بعض مستوردي الكتب في منتدى الشروق/ صورة: الشروق تعرض مستوردو الكتاب في الجزائر إلى ضربة غير متوقعة، فاجأتهم بها الحكومة أياما قبل الدخول المدرسي التي تعتبر لدى هؤلاء فترة حساسة. * * حيث تحدثوا في منتدى "الشروق" عن انشغالاتهم التي يأتي في مقدمتها صدور المادة 69 من قانون المالية التكميلي التي أخلطت حساباتهم، ووضعتهم في مفترق طرق خطير قد يؤدي بهم إلى غلق مؤسساتهم والتوجه لنشاطات تجارية أخرى. * * القانون الجديد يشجع على الغش الضريبي والتصريح الكاذب * أكد مستوردو الكتاب الجزائريين أن إصرار الحكومة على تطبيق بنود المادة 69 من قانون المالية التكميلي 2009، من شأنه أن يشجع على الغش بكل أنواعه "السوق السوداء، التصريح الكاذب والتهرب الضريبي"، لأن المتعاملين في مجال الكتاب يجدون أنفسهم مجبرين على التصريح الخاطئ والكاذب، وهو ما يؤدي إلى نمو السوق السوداء وتهريب العملة الصعبة، وهذا لا يخدم الاقتصاد الوطني. * وفي سياق متصل، أكد المتحدثون أن الحجج الاقتصادية التي استند إليها القائمون على تشريع هذا القانون واهية جدا، إذ أن مطلب ضمان العملة الذي تحدث عنه القانون لا أساس له من الصحة، ذلك أن خزينة الدولة لا تدفع من صندوقها، بل هي أموال الخواص الذين يتعاملون بها مع الموردين الأجانب بناء على علاقات ثقة، تمكنهم من الدفع في الآجال التي يتم الاتفاق عليها سلفا، هذا من جهة. * ومن جهة أخرى، أكد ضيوف "الشروق" أنه "لا يمكن للجزائر أن تدفع ثمن سلع لم يستهلكها مواطنوها، فأية مصلحة لنا في هذا وأية فائدة يجنيها الاقتصاد الوطني". كما أن الدولة لا تقدم ضمانات في هذا المجال، ولا تتدخل طالما أن المستوردين يتعاملون بأموالهم التي يحصلونها من المتعاملين المحليين، من موزعين وأصحاب مكتبات، زيادة على ذلك فإن هذا الإجراء الذي اعتمدته مؤخرا الحكومة، هو آخر وأضعف إجراء تلجأ إليه الدول على المستوى العالمي، لأنه لا يقدم مرونة في التعاملات الاقتصادية، فالذين وضعوا هذا القانون لا يعرفون التجارة الدولية أو ربما يجهلون القانون كليا، لأن مطلب الشفافية الاقتصادية الذي نادى به القانون لا يمكن أن يتحقق، وإنما على العكس تماما، قد يؤدي إلى زيادة الضبابية في العمل والتلاعب بعيدا عن أعين الدولة، وكذا الكذب، التصريح الخاطئ وتهريب العملة، فالمستوردون حينها يكونون مجبرين على اللجوء لهذه الأساليب ومكرهين، لأن القانون الجزائري لا يوفر مرونة في التعاملات الاقتصادية. * * القانون يهدد نشاط "ما تبقى من مكتبات" * أوضح صاحب دار الوعي، السيد محمد مولدي، أن القانون الجديد من شأنه أن يقتل نشاط ما تبقى من مكتبات، إذ علمنا أنه توجد عبر الوطن 150 مكتبة ووراقة اعتاد المستوردون التعامل معها، لكن هذا القانون من شأنه أن يوقف نشاطاتها في ظل تحويل عدد كبير من المكتبيين لنشاطات مكتباتهم إلى محلات لبيع البيتزا أو الأحذية، لكون نشاط الكتاب ليس مربحا مثلها. * * المعرض الدولي للكتاب والدخول الجامعي سيعرفان صعوبات * في سياق متصل أكد المستوردون أن من انعكاسات القانون الجديد على التجارة الخارجية في مجال الكتاب، أن المعرض الدولي القادم من شأنه أن يعرف صعوبات كثيرة في ظل إقصاء المستوردين وإلزامهم بالدفع الفوري، فالمواطن الذي ينتظر لأشهر عديدة من أجل الحصول على جديد النشر عربيا ودوليا، لن يتمكن من إيجاد طلباته إذا كان المستوردون لن يتمكنوا من استلام سلعهم المحجوزة في عرض البحر أو في موانئ فرنسا، إسبانيا، دبي