* الفقر السياسي.. مصطلح غريب، غير متعارف عليه في أبجاديات الحراك السياسي، قد يكثر تداوله في المجال الاقتصادي ومسائل التنمية، والحقيقة يمكن إسقاط المصطلح على حياتنا السياسية التي أصباها فقرا سياسيا مدقع، فقد تحتاج لتنمية حقيقية، ولتشخيص سبب وصولنا لهذه المراحل من التعفن والتخلف، يجب الرجوع للأسباب، والبواعث... بداية أحزابنا بدل ما تشمر وتخدم على روحها تنتظر التعيينات، أو موائد سليمان لعلها تعوض ما أفقدته فى الشارع من حسها النضالي، بالمعانين وما أكثرهم فى خريطاتنا السياسية فوصل هذا الفقر السياسي إلى تحرك أحزابنا، ومجتمع مدني ليس دفاعا عن أفكار أو اقتراح لبرامج، أو تقديم لبرامج بديلة، بقدر ما كان يحركها هواجس التعيينات المرتقبة في مجلس من المجالس، أو وزارة من الوزارات، وذلك نوع من الرشوة السياسية التي كانت وراء هذا الفقر السياسي، وانحطاط العمل الحزبي.. * الفقر السياسي كان وراء اختفاء العديد من أحزاب المعارضة، فأصبحت المعارضة الحقيقية غير موجودة أصلا، وإن كانت فهي ظرفية، أو مجرد ديكور، أو لون لملء المساحة لا غير، وإن تحركت فتحركها عديم الجدوى، كما أنه من غرائب الحياة السياسية في الجزائر، وكانت دافعا قويا لظهور هذا الفقر!!! أن بعض الأحزاب رجلها في المعارضة ورجلها الآخر في السلطة، فقد أصابها الاتخام السلطوي، مع الأمل في استرجاع بريقها النظالي، وتلك أمنية إبليس بدخول الجنة!!!.. فالهوية الحزبية والمنطلقات الفكرية مسحت في الذاكرة الصلبة للعديد من الاحزاب، كانت عاملا لانسداد الحياة الحزبية، مع تراجع النخب، وتفشي ظاهرة التزوير، والتدليس، ولا مبالاة الجماهير ساعدت في إرساء وتفشي الظاهرة!! * ومن عجائب الفقر السياسي فكر المشيخة أو نمط التفكير الحزبي المبني على "لا ترون إلا ما أرى" السائد في الخريطة السياسية، بعيدا عن كل عمل مؤساستي جاد، بحكم الملهم وو .. فمنذ إرساء ديمقراطية الواجهة سنة 1988، بعض الوجوه ما زالت على رأس أحزابها، وذلك مؤشر على ضعف التجربة الحزبية، وانعدام آليات التداول داخل الأحزاب بذاتها، وضعف التركيبة القيادية، فحتى قوة الاقتراح الحزبي لدى مشاركتها في العديد من هياكل الدولة معدومة، أو غير موجودة، أو محدودة أصلا. فالمشاركة أصبحت مقرونة بالمكارشة وتقاسم الريع السلطوي، فكم من اقتراح تشريعي حزبي لا يوجد، وكم من مبادرة حزبية فضلت ركوب الموجة، وعدم معاكسة الرياح، بحجة البرغماتية ومصالح الدعوة، والتوازنات، متخلية عن عباءتها الحزبية ومنطلقاتها الفكرية بعيدا عن كل همها، ورزانة وعزة..!! * الفقر السياسي أحجب على العديد من الأحزاب، أن تساهم كقوة ابتكار، أو اقتراح، ويمكن إرجاع ذلك للمنظومة التشريعية الحالية التي تساعد على تهجين الحياة الحزبية، فكم من حزب غير موجود لا على الواقع ولا على مستوى الأفراد، وإن سألت العديد من الأفراد قد يستغربون بوجده أصلا.. فوجوده الوحيد من خلال ورقة الاعتماد، أو الخدمات التي يؤديها!!.. لمواجهة هذه الظاهرة بعض الأنظمة المقارنة في العالم العربي أنشأت وزارة سمتها وزارة التنمية السياسية؛ ولكن بدون جدوى لانعدام عنصر الثقة، والإيمان بالخيارات من ديمقراطية، وتداول على السلطة، وتقبل الآخر.. * وأخيرا الفقر السياسي أدى إلى مرض قصور النظر في العديد من القضايا، فلا حزب العمال في أضراب العمال بالروبية وعناية!!، ولا الإسلاميون في تدنيس أحد أبعاد الشخصية الجزائرية!!، ولا الوطنيون في الاستفزازات التي تأتي ما وراء البحار!!... ولا خريطة سياسية يمكن تصنيف على ضوئها أحزابنا؛ فأصبح العمل السياسي في الجزائر، على واقع (البوليتيك) أكثر من السياسة بأصولها.