لامس نهاية الأسبوع الأخير سعر النفط في بورصة نايمكس عتبة 136 دولار للبرميل، في سابقة تاريخية، متجاوزا بذلك سعر نفس الفترة من العام المنصرم بنسبة 120٪، وهذا يعني أن 200 دولار لا يعد سعرا مستبعدا خلال فصل الشتاء القادم، حيث يزيد الطلب على وقود التدفئة، أما السؤال الذي يطرح نفسه فيتعلق باحتمالات تجاوز السعر سقف 200 دولار؟ وكيف تتصرف الدول المستهلكة ازاء الوضع الطاقوي الجديد؟ وماذا يعني ذلك للدول المنتجة ومنها الجزائر التي تترأس حاليا منظمة الأوبيك؟ * * تكهنات لم تصب الهدف * في عددها (9 أكتوبر 2006) نشرت مجلة "نيوزويك" في طبعتها الانجليزية مقالة للمتخصص في شؤون الطاقة "ليوناردو موڤيري" تنبأ فيها باستمرار تراجع أسعار النفط بمناسبة ما وقع بين صائفة ونهاية 2006 حيث تراجع السعر من 75 دولارا الى 60 دولارا. وكانت "نيوزويك" من خلال هذه المقالة سمت النمو الصيني بالخرافة ولم تصب تكهنات صاحب المقالة هدفها وقفزت الأسعار على النحو التالي: * * سبتمبر 2006: 60 دولارا * أكتوبر 2007: 92 دولارا * ديسمبر2007: 99 دولارا * فيفري 2008: 103 دولار * مارس 2008: 110 دولار * 22 ماي 2008: 135.09 دولار * * ويعود اخفاق التحليل الذي نشرته المجلة الأمريكية الشهيرة الى أنه اعتمد على متغير وحيد هو الطلب على النفط في السوق الدولية، في حين أن الاتجاه الجديد للأسعار تجاوز آليات العرض والطلب الى عوامل أخرى أهمها على الاطلاق تحول الشركات الرأسمالية الكبرى من المضاربة على العقار والدولار الى المضاربة على النفط والذهب... سلوك يؤرخ لمرحلة جديدة من البحث عن الثروة ويدفع بالأمم الى التساؤل عن النتائج المتوقعة لذلك؟ * * لعبة اقتصادية اسمها المضاربة * * عندما أعلنت السوق العقارية في أمريكا ومنها الى أوربا وآسيا عن أزمتها التي عرفت بأزمة "الرهن العقاري" اتجهت الاستثمارات الكبرى في العالم أواخر العام 2007 الى كل من الذهب والنفط، فقفز سعر الأونصة (الأونصة من الذهب تعادل 31.10 غرام) من المعدن الثمين الى رقم قياسي تاريخي لامس الألف دولار قبل أن يتراجع قليلا الى 996 دولار، وفي نفس الوقت دخل النفط في موجة من الارتفاعات المستمرة مدعومة بعوامل عدة أهمها على الاطلاق: * * التقرير الأمريكي الأخير عن اتجاهات الطاقة في العالم والذي خلص الى أفول عهد النفط بسبب تراجع الاحتياطي العالمي من الذهب الأسود، وهو ما أكده تقرير أخير للشركة البريطانية "بريتيش بتروليوم" الذي أكد تراجع الاحتياطي العالمي المؤكد من النفط من 1209 مليار برميل نهاية 2005 الى 1208 مليار برميل نهاية 2006 بتراجع قدره مليار برميل خلال سنة. * * تحول جزء كبير من الفوائض الناجمة عن ارتفاع أسعار النفط الى الاستثمار في المضاربة، ومن ذلك التخزين الاستراتيجي، ما حول الشركات النفطية الى دول حقيقية شديدة الطلب على الذهب الأسود. * * سياسة امريكا المعروفة بالدولار الضعيف، ما دفع كبار المستثمرين الى التخلص من الورقة الخضراء لصالح الطلب على الذهب والنفط. * * سياسة الدول المنتجة -لحد الآن- في الحفاظ على المستوى الحالي من انتاج النفط عند حدود 26.5 مليون برميل يومي ايمانا منها بكفاية المعروض. * * النتائج على المدى القصير * * * حل مؤخرا بالعاصمة السعودية "الرياض" الرئيس الأمريكي جورج بوش في زيارة مفاجئة ربطها عدد من المراقبين بأوضاع السوق النفطية، خاصة وأنها تزامنت مع اجتماع طارئ لمجلس الشيوخ الأمريكي طرحت فيه مسألة زيادة انتاج أوبيك بمليون برميل يومي للحد من زيادة الأسعار. وربما ستدرس المنظمة هذا الاقتراح في اجتماعها القادم وقد تتفق على ذلك فعلا، لأن تجاوز سعر النفط 200 دولار للبرميل سيؤدي الى نتائج حاسمة في مستقبل السلوك الطاقوي للدول المصنعة، وبالتالي سيحسم في المستقبل الاقتصادي للدول المنتجة التي تشكو من تبعيتها للذهب الأسود. * وهكذا وعندما تتساوى التكلفة الحدية لاستهلاك الطاقة الأحفورية مع التكلفة الحدية لاستهلاك بدائل الطاقة والتكلفة الحدية للاستثمار في البحث العلمي المتخصص في تطوير تلك البدائل فستتجه الدول الكبرى الى تكريس سلوك جديد لشعوبها يقوم على الاستغناء تدريجيا عن النفط. * في هذه الحالة ستربح الدول المنتجة كثيرا في المدى القصير وستحقق طفرة حقيقية غير مسبوقة تاريخيا، ولكنها ستخسر كل شيء على المدى البعيد وربما تعود الى مستوى الثمانينيات حيث كان السعر مجاورا عتبة 20 دولارا للبرميل (مع الفارق في القيمة بالأسعار الثابتة). * * القلق المتزايد * * * يسود الأوساط الدولية المهتمة بشؤون التنمية وكذا الهيئات الأممية قلق متزايد جراء تزايد كلفة الطاقة في العالم المصنع. وبالفعل فسرعان ما انعكست تلك الكلفة العالية على دافعي الضرائب في الشمال وعلى مستوردي الغذاء والدواء في الجنوب. فقد تحملت ميزانيات الدول أعباء جديدة وسيكشف قانون مالية العام 2009 في الجزائر عن حجم الدعم الذي على الدولة تقديمه للأسر للحد من تأثير الغلاء. أما تلك الدول التي لا مصادر مالية مهمة لها فستدخل في صراعات جديدة حول لقمة العيش، وقد بدأت فعلا مؤشرات ذلك ومنها ما يحدث في جنوب إفريقيا أول دولة منتجة للذهب في العالم، دولة بلغ بها الفقر حدا جعل من الأجانب في نظر المواطنين منافسين مهمين على فرص الحياة. * نعم، قد يلامس النفط سعر 200 دولار للبرميل، وقد يتجاوزه في الأفق المنظور، ولكن بكل تأكيد سيكون ذلك مؤشرا خطيرا على تحول عالمي في الطلب على الطاقة من النفط الى البدائل التي لا نملك منها شيئا نصدره.