطبخة تكون بين الملك أو الأمير والجهة النافذة في ذلك البلد، وما حدث في الأردن لا يحتاج إلى تعليق، والأمر نفسه بالنسبة للمغرب، وكذلك السعودية وغيرها من الأقطار العربية. 20. ولهذا، نقول لأولئك الذين يتحدثون عن توريث الحكم في مصر وليبيا والجزائر وغيرها، إنما يتحدثون عن »سلطة افتراضية« يراد توريثها. فالسلطة الحقيقية لا تورث، ومادامت هذه السلطة مفقودة في وطننا العربي. فما هو الخيار أو الخيارات المطلوبة. 21. لا شك أن تحرير »السلطة« يأتي من تحرير الأحزاب والمجتمع المدني من التبعية للآخر، والآخر، كما يقول جان بول سارتر، هو الجحيم، لأنه، في الغالب يكون من »مخلفات الفكر الاستعماري«. 22. فالآخر بالنسبة لكثير من الأقطار العربية هو أمريكا وفرنسا وبريطانيا، أو »أحزابهم« داخل القطر الواحد. 23. وتحرير الأحزاب والمجتمع المدني من الولاء للآخر يفترض أن يكون متبوعا بالتداول على قيادة الحزب أو الجمعية وفق قيم الديمقراطية بتحديد العهدة وآليات الانتخاب. 24. وإذا تحقق ذلك، فإن المعارضة تصير واقعا معيشيا يفرض نفسه على السلطة، ويحقق التوازن في الحكم. وبالتالي ندخل مرحلة »السيادة الشعبية« التي تكون فيها الحكومة في حاجة إلى الشعب، وليس العكس. 25. وحين يكون البرنامج واضحا والمشروع محددا، والإطارات متوفرة، تتلاشى المحسوبية والجهوية، ويصبح الوطن بمنأى عن أي عاصفة تهب من الغرب أو الشرق، ويكون المستقبل مضمونا للجيل الصاعد، وتنتهي »أساطير توريث الحكم أو السلطة«. 26. ويصبح نادي الصنوبر وموريتي وغيرهما ليست »عشّا« لتوريث الفساد، وإنما موقعا سياحيا لكل مواطن، لا فرق بين وزير أو إطار سام وبين مواطن آخر.