ومالطا. * وتبعا لهذا فإن الدخول الاجتماعي القادم سيعرف أيضا نقصا في الكتاب الجامعي والكتاب المتخصص الذي يمول المعاهد والكليات ومراكز البحث، خاصة التي تشكل أغلب زبائن الموردين للكتاب بمبلغ يقارب 8 ملايير دولار، تضاف إليها المؤسسات التربوية بنسبة 95 في المائة، فإن هذا القانون ستكون له انعكاسات مباشرة على البحث العلمي المتخصص وعلى أداء طلاب الجامعات. * * 30 مليون دولا حجم واردات الجزائر في مجال الكتاب * كشف الحاضرون في فروم "الشروق" أن حجم ما تستورده الجزائر من الكتاب لا يتجاوز 30 مليون دولار، وهي قيمة أقل ب 3 مرات حجم الميزانية المخصصة للمهرجان الثقافي الإفريقي "120" مليون دولار، وعليه فإن هذه الضجة ليس لها ما يبررها من جهة، ومن جهة أكد المتحدثون أن الدولة التي تدعي اليوم تقديم الدعم للثقافة عليها أن تقدم الدعم للكتاب لأنه بوابة الثقافة الأساسية. * * السوق الجزائرية لا تشجع الأجانب على الاستثمار * قال مستوردو الكتاب إن الدواعي التي استند عليها مشرعو القانون الجديد للتجارة الخارجية في الدعوة لجلب المستثمرين الأجانب للجزائر غير ممكن في الوقت الحالي، لأن السوق الجزائرية لا تشجع على الاستثمار سواء من ناحية البنوك التي لا تمول الاستثمار الثقافي، وكذا القوانين ليست مرنة، وبالتالي لا مستثمر أجنبي يقبل أن يغامر بأمواله للاستثمار في الجزائر، والخاسر الأكبر هنا هو الثقافة والنظام التربوي والجامعات، التي تتضرر بشكل كبير إذا توقف نشاط المستوردين، خاصة وأن الصناعة المحلية للكتاب غير قادرة على تلبية حاجيات السوق ومتطلبات الجزائريين. * * "ليس لدينا مشاكل مع الوزيرة، ومن حقنا أن نعرف ما يحدث في المرصد الوطني للكتاب" * "لسنا بزناسية وإسماعيل أمزيان ليس وصيا على الكتاب في الجزائر" * كان حضور مستوردي الكتاب في فروم "الشروق" فرصة لهم للعودة لما حدث مؤخرا في نقابة الناشرين، حيث أكدوا أن لا أحد له الحق في أن يصف المستوردين بالبزناسية، أو تجارا خارج القانون، لأنهم يقدمون خدمات لسوق الكتاب، وهم ليسوا إلا حلقة في هذه الصناعة التي تتطلب تظافر كل الجهود من مكتبيين ومؤلفين وأصحاب الدور المحلية، وزيادة على ذلك فهم يشتغلون في إطار قوانين البلاد وسجلاتهم واضحة. * وفي سياق متصل، أوضح المتحدثون أن الرئيس الأسبق للنقابة إسماعيل امزيان، الذي حاول أن يوهم الوزارة بأننا خارج القانون، أو لدينا مشاكل معها أو نحن ضد الوزارة أو ضد سياسة الدولة، لا أساس له من الصحة "لسنا ضد الوزارة، ولسنا ضد أن تعين الوزيرة من تشاء محافظا للمعرض، لكن من حقنا أن نعرف ما يدور في المرصد الوطني للكتاب، ومن حقنا أن يتم إشراكنا واستشارتنا فيما يتخذ من قرارات، وليس من حق فرد واحد الحديث باسم العاملين في سوق الكتاب كلهم بمن فيهم من مكتبيين وموزعين". * وأضافوا "إن أمزيان لا يختصر وحده ساحة الكتاب على تعددها وتنوعها، وهو لم يعد رئيسا للنقابة، وبالتالي لا يحق نعت الناس بما يشاء من أوصاف"، وكشفوا أيضا أنه سبق للرئيس الأسبق للنقابة أن تحفظ، بل ورفض إطلاع الناشرين على ما يدور في المرصد الوطني للكتاب، وكان في كل مرة يقول لهم "هو نسخة مستنسخة عن القانون الفرنسي" وشدد المتحدثون على ضرورة أن تغير الدولة والقائمين على شؤون الثقافة والكتاب عندنا من نظرتها للمستوردين على أنهم "بزناسية أو أناس خارجون عن القانون". * * مستوردو الكتب يلوّحون بالتوقف عن نشاطهم ويصرخون: * "الجزائر تستورد من الملابس المستعملة أكثر مما تستورده من الكتب" * لوّح ضيوف فوروم "الشروق" من مستوردي الكتب بالتوقف عن نشاطهم والتوجه إلى تجارة أخرى بعيدا عن مجال الثقافة والكتاب، في حال عدم عدول الدولة عن تنفيذ المادة 69 من قانون المالية التكميلي لسنة 2009 والتي تقضي على المستوردين بإجبارية دفع مقابل الواردات بواسطة الائتمان المستندي، مشيرين إلى أن القانون المستحدث يجور بالمقابل على طلاب العلم والثقافة في الجزائر، ومتأسفين من استيراد الدولة للملابس المستعملة أكثر مما تستورده من الكتب. * * "غياب المقروئية في الجزائر دفعنا إلى المجازفة والاستثمار في مجال الكتاب" * أجمع ضيوف فوروم "الشروق" من مستوردي الكتب على أن عملية استيراد الكتاب في الجزائر صارت في أحيان كثيرة نوعا من المغامرة والمجازفة، خاصة في ظل ظاهرة العزوف عن القراءة، بعد أن أصبح الكتاب سلعة كمالية، غير أن الرغبة حسبهم في الرفع من مستوى المقروئية في الجزائر دفعتهم إلى الاستثمار في مجال الكتاب والذي لا يدر من الربح على حد قولهم- ما يدره نشاط تجاري آخر بعيدا عن مجال الثقافة. "نناضل من أجل المهنة النبيلة ونحترم القانون بدفع الضرائب ومستحقات استيراد الكتب التي تقتص منها البنوك والجمارك، ونعرف ما علينا وما لنا". * وردّ المتحدثون واقع القراءة في الجزائر إلى السياسة الثقافية التي نجحت دول شقيقة في إرسائها حسبهم على غرار سوريا ولبنان اللتين تعرف فيهما حركة الكتاب انتعاشا كبيرا، فيما لا تستورد الجزائر كل سنة سوى ما قيمته 30 مليون دولار، وهو رقم ضعيف جدا في تقديرهم- بالمقارنة مع ما تنفقه الدولة على استيرادات أخرى، كما أن الرقم بعيد جدا عن الرقم الذي تراهن عليه باقي دور العالم. * وتوقف المتدخلون عند إشكالية نقص المكتبات في الجزائر، وفي هذه الجزئية أبدى أحد المستوردين ممن حضروا الفوروم أسفه لأن المكتبة الوحيدة الموجودة على مستوى مدينة بشار تم غلقها. * * "ظلمنا بهذا القانون فمن ينصفنا؟" * قال المتدخلون في فوروم "الشروق" بأنهم ليسوا عنصرا إضافيا للكتاب في الجزائر، بل إنهم يساهمون في نقل الثقافة ونشرها، واستغربوا في ذات السياق من الإجراء الجديد الذي أقره قانون المالية التكميلي لسنة 2009 الذي يدخل في إطار الإجراءات الجديدة التي اتخذتها الحكومة لتطهير قطاع التجارة الخارجية، والذي شمل مجال الكتاب الذي يعتبر مجالا حيويا وهاما حسبهم-. * واعتبروا القرار المتخذ منعا لتدفق الكتاب الذي غالبا ما يكون موجها لطلبة الجامعات والدارسين عبر مختلف المنابر العلمية في الجزائر، والذين حرموا من حق مطالعة جديد الكتب في مجالات علمية عديدة، وفي هذا ذكرت السيدة عابد واحدة من مستوردي المجلات التقنية والطبية بأنها تتعامل منذ 15 سنة مع الجامعات عبر إمداد الطلاب بمجلات متخصصة في مجالات دراسة الطلاب، تساهم في إنعاش عقولهم، وتصدرها حسب المتحدثة- مراكز بحوث مرموقة في أوروبا، فالدولة بقرارها حسب المتحدثة- تعاقب الطالب والعلم في الجزائر، وبعد هذا القرار لن يجد قرابة 80 بالمائة من الطلبة ضالتهم في المكاتب الجامعية. * كما أجمع المتدخلون على أن الدولة ظلمت مستوردي الكتب وصنفت تجارتهم التي تخدم الثقافة والعلم والتنوير، مع الموز والمواد الغذائية المعلبة. وتأسف المشاركون في فوروم "الشروق" من أن الدولة أصبحت تستورد من الألبسة المستعملة "الشيفون" أكثر مما تستورده من الكتب، وهو ما يعبر بصدق عن تقهقر المشهد الثقافي في بلادنا، حسبهم.