كلفوه بالثقافة، السيد الكبير، يريد الفلكلور، وليس سوى الفلكلور باعتباره ثقافة الثورة، كما يقول. * * إنني لا أرى لي عملا لا في هذه الولاية ولا في غيرها. * وسي زينو لانترنات، ليس في يده ما يمنحه، سوى تطميع الطماعين، وإغراء الضعفاء، وتخويف، الآثمين. وهو لا يريد الشيء الكثير، يريد فقط، أن يكون واحدا من الرسميين، حتى يعطي شرعية لنفسه، كما كل المسؤولين... * سي زينو لانترنات، هو المثقف الوحيد، في هذه الولاية، ذلك أنه يفهم ما يمارس الآخرون من ثقافة. ويحرك الأمور، تبعا لحاجة الناس. * ثقافة الفساد العام. * لقد استوعب الدروس المقدمة في المساجد، والمنددة، بثقافة النظام. بل، والمحذرة للنظام من العاصفة القادمة. * طال الصمت بين الرجلين، وراح مدير الاستعلامات، يقلب فنجان القهوة المستنفذ، بين إصبعيه، ويقرأ الكتابة التي يحتويها، قعره: صنع في الصين. * أخيرا قال مدير الثقافة: * زيارة ميمونة. * أنت عالم بالوضعية المستجدة. * تريد الصراحة؟ أنا جد مسرور لما تسميه وضعية مستجدة، فهي في الحقيقة، قديمة، لكنها تظهر من حين لآخر، كلما ضاقت حلبة اللعب.. لا أدري ما إذا كان يبلغكم ما يقال في المساجد، وهل تقدرون خطورته.؟ * ابتسم مستدركا: * مثلما يبلغكم ما يجري في البارات والخمارات من أحوال الشيوعيين؟؟ * هأأ هأأأ * الناس يُقسمون جماعات وأفرادا، على أنه لا ميثاق لا دستور. وعلى، أن الحل الوحيد، هو الإلقاء بالنظام، وبرموزه، بكل النظام، بكل الرموز، المادية والمعنوية، في الجحيم. * في كل ساحة من ساحات الوطن، مهرجان، يبث فيه الخطباء مشروعهم، مهددين متوعدين، ولا يحركنا، لا يحرك ممثلي النظام، سوى اكتشاف شيوعي مندس في الصفوف. * إن دم مجيب الرحمان يلطخ كل أيدي العرب والمسلمين، وإن هامته، ترفرف على كل قصر في ديار الإسلام. وتطل من كل نافذة تئن: * يا قاتل الروح وين تروح؟؟ * ستظل هامة مجيب الرحمان، وهامات كل الرفاق الأفغان والروس الذين قتلهم الأمريكان بأيديكم، بزعم أنكم تقاومون الكفر والإلحاد، تئن وهي ترفرف علينا: * يا قاتل الروح وين تروح. * وسيظهر من خلف كل هامة، طالبان، يسوي الأرض ليرفع أساسا جديدا، مرعبا. * الناس في المساجد يستبشرون بما يصلهم من أخبار الحركة المسلحة. * سي زينو لانترنات، يعرف موضع دبرة النظام ويدرك، مدى حساسيتها. * ربما دفع إلى ذلك..؟ * لا أعتقد، أصحابنا، يتعاملون بالجملة الآن، ولا يهمهم هذا الشخص أو ذاك. زيارة ميمونة. * أريد أن آخذك للسيد الكبير، لنسهل عليه، إدراك الأمر على كافة أوجهه. المسؤول في حاجة دائما وأبدا إلى مساعدته على الكر والفر. * والله. أقول لك. أصارحك. أفكر في حزم حقائبي، ومغادرة المنطقة، ولربما الوطن كله. لا أجد رأس الخيط من ذيله، في مهمتي هذه. سأعطيك نسخة من دراسة أعددتها، منذ مدة، كنت أنوي نشرها في الصحافة الوطنية، وأستقيل. ستكتشف من خلالها، عمق المأساة، والنفق المظلم الذي نحن بصدد ولوجه. * مع ذلك، نذهب للسيد الكبير لتضعه في الصورة عن دار الثقافة المزعومة. * أقول لك الصح. أفكر في سحب مقرر طرد سي زينو لانترنات. * هأأأ هأأأ إنه الآن في الاستنطاق. * ألا ترى أن الناس سيشعرون باليتم في غيابه؟ يروي أحد المتصوفين، لا أذكر اسمه، ولربما يكون العطار أو ابن الرومي، أن غلاما هنديا، قتل أمه، لما اكتشف أنها زنت، فسئل، لماذا أيها الشجاع الشهم، لم تقتل من زنت معه؟ فأجابهم ببرودة: * يكون عليّ حينها أن أقتل جميع الخلق. * البلد كله، سي زينو لانترنات، يا حضرة مدير الاستعلامات العامة. * أعلم ذلك، جيدا. هيا. صاحبنا من العاصمة هو الذي كلفني. * أفهمت بحراوية جدتها، بأنها ستبقى بالمنزل بعض أيام، وأن ذلك بسبب غضب المدير الجديد، عليها، دون أن ترتكب ما يوجب ذلك، فزينو نات، هو الذي خلق كعادته المشكل. * هل عينوا لكم مديرا جديدا؟ * لا. هذه هي العادة، نظل ننعت المدير الجديد، بالجديد، حتى يتغير. * والله يا نانة هذا المدير، لم نر منه شرا، ولو أنه حرم علينا استعمال الهاتف، ويحاسبنا على كل ورقة، بيضاء، كما حرم علينا، استعمال نات، وكذلك ألعاب الفيديو. * ما عدا ذلك، رجل محترم، وطيب، يسلم علينا واحدا واحدا، ويسأل عن أحوال كل واحد، فردا فردا، وكثيرا ما يقوم بكتابة الرسائل بنفسه، والحق أنني تعلمت منه الشيء الكثير. * لا أفهم الكثير مما تقولين يا بحراوية؟ * أنا في حكم بين بين. قد يطردونني نهائيا من الشغل، وقد يعيدونني. المؤكد أن منصبي سيتغير. قرأت ذلك في عينيه، وهو يأمرني بالقعود في البيت. * نزور سيدي فلوس، ونسأل الشيخ، عما يمكن أن يفعل. استعدي يا طفلة. الأمر جاد لا يمكن السكوت عنه. * قالت بصرامة... سكتت قليلا، ثم، وكأنما تذكرت أمرا مهما، راحت تسأل: * وسي زينو ما ذا قال لك. * كانت العجوز، تثق الثقة العمياء في سي زينو نات، فالخير الذي، ينعمون فيه، إنما يجيء على يده، ولولاه، لكانت هي وحفيدتها، تتسولان في شوارع المدينة، أو يقمن بما لا يرضاه الله. * لقد شغل البنت في الإدارة معه. علمها أمورا كثيرة، كما تقول، ويأخذها معه للحفلات، حيث يستعينون بها كراقصة بارعة. وكفتاة جميلة، لا تتمنع كثيرا عما يطلبها منها سي زينو نات. * المدير الفلاني، يود أن تقضي معه الليلة. تسأله، وحده. يجيبها ربما يسهر معه، بعض مسؤولين كبار. * تقوم بواجبها أحسن قيام، تطلق شعرها الأسود، تتزين، تتعطر، ترتدي جلبابها الأحمر، الذي يعطي فرصة أكثر لصدرها وذراعيها كي يتلألؤوا، كما قال لها شاعر مدير، جن بها، فبات يحاول نظم قصيد في جمالها، بينما هي، تتقلب في السرير منتظرة. * المزية الكبرى لبحراوية، يقول سي زينو نات، هي برودتها الجنسية، فبقدر ما تستغني هي عن الرجل، يظن هو أنها تتمنع عنه، فيرق لها، ويتعلق بها أكثر. * يمكن أن تقرأ بحراوية فصلا طويلا في كتاب، قبل أن تدرك، أن أحدهم يطويها بين فخذيه. * عندما يشتكي له صاحبه، يجيبه، بأن بحراوية أميرة الأميرات. لا يستثيرها إلا ملك الملوك. * يخجل المسكين من نفسه، ويستشعر ذنبا ربما أتاه ويغير مجرى الحديث. * وقفت عند صورة والدتها. تنهدت. سألت جدتها كعادتها، ترى أين تكون، يا نانة؟ * العالم ربي يا بنتي. * من يقول ماتت. * من يقول اختفت تستر وجهها المشوه بالأسيد. * من يقول تزوجت في الحرام. * من يقول خطفها أولاد الحرام وهي محتجزة في مرسيليا. * من يقول، إن أباك، اتقدت الجمرة القديمة في قلبه، فاختطفها، ووضعها في قصر، عليه سبعة حراس. * منذ استهدفت في ركبتها اختفت. * والعالم ربي. * على كل حال، الناس تقول، الحي يروح يا ابنتي. فكري في نفسك. وماذا سيكون عليه حالك بعد رحيلي. * بعيد الشر يا نانة. حجرة في فم الشيطان. * أخذت العجوز قنينة عطر، من تلك التي تهدى لبحراوية، ومبلغا من المال، وقصدت بحفيدتها مقام سيدي فلوس. حيث يربض شيخ، يقال إنه أخذ على اليهود سر النفث في العقد، وفك الطلاسم، واستحضار الجن والعفاريت، ويضرب خط الرمل.