لقد اعتادت تركيا المعاصرة على تدخل الجيش كلما انزلقت الأمور إلى غير ما تريد المؤسسة العسكرية حامية النظام العلماني الأتاتوركي في البلاد.. ولقد نفذ الجيش ثلاثة انقلابات حاسمة تخلل بعضها إراقة دماء وشنق قادة سياسيين كبار في مطلع الستينات، حيث تم إعدام رئيس الحكومة عدنان مندرايس وأعوانه من الوزراء عقب انقلاب عسكري.. * الآن يبدو أن الأمور تختلف حيث تلاحق أجهزة القضاء التركي قادة عسكريين كبار بتهمة التخطيط لانقلاب على حكومة العدالة والتمنية التركية التي تسيطر على البرلمان، وفي هذا الصدد تم استدعاء قائد البحرية وقائد الجوية وقائد البرية وخلال عشر ساعات تم استجوابهم في مبنى القضاء العام من قبل عدد من المدّعين والمحققين، في حين كانت مجموعات من المواطنين خارج المقر ترفع شعارات تدين تدخل العسكر وتطالب بتكريس الحياة المدنية والدستورية بعيدا عن تدخل العسكرتاريا. * في تركيا تكون الرسالة قد وصلت واضحة للجيش التركي إنك لست وحدك المعني بحماية البلاد فلئن وكلت بحماية حدودها فإن لإدارة شؤونها فنون أخرى كثيرة لست إلا واحدا من جملتها.. وإنه لم يعد مسموحا بعد الآن أن تتحوّل كل المؤسسة التركية إلى رهينة بيد الجيش.. * لم تستطع حكومة العدالة والتمنية القيام بمثل هذه الخطوات الحاسمة إلا بعد أن سجلت انتصارات ونجاحات على أكثر من صعيد، لاسيما الصعيد الاقتصادي بشقيه التجاري والإنتاجي مدعوما بنشاط سياحي غامر، الأمر الذي رفع من مستوى التنمية ووفرّ مخزونا ماليا للبلاد، استثمرته في العديد من المشاريع التي أهلتها لدخول المجال الحيوي الإقليمي بفاعلية ..هذا فضلا عن سياسة إقليمية ودولية نهجتها حكومة العدالة والتنمية منحت تركيا دورا متميزا بعد أن كاد العسكر يغلقونها على نفسها كما تغلق الثكنات العسكرية. * تتحرك حكومة العدالة والتنمية لتجريد الجيش من صلاحياته السياسية وهي مصحوبة بما أنجزته على الأرض، وكذلك بموافقة أوروبية دفعت إلى التخلص من هيمنة الجيش التركي، وهنا الأسئلة تشرع من جديد ..ما مصلحة الأمريكان والأوربيين في تقليم أظافر الجيش التركي؟ إن هذا سؤال مهم كبير..!! وكذلك يتوّلد من هذا السؤال سؤال آخر : لماذا استغنى الأروبيون عن خدمات الجيش التركي؟ ماهي الخطة التي يراد تنفيذها في غياب الجيش التركي؟ * هل هو انقلاب مدني على المؤسسة العسكرية أم أنه انقلاب على أوضاع برمتها والتهيئة لخريطة سياسية جديدة في الإقليم على أشلاءالجيش التركي؟ هل هو السم في الدسم يقدم للأتراك ؟ * صحيح أن الجيش التركي هو حامي العلمانية الأتاتوركية في تركيا لكن الجيش التركي هو من حمى وحدة تركيا وهزم جيوش ست دول أوروبية وحافظ على الاستقرار في تركيا فإلى أين تتجه تركيا القادمة نخشى أن تكون حسابات العدالة والتنمية دون مستوى الحسابات الاستراتيجية فتضيع تركيا بعد أن يضيع جيشها.