مؤخرا كثرت الاحتجاجات غير السليمة من خلال اللجوء للتكسير والعنف... وقد تصل حتى العنف الجسدي. فالمنطق العملي أن مصير مقابلة... أو مشاحنات رياضية... قد لا تؤدي بالضرورة لأيام عديدة من الاحتجاج العنيف مما يكلف الميزانية العديد من المليارات. * * ولكن هذه الظاهرة إن كانت محصورة في ولاية وحيدة... فالأمر قد يكون مفهوما...؟؟؟ * وللاستقراء، هذه الظاهرة قد تدخل العديد من التحليلات الذاتية في محاولة تفسيرها. ولكن للأسف الشديد، قد يلاحظ أن عملية »الاحتجاج« توسعت رقعتها إلى العديد من المناطق شمالا وجنوبا... غربا وشرقا. وذلك حسب اعتقادي مؤشر على الحالة الاجتماعية والاقتصادية المزرية للغالبية العظمى من أفراد الشعب، فالجوع والفقر... لما يختلطان مع الحرمان الاجتماعي والإقصاء والتهميش قد يولدان هذا التعبير العنيف... ومما زاد »الطين بله« أنه في مرحلة من مراحل حياة الجزائر المعاصرة تم تعطيل الدور الإشعاعي والتثقيفي والتربوي للعديد من المؤسسات التربوية الرسمية منها والاجتماعية الأسرة مثلا فبتفاعل هذه الثوابت السلبية، نتج عنها تفاعل كيميائي غريب عن المجتمع الجزائري ومكوناته الحضارية... * والقراءة الثانية لهذه الأحداث... وهي القراءة السياسية، أن الأحزاب الرسمية والمعتمدة بعيدة كل البعد عن انشغالات المواطنين وكأنها تعيش في كوكب آخر، ضف إلى ذلك غلق مساحة العمل السياسي وافتقار النخبة لقيادة ناضجة تعيش هموم الأفراد أكثر من عيشها في الصالونات الملونة ومناطق الإقامة الرسمية، فهد »الانفصام« قد كان سببا آخر لهذه »النقمة« بجد تعبير أحد الأفراد... لذلك يجب التكفل الحقيقي والتدريجي بالأفراد... ليس على أساس استعراضي... ولكن على أساس موضوعي حقيقي بعيدا عن كل ديماغوجية أو ارتجالية...؟ فالاحتجاجات »المؤخرة« ما هي إلا جزر ممتدة ومناطق عاكسة للحقيقة المعيشية »المرة« للجزائريين. * كما أنه من خلال هذه الترددات الاجتماعية العنيفة توحي لنا أن »العنف« في جميع الأحوال لم يكن حلاّ لكل المشاكل العالقة، فسياسة »الكسر والقصعة والتجاذب« حلول خاطئة... كما إن سياسة الكل الأمني جواب خطأ... فمن حقك معارضة السلطة وتوجهاتها، ولكن من واجبك كذلك حماية الدولة، فالدولة ليست أشخاصا بقدر ما هي رمز للتضحيات والإنجازات التي شيّدت بمصاريف الضرائب، ومن خلال الخيرات الباطنية والظاهرة التي هي ملك للمجموعة الوطنية جمعاء بدون استثناء... فالمرافق الاجتماعية والثقافية والاقتصادية، في حالة حدوث أي خلل فيها وأثارها السلبية قد تدخلك في »دوامة« فارغة بتعطيل وظائفها المؤسسات المقدمة لأفراد الشعب بالدرجة الأول، فالمتضرر الأول هم الأفراد »والغالبة الصامتة«، كما إنه شهد أقصى »الجنوب« الجزائري فتنة بين طائفتين، ولعنة الله على من أيقظ الفتنة، نظرا لخطورتها وامتداداتها في التماسك الاجتماعي داخل الدولة، وما لم يستطع المستعمر الفرنسي القيام به... فقد قام به جيل ما بعد الاستقلال. * وحسب اعتقادي المتواضع، الإشكالية ليست على أساس مذهبي بقدر ما هي مبنية على أسس وقواعد العيش المشترك، بتغذية سلبية من البيئة المشحونة بالأزمات الاجتماعية، لذلك فالتفسير المذهبي غير وارد أو قائم بل هو »مطية« لدى البعض لتبرير فشلهم في المجالات الأخرى... والحقيقية لهذه الإشكالية أمام ما يحدث من »تشنج« اجتماعي والسياسات المركب في مواجهاتها وفشلها في احتوائها... فإنه أصبح من الحتمي التحرك السريع والجدي لمعالجة أسباب الأزمة بقدر ما يتم معالجة مظاهرها التي قد تختلف وتتنوع من مرحلة لأخرى... * وفي المقابل، فإن على الأفراد أن يميّزوا بين الدولة والسلطة، فالدولة هي في الأصل والمتعارف عليه دستوريا ملك لجميع أفراد الشعب. ومن ثم فالمجموعة الوطنية مطلوبة قانونيا ل»ترسيخ« و»تجذير« هذه القيم، بينما السلطة هي مجموعة من الأفراد... فأخطاؤهم في انتهاج سياسات معينة لا يجب إسقاطها بالضرورة على الدولة. وعليه اللجوء للعنف كوسيلة للتعبير وإيصال الصورة، والتعبير الانفعالي والعنيف في علم »النفس السياسي« هو دليل على تراكمات متواصلة لأزمات اجتماعية وشعبية لم تجد لها حلولا، كما هو دليل على »استقالة رسمية منتمية اجتماعية وسياسية حقيقية ليست مبنية على تنمية استعراضية بقدر ما تكون على أسس حقيقية... فقفة رمضان والتهريج الاجتماعي وقوافل التضامن كلها منشطات وليست التنمية المستدامة المرجوة«.