لم يرن هاتف المديرية صبيحتها، إلا مرة واحدة، ليعلمه، مدير الأشغال العمومية، بأن العزومة المبرمجة لهذه الليلة عند سي الحاج، لا تعنيه، هو، لأن المؤكد أن السيد الكبير مدعو لها، وقد علم أنه سيحضرها. * * حاول من جانبه، أن يتصل بأكثر من هيئة وإدارة ومؤسسة، لكن الجواب يأتيه، وكأنما هو جاهز من قبل. * * مع الأسف. غير موجود. هل تترك، وصية نبلغها له. * * الهواتف النقالة، ما أن تتعرف على رقمه، حتى، تتمنع عن الرد. * * تحركت الآلة من تلقاء نفسها، لتعكس وتعبر عن غضب السيد الكبير، وعما يمكن أن ينتظر حضرة المدير، إن ظن أنه فعلا مستقل في قراراته، وفي تسييره. * * لا تنفعه العشرة ملاليم الموضوعة في حساب المديرية، ولا توقيعاته، الزائفة. * * ليأخذ هذه المليمات، ويبحث له عن مجال ينفقه فيها. هنا. عندي انتهى الأمر. * * كل شيء، له مسلك ومنفذ ومجال واحد، هو السلطة وليس الدولة، والدولة السلطة الوحيدة في المنطقة، هي سيادة السيد الكبير. * * لا عرف ولا قانون. ولا كلام متعلمين. * * جاءه فاكس، يحمل لائحة موقعة من طرف رؤساء كثير من الجمعيات، تقول فيها بعد الحيثيات، والاعتبارات، وسرد كل ماضي مديرية الثقافة في المنطقة، وجميع السلبيات التي يتعرض لها العمل الثقافي والمجتمع المدني المتمثل في الجمعيات على اختلاف ألوانها وأشكالها... إنها متضامنة معه، وإن الموقف الذي اتخذه ضد السيد الكبير، كان ضروريا، ومنتظرا منذ زمن طويل، لو توفرت إرادة حرة ونزيهة. وأن جميع الموقعين أسفله، مستريحون، للقرار المتخذ، ضد الطفيلي، المعروف، باسم سي زينو نات، هذا الذي أضر بالثقافة، وبالمجتمع المدني، وشكل علقة، تستنزف المديرية والجمعيات. حياك الله وبياك، وعاش المجتمع المدني. * * جاء في حاشية اللائحة، أن ألف جمعية من جملة ألف وخمسمائة موقعة، وأن البقية ستلتحق في المساء. كما جاء أيضا أن نسخا من هذه اللائحة وجهت للسيد الكبير، ولكل الهيئات والمؤسسات الموجودة على مستوى الولاية، وإلى وزارة الثقافة، ووزارة الداخلية، وإلى السيد الأكبر. كما جاءت ملاحظة ثالثة، تؤكد أن المجتمع، لا يثنيه عن عزمه في الدفاع عن المدير الحالي للثقافة شيء. وأنه، المجتمع المدني، مستعد للذهاب بعيدا، في طرح كل العوائق والشوائب، المتعلقة بسير الأمور، جميعها في الولاية. * * استغرب كيف أن الأمور تنتشر بسرعة البرق، وتخرج من بين اللحم والظفر. * * مسألة بينه وبين السيد الكبير في مكتب مغلق، تصبح، قبل أن يمر عليها يوم وليلة، قضية وطنية، إن لم تكن عالمية * * فلا شك أن هذه اللائحة تنتشر الآن على الشبكات العالمية، وأنها تقرؤ في كل مكان. * * يعسر على المرء أن يجري تحليلا صحيحا، في غياب الهدوء والوضوح والتأني، كما يعسر عليه أن يتبين الفخاخ، والشباك المنصوبة أمامه. * * ما دور سي زينو لانترنات في كل ما يجري. خاصة في انتشار المسألة على المدى الواسع هذا؟ * * هل توجد أجهزة أمن خفية تصفي حساباتها مع السيد الكبير، تحركت بسرعة البرق، تجند عناصرها؟ * * هل سبق أن حدث مثل ما يحدث حاليا بين السيد الكبير والمديرية. * * سأل أحد الموظفين القريبين منه، فأجابه بأنه حدث أكثر من مرة، لكن في كل مرة يحدث ذلك، يجمع السيد المدير متاعه وأغراضه، ويتكل على الله، نحو العاصمة ولا يعود... نعم حدث أكثر من مرة. * * لكن لا أحد تجرأ على سي زينو لانترنات، أو عاد في صباح الغد للمديرية. مثلما عدت. * * كانت الأمور، تجري من هناك لهناك، ومن هنالك لهنالك. * * اهتز السيد الكبير، واهتز معه الديوان. * * فقد جاءت في اللائحة تلميحات كثيرة، لشؤون تتعلق بالتسيير، وبأخلاقيات العلاقات بين المواطن والإدارة. وبالفساد عموما. * * هناك رسائل كثيرة مشفرة. لا تخفى على مسؤول حساس مثله. * * أول قرار اتخذه، هو إلغاء حضور حفل سي الحاج الليلة. * * كان الكاتب العام هو الذي نصحه بذلك، فالمسألة، مهما كانت زوبعة في فنجان، فإن لها آثارا يستحسن أن يتجنبها المرء. * * بعد إذنك سيدي الكبير. هذا سي زينو لانترنات، يتسبب لنا كل مرة في مشاكل مع كل مسئول جديد، يعين على رأس مديرية الثقافة. * * ولكن هذا شيوعي كلب. * * بعد إذنك سيدي الكبير، لم يبق في هذا العالم أي شيوعي. لقد انهارت دولتهم وإلى الأبد. فلم الخوف، والعودة إلى خوالي الأيام. * * أقول لك الصح، ما زلت، أتقزز منهم، كما أتقزز من أي فأر، وإن كنت متأكدا من أنه في قفص. أيام ثورتنا التحريرية، كانت الإعانة تأتينا من الصين الوطنية، وليس من الصين الشيوعية. من أعطانا المورتي، ومن وقف إلى جانبنا في الهيئات الأممية. * * سيدي الكبير، إذا سمحت، نطلب من الاستعلامات العامة، أن تعطينا مساره من يوم جاء. * * اطلبهم، واطلب قائد القطاع العسكري أيضا. * * في السابعة والأربعين من عمره. * * مواليد بلدية الحراش بالجزائر العاصمة. من أبوين جزائريين. * * متزوج وله بنت واحدة، أنجبها، بعد سفرة إلى سويسرا، وبعملية قيصرية. * * مهندس في الإعلام الآلي. * * يقرظ الشعر. * * ألقي عليه القبض يوم الثلاثاء 23 جوان 1965 متظاهرا في باب الوادي، وأطلق سراحه بعد أسبوعين. * * انخرط في منظمة المقاومة الشعبية، وهو في الثانوية، ولم يظهر له نشاط، حتى بداية السبعينيات، حيث كان هو وزوجته من أنشط المتطوعين لما كان يسمى الثورة الزراعية. * * له رخصة سياقة. * * لم يجدد جواز السفر. * * قبل تعيينه على رأس المديرية، كان يعمل لحساب مؤسسة خاصة. * * تعين على رأس مديرية الثقافة بولايتنا، منذ سبعة أشهر وعشرة أيام. * * لا يغادر مكتبه، إلا لظروف عمل. * * مستقيم الخلق (لحد الآن). * * مندمج مع زملائه المديرين. * * من حين لآخر، يبدو عليه نوع من التبرم، والتوهان، دقق في الأمر، فاتضح أنها أعراض نفسية، تظهر عند بعض الشعراء قبل أن يذوبوا في الوضيف. * * يؤدي صلاة المغرب عادة في المسجد. * * له قدرة كبيرة على التواصل مع الناس، من جميع الأعمار. * * تلقى ثلاث هدايا، كلها ساعات يابانية، واحدة من جمعية أسامة وحيد الفلكلورية، والثانية، من سكرتيرة المديرية، بمناسبة عيد ميلاده، والثالثة من مجموعة من الشعراء الشباب، يعتزمون الانشقاق، على اتحاد الكتاب، وإنشاء رابطة خاصة بهم. * * انخفضت تكلفة هاتف المديرية، منذ تعيينه بنسبة سبعة وثمانين بالمائة. * * لا يستعمل السيارة الوظيفية إلا في الأغراض المخصصة لها. * * غامض. الوصول إلى أعماقه مستحيل. وهذا عكس ما يبدي. لا يتحرج من السهر مع زملائه، عند كبار الموردين والمصدرين والمقاولين، ولكن لم يلحظ عليه، أنه يتناول الكحول. مع أن قمامة منزله، تحتوي باستمرار، على قناني الفودكا. * * تغير لباسه بسرعة خارقة، فمنذ تنصيبه، لم ينزع ربطة العنق، ولم يظهر أثناء العمل، في غير الهيئة الرسمية. * * يتحفظ كثيرا، عندما يأتي الحديث، عن الحركة الإسلامية. ولو أنه فاه مرة، وكأنما تعمد ذلك بقوله: من يزرع يحصد، وما أصابتكم من مصيبة إلا بما كسبت أيديكم. * * الخلاصة أن السيد معطار حمدان، بن الصادق، بن معطار سكينة، شخص لا يمكن وصفه، لا بالواضح ولا بالغامض، لا بالخطير، ولا بالعادي. ولو أنه تأقلم بصورة عجيبة، مع وظيفة المدير. * * ولكنه شيوعي، لئيم.