* كثُر الحديث وتردد عن نهاية ما يسمّى "تنظيم القاعدة في العالم"، كما ترددت أيضا مصطلحات مختلفة حول ما سيؤول له شأن هذه الظاهرة التي غزت العالم بجدلها وقلبت موازين القوى وأسقطت أنظمة بل كادت تبيد شعوبا بتداعياتها... البعض يقارن مآلها مع ما عرفته الشيوعية من انهيار بصفتها العدو الاشتراكي الذي كانت تحاربه أمريكا الرأسمالية، إن على المستوى الإيديولوجي أو على مستوى آخر أدى انهيار الاتحاد السوفياتي وتفتيته إلى دول بينها تلك التي تتناحر فيما بينها، وهذا بعد سنوات الحرب الباردة وحتى حرب الوكالة في أفغانستان. * لقد اختلفت التصورات حول نهاية القاعدة في العالم، فيوجد من قرن نهايتها بتفتيت امبراطورية العصر الولاياتالمتحدةالأمريكية ويوجد من أضاف لها الكيان الصهيوني الذي لا يمكن فصله عن أمريكا بالمرّة، ويوجد أيضا من فتش في المحتوى الإيديولوجي للقاعدة وارتباطها بالإسلام والنصوص الجهادية التي يحفل بها القرآن الكريم والسنة النبوية والتراث الديني، تصور محتمل من عقول أخرى يرى أنه لا يمكن للإرهاب أن ينتهي إلا بنهاية الإسلام السياسي الذي جاء كرد فعل على جبروت الأنظمة الإسلامية وتسلط الغرب المسيحي وهمجيته. * في ظل حمّى التفكير والتحليلات يذهب آخرون إلى جعل الإرهاب قضية البشرية ولا يقترن أساسا بالإسلام فقط بل يوجد إرهاب مسيحي وآخر يهودي وآخر هندوسي وآخر بوذي... الخ، ولكن تبقى منطلقات البداية مشتبه فيها وحيثيات النهاية يلفها الغموض والتناقض في بعض الأحيان. قد يرانا البعض نبالغ في حديثنا عن النهاية والقاعدة حطت رحالها أمريكيا في اليمن وصنعت الحدث وأعادت للواجهة »الإرهاب العالمي« بمجرد محاولة فاشلة من الشاب النيجيري عمر الفاروق عبدالمطلب الذي أراد تفجير طائرة أمريكية فوق مدينة ديترويت في 25 ديسمبر 2009، وهذا يعني هو ميلاد آخر لهذا التنظيم وبقوة، خاصة أنه استطاع اختراق الجدار الأمني الأمريكي بتمدده الزئبقي المخيف، وطبعا يبقى الحديث وفق رواية مروج لها غربيا، أما الحقيقة فهي غائبة ستتضح ملامحها بعدما تظهر للعلن الاستراتيجية المعدة مسبقا لليمن وحتى نيجيريا الغنية بالنفط، أو القرن الإفريقي الذي يظهر أنه عزز »الجهاديون« وجودهم فيه. ولكن نحن نتحدث عن نهاية تنظيم وليس نهاية العقيدة الجهادية المرتبطة بأمور كثيرة بينها الاحتلال الأجنبي الذي لايزال يقبع في العراق وفلسطين وحتى في دول أخرى بأشكال مختلفة مرة بقواعد عسكرية وأخرى بنفوذ استخباري عنيف. * الغرب نفسه لا يريد أن تغدو الحركات المسلحة والمحاربة له خارج أرضه مقاومة، بل يجب أن تبقى في إطارها المرفوض من كل الطبقات وهو الإرهاب، ولن يكون شأن المقاومة مرعبا ويجعل الكل يتحرك عسكريا وسياسيا واقتصاديا ضدها إلا بظهوره على حساب المقاومات المشروعة في القانون الدولي والحس البشري، فيكفي أنه لا أحد تحرك لمساعدة اليمن الذي كان يرضخ تحت حرب أهلية منذ أربع سنوات، وعندما تعلق الأمر بالقاعدة فقد فتحت السماء خيراتها وبركاتها على هذا البلد وستهطل بالملايير والسبب طبعا ما ذكرناه لما رافقه مهماز أمريكي. فظهور القاعدة على حساب المقاومات الشرعية هو في حد ذاته أحد أهم الأسباب التي ستعجل النهاية في الواقع حتى وإن بقيت تصنع الحدث الإعلامي الذي يقف وراءه لوبي غربي وصهيوني يسيطر على هذا القطاع الخطير والحساس ويسيره وفق ما يخدم مصالحهم. فأهداف هذه الجماعات تختلف مع أهداف المقاومات حتى وإن راحت تستغلها بطريقة تبرر بها استمرارها وتكسب الدعم والأنصار الجدد. وحتى المطبّلون لقوة التنظيم هم من الناقمين على المشروع الأمريكي الإحتلالي والإحلالي في المنطقة، ويريدون إثبات عجز البيت الأبيض وفساد شعارات أطلقتها إدارته من قبل حول القضاء على طالبان والقاعدة في ظرف قياسي غداة غزوها لأفغانستان في أكتوبر 2001 وحتى في إطار تجفيف المنابع لما غزت العراق في مارس 2003. * نعود لشأن القاعدة التي نحن بصدد الحديث والبحث في منحنيات أغوارها وتقصي مشاهد النهاية المحتملة التي تترصدها في كل لحظة، لأن كل ظاهرة بدأت لابد لها من نهاية مهما طال عمرها، فقد سقطت إمبراطوريات وتهاوت قوى عظمى وتلاشت ملل ونحل وغربت عن الوجود تيارات وحركات كانت تتحكم في دوران الأرض. والموضوع بلا شك شائك ومعقد ويحتاج إلى مؤلفات وليس إلى صفحات محدودة، لذلك أردنا أن نخوض في غمار ما تسمى »القاعدة« في المنطقة المغاربية وبالضبط في الجزائر، حتى وإن كانت لنا تحفّظات مهمّة على هذه التسمية، إلا أننا سنسلم بها من باب ربط المفاهيم واستقصاء الحقائق ليس إلاّ. * تعددت التصورات والتخمينات حول نهاية الإرهاب في الجزائر، فقد سمعنا مصطلحات كثيرة ومختلفة منها »فلول الإرهاب«، »بقايا الإرهاب«، كما سمعنا أيضا أرقاما مختلفة ومتناقضة أحيانا عن تعداد العناصر المسلحة التي لاتزال تنشط تحت إمرة هذا التنظيم. فترى هل يوجد بالفعل تنظيم اسمه القاعدة في بلاد المغرب أم الأمر مجرد »ماركة مسجلة« تطرح للاستهلاك والدعاية الإعلامية؟ هل بالفعل هناك تواصل تنظيمي بين هذه الأجنحة المتناثرة هنا وهناك أم مجرد تواصل إيديولوجي بحت؟ إلى متى سيظل هذا التنظيم هو البعبع الذي يظهر ويتجلّى كل مرة في صورة تهز استقرار العالم، إما بهمجية أمريكية أو بهوان إسلامي عروبي؟ هل ستغدو الجزائر هي مقبرة القاعدة بعدما دفنت تيارات متشددة ودموية على ترابها خلال عشرية خلت؟ هل للنفط مفعوله الخاص في تمدد القاعدة وتجلياتها المفاجئة كل مرة بقطر عربي؟ لماذا تسبق أحداث أخرى مختلفة في أي بلد عربي تظهر فيه القاعدة؟... الأسئلة كثيرة ومختلفة ومشبوهة قد نجد لها جوابا في ثنايا هذا الملف الخطير. * لعنة النفط الإفريقي وأنياب الأفاعي * البترول الإفريقي يعتبر العمود الفقري لأمريكا المدمنة على النفط كما وصفها الرئيس جورج بوش الإبن، فهي تستورد 60٪ من حاجياتها النفطية من إفريقيا، وتشير بعض التقارير إلى ارتفاعها نحو ما يقارب 70٪ مع حلول عام 2025، وإن كان مجلس المعلومات الأمريكي القومي توقّع أن ترتفع واردات النفط من غرب إفريقيا إلى 25٪ بحلول 2015، مع العلم أن نيجيريا تمد أمريكا بحوالي خمس احتياجاتها النفطية، بل ان ما تستورده أمريكا من دول مثل غينيا والغابون ونيجيريا يعادل ما تستورده من مجموع دول الشرق الأوسط. حتى الرئيس الأسبق بوش ذهب إلى التأكيد على تحفيز التكنولوجيا، وذهب إلