كشف التقرير السري لإدارة أمن النقل بالولاياتالمتحدةالأمريكية، الذي أدرج الجزائر ضمن "القائمة السوداء" للدول المعنية بإخضاع رعاياها للتدقيق والفحص الإضافي، أن واشنطن تعتمد ازدواجية الخطاب تجاه الجزائر... * ففي الوقت الذي تثني فيه على إستراتيجية الجزائر وتمكنها من القضاء على الإرهاب والوقوف في وجهه، تضعها في قائمة الدول المصدرة للإرهاب، هذا تناقض و"خرجة" أمريكية أغضبت السلطات الجزائرية، وجعلت مراد مدلسي يخرج من "جحره" الذي لا يخرج منه إلا نادرا ليتفاعل مع الأحداث الدولية التي تنعكس على الساحة الوطنية. * الخارجية الجزائرية استدعت السفير الأمريكي بالجزائر دافيد بيرس ليبلغه مراد مدلسي "استياء الجزائر الشديد"، وذلك بعد أن استنفدت الدبلوماسية الجزائرية عبر سفارتها بواشنطن مساعي البحث عن حلول لهذا التصنيف الذي لم يرض الجزائر دون إثارة ضجة إعلامية أو إعلان هذه المساعي التي فوض عبد الله بعلي مهمة إجرائها قبل أن تُحبط هذه المساعي وتُمنى بالفشل، هذا الفشل يؤكد أن الإدارة الأمريكية مقتنعة جدا بإدراج الجزائر ضمن قائمة الدول المصدرة للإرهاب، وقرارها لا رجعة فيه مهما كان حجم الانتقادات الموجهة لجهاز "السكانير" الجديد صحيا أو أخلاقيا من قبل الدول المعنية بإخضاع رعاياها للتفتيش الدقيق. * القرار الأمريكي الذي صنف كسري للغاية قبل أن تكشفه جهات إعلامية، وتتناقله وسائل الإعلام في مختلف دول العالم كشف وجهة نظر الولاياتالمتحدةالأمريكية ورأيها في الجزائر، وهي وجهة النظر التي تبدو مختلفة تماما عن محتوى الخطابات الرسمية والرسائل الدبلوماسية التي وصلت الجزائر في العديد من المناسبات، والتي لم تخل من الإطراء عن الإستراتيجية الجزائرية في مكافحة الإرهاب، وتمكنها من القضاء على الظاهرة التي أصبحت تهدد العالم أجمع، لكن الظاهرة مازالت على ما يبدو في العين الأمريكية آتية من 12 دولة فقط، وإن كانت الأوضاع الأمنية لبعض هذه الدول المدرجة في القائمة السوداء أحسن وأفضل حالا من الأوضاع في بعض الدول التي لم تدرج ضمن هذه القائمة. * ازدواجية الخطاب الأمريكي تجاه الجزائر يفتح الباب للتساؤل عن مغزى الزيارة التي قام بها وزير الخارجية مراد مدلسي لأمريكا تلبية لدعوة نظيرته هيلاري كلينتون، كما يفرض هذا القرار المهين تقييم زيارة مدلسي ووضعها تحت المجهر، فهل يجوز الحديث عن تعاون اقتصادي بين طرفين لا يؤمن أحدهما باستتباب الأمن في دولة الطرف الآخر؟ وهل يجوز أن تتقدم شركات أمريكية للمشاركة في مناقصات وافتكاك مشاريع جزائرية وهي التي تعتقد أن الجزائر دولة غير آمنة؟ وهل حصلت الشركات الأمريكية المتواجدة منذ سنوات بحاسي مسعود وغيرها من المواقع الإستراتيجية في الجزائر على ترخيص سلطات بلادها حتى تعيش في أرض غير آمنة ومصدرة للإرهاب؟ وهل يجوز أن نفرض على رعايا دولة نعتبرها شريكة في المحاربة على الإرهاب إجراءات تضع رعايا هذه الدولة في دائرة الإتهام بالإرهاب؟ * علامات الاستفهام هذه، وتعثر المساعي الجزائرية للإطاحة بقرار أمريكا والعمل على مراجعته قبل استدعاء السفير الأمريكي كآخر وسيلة لاستنكار القرار، تقودنا إلى نتيجة واحدة مفادها أن أمريكا تنظر إلى الجزائر على أنها دولة مصدرة للإرهاب، غير أنه لا مانع ولا ضرر لأن تقتطع "حصتها" من طورطة الامتيازات والتسهيلات للاستفادة من الاستثمار في سوق عذراء كالجزائر والإستفادة من أموال الجزائر حتى ولو كانت تنظر إليها على أنها دولة مصدرة للإرهاب.