رأوا الموت أمامهم.. صارعوا الأمواج.. الهاتف النقال أنقذهم.. في الوقت الذي كانت فيه الأمة العربية والإسلامية قاطبة، تترقب هلال رمضان لإعلان شهر الصيام بكل مشارق الأرض ومغاربها، وفي الوقت الذي كان فيه غلام الله وزير الشؤون الدينية يتلو على مسامع الجزائريين بيان لجنة الأهلة بالتلفزة الجزائرية. * * معلنا أن أول أيام الشهر الفضيل هو يوم السبت، مهنئا الشعب الجزائري بقدوم شهر التوبة والرحمة والغفران، وفي الوقت الذي كانت فيه فرقة الدرك الوطني لسرايدي بعنابة تحقق مع 15 حراقا وتم توقيفهم على مقربة بشاطئ واد بقرات، عشية نهار الخميس، أي ليلة الشك، كانوا يستعدون للحاق بقاربهم المركون بالشاطئ الصخري لوادي بقرات، في الوقت نفسه كان 16 شابا من أبناء هذا البلد الغالي يجهزون انفسهم للإقلاع نحو جزيرة سردينيا الإيطالية، في أول يوم من شهر رمضان المعظم. * "الشروق اليومي" وبعد إقرار سلطات وحدات البحرية الجزائرية عدم تزويدها بالمعلومة، لأنها نقلت حادثة الموت الأخيرة بسواحل عنابة باحترافية ومهنية عالية، قررت من جهتها البحث عن مصدر معلومة آخر لتنقل لقرائها الأوفياء وللمهتمين بشأن الحراقة تفاصيل الرحلة التي كادت أن تكون بدورها قاتلة ومميتة لولا لطف الله سبحانه وتعالى. ونزولا عند رغبة قراء "الشروق اليومي"، الذين قالوا بأنها الجريدة رقم واحد في الجزائر، والأولى أيضا من بين الجرائد المهتمة بظاهرة الهجرة غير الشرعية. * يقول شاب تراجع عن الرحلة الأخيرة للشروق اليومي، بأنهم قصدوا شاطئ واد بقرات بسرايدي في حدود الساعة السادسة مساء من نهار الخميس، بعد أن كانت كل الأمور جاهزة للرحيل، بما فيها المواد الغذائية ومؤونة سحور اليوم الأول، قائلا اخترنا أن ننطلق ليلة الشك، للإفلات من رقابة حراس السواحل، الذين أصبحوا يملأون عرض السواحل البحرية الجزائرية، كل ليلة، وكنا نظن نقص الرقابة الأمنية في تلك الليلة، إلا أن وحدات البحرية بدت لنا جيئة ورواحا بسواحل عنابة، ثم أن ثبوت أول أيام الشهر الفضيل يوم السبت وليس الجمعة، إضافة إلى علمنا أن عناصر الدرك نجحت في توقيف مجموعة من الحراقة قبل التحاقها بالشاطئ، كل هذه الأسباب جعلتنا نعود أدراجنا إلى منازلنا صبيحة الجمعة، وأنصرف كل واحد منا لجلب كميات من التمر واللبن والكسرة وبعض المشروبات الغازية، لنلتقي مجددا ليلة الجمعة، وبعد أن قضينا ساعات على الشاطئ نتبادل أطراف الحديث يقول المتحدث كنت أرى وجه أبي وأمي على طاولة الإفطار في رمضان وأتصور مشاهد وأجواء غيابي عن المنزل في أول أيام شهر الصيام، ومصير أمي المريضة بداء السكري، فقررت التراجع عن خوض هذه المغامرة، ولم أشأ أن أبدي ذلك لمن كانوا معي وهم 16 شابا قدموا من مختلف أنحاء عنابة، وبعد أن تناولت معهم السحور عند الساعة الثانية صباحا أدينا الصلاة جماعة، وحينما قرر الجميع ركوب القارب فضلت تحت الظلام الحالك الانسحاب والعودة إلى المنزل، وأظن أنهم لم ينتبهوا لغيابي، وعدت أدراجي إلى المنزل، وحمدت الله عشية نهار الأحد، عندما علمت أنني نجوت من كارثة كادت تلحق بالقارب، بعد أن بلغ مسامعي أن زملائي علقوا في البحر، فلا هم وصلوا إلى سردينيا، ولا هم فشلوا وأنقذتهم عناصر حراس السواحل، إلا أنني دعوت الله لأن يكون معهم وصليت لأجلهم وقضيت هذين اليومين لا أرى إلا وجوههم أمام عيني، مضيفا أتمنى أن يعودوا في صحة وعافية، أرجو أن تنقذهم القدرة الإلهية. * ومن جانب آخر، تنقل الشروق اليومي، تصريحات الناجين التي أدلوا بها لوسائل الإعلام الإيطالية، عقب تمكن عناصر خفر السواحل بالتنسيق مع البحرية الجزائرية من إنقاذ أرواحهم عشية أمس الأول، قبالة جزيرة سردينيا، أين وجدوا في وضعية صحية حرجة للغاية، أقرب إلى الموت منها إلى الحياة، بعد أن نفد البنزين وتوقف القارب على بعد أميال من السواحل الجزائرية والإيطالية ليقضوا بذلك ساعات طوال تحت لفح الشمس الحارقة، يصارعون أمواج البحر العالية والموت الذي رأوه أمام أعينهم، ونقل المعنيون الضحايا بين الحياة والموت مباشرة إلى المستشفى المركزي بجزيرة سردينيا، أين تم إخضاعهم لفحوصات طبية مركزة، لاسيما وأن الضحايا نفدت مؤونتهم قبل 30 ساعة ونفد ماؤهم، وقضوا كل ذلك الوقت في الجوع والعطش، تتقاذفهم الأمواج وتعبث بهم، في انتظار وصول البحرية الإيطالية التي تلقت إشعارا من البحرية الجزائرية التي بدورها حملت شكوى العائلات التي تلقت اتصالا هاتفيا من الضحايا يفيد بأنهم عالقون بعرض البحر وفي نقطة مجهولة علمها عند ربي، وينتظر المعنيون تحويلهم إلى عنابة وإلى عائلاتهم التي تنتظرهم على أحر من الجمر، والكل سيبح الله سبحانه وتعالى عن هذه المعجزة الإلهية التي أنقذت 16 شابا لا حول ولا قوة لهم من الموت المحقق.