كثر الحديث مؤخرا، ومنذ ما يقارب السنتين، عن انتهاكات من نوع خاص، يفترض فيها عدم حدوثها، للنزاهة والاستقامة المفترضة على ممثلي الشعب. * * ولكن يبدو أن العكس أصبح الحديث عنه من خلال تناقل وسائل الإعلام عن الاعتداءات المتكررة لممثلي الشعب على أفراد الشعب، فوصلت إلى حد القتل، والشتم، والجرح، وإنني لن أقفز على الحقيقة، فهي الحقيقة المطلقة!!.. قد يكثر التأويل فيها والقيل والقال...، ولكن في جميع الأحوال "أجرم" النائب المحترم للشعبي المستحقر مدان للعديد من الاعتبارات، أهمها أن المقام والوظيفة تقتضي الرزانة والحنكة وبرودة الأعصاب، والتسامح وغيرها من الأوصاف الأخرى.. فالعملية المفترضة على النائب من تحسس وترجمة التطلعات وليس الاعتداء والتفرعين على الزوالي.. كما أنه يفترض إن كان غموض في النصوص -حسب البعض- على النائب المحترم التي تحوم حوله الشكوك أن يقدم استقالته، أو أن يجعل نفسه تحت تصرف العادلة لكي تقوم بعملها، ولكن يبدو أن "الشجاعة" تنقص في هذا الموطن، السلطة التشريعية أو وزارة العدل "فالشجاعة" ناقصة وغير قائمة لدى جميع الأطراف. * وما دمنا نتكلم عن الحصانة.. فالحصانة الحقيقية -حسب قناعتي- هي حصانة الشعب، بتقديره واحترامه للنائب. أما الحصانة البرلمانية فمؤقتة ومرحلية مرتبطة بالعهدة، وذلك قد يجرنا للحديث عن الاحترام الشعبي، الذي أحيانا قد يكون نتاج الخوف بحكم المنصب، وهي في هذه الصورة اصطناعية وغير حقيقية، تنتهي بانتهاء المؤثر الخارجي.. والصورة الثانية هي الاحترام الناتج عن مواصفات الشخص النائب من أخلاق عالية، ومهنية في أداء الواجبات، والعمل على ترقية أفراد دائرته.. فهذه الحصانة الشعبية هي الحصانة الحقيقية، المتجردة والدائمة... ولذلك يوجد مثال شعبي قائل "كم من الوالي اصبح ولو.. وكم من ولو أصبح والي".. أمام عجز العديد!!، قد نذكّر أنفسنا والآخرين أنه "لو دامت لغيرك لما وصلت إليك" و"دوام الحال من المحال"، لذلك لا محال كل هذه الملفات العالقة وأحياناً المتأرجحة ستظهر آجلا أم عاجلا، وحينها لا يمكن البكاء على الأطلال... * وإنني قد أتكلم عن الحصانة، والفهم المغشوش لدى العديد باستعمال المصطلح دون قيود أو ضوابط، وأحياناً قد يسلط كسيف الحجاج على الضعفاء... وإنني قد اندهشت للعديد منهم الذين تحوم حولهم بعض الشكوك، بدل أن يخرج إلى الله عريانا.. يكسيه.. نلاحظ انه حدث مفعول عكسي، فأصبح أكثر ثشبتاً بحصانته البرلمانية، وكل واحد منهم هو الذي يقيم العدالة بنفسه وحسب فلسفته... كما انه في العديد من الدول التي قد تسمى لدى طباقتنا السياسية بدول الموز، هذه الدول لها الشجاعة في رفع الحصانة... * ومن ناحية أخرى، فرضا لو كان جدال فقهي قانوني قائم حول مدلول الحصانة، هل تكون أثناء أداء الواجب؟؟ أم تكون خلال العهدة البرلمانية أو خارجها؟؟ في كل الأعمال أو الجزء منها.؟؟.. ومن يحرك الحصانة، مكتب البرلمان، أم وزير العدل؟؟ ام تكون بناء على طالب النائب؟؟ ففي هذه الحالات أليس لدينا مجلسا دستوريا يستفتينا؟؟ ومن حق بعض المؤسسات الدستورية إخطاره للاستفسار وحل هذه الإشكاليات؟؟ أم نزن الأمور بضبابية نتيجة قناعات وحسابات سياسية بعيدا كل البعد عن التكنولوجية القانونية... * والباعث القانوني من الحصانة وهو من أجل أن يؤدي النائب التزاماته الانتخابية، وفق قناعاته التي انتخب عليها دون أي ضغوط، ودون متابعات إجرائية قانونية التي قد تكيف في الظروف العادية على أساس قذف أو انتهاك لحق الخصوصية.. ففي جميع الأحوال الحصانة لا تتعدى المهام الوظيفية، ولكن يبدو لدينا أن الحصانة لقنت بشكل "خاطئ"، وازداد في قناعة النواب من خلال التمادي في الممارسة الخاطئة والسكوت عنها!!!... فهذه السلوكيات نتيجة بيئة مساعدة لهذه الممارسات المنافية ليس فقط للوظيفة الانتخابية بقدر ما هي منافية لمفهوم المواطنة. * وأخيرا إن كانت من كلمة فإن الأحزاب السياسية في العالم مدارس للسلوك المثالي، ولكن في جرائرنا يبدو أن "الانحطاط" و"الزبونية" في اختيار الممثلين بداءة تنعكس سلباً، والعمل والنتائج بجنس الاختيار، وكما تكونوا يولى عليكم، فهذه القاعدة والسنة الكونية هي المشهد الدرامي لحياتنا البرلمانية... وإنني لن أجرم جميع النواب، ولكن العينات السلبية قد تؤثر على المجلس بكامله وتعطي انطباعا خطئا لدى أفراد الشعب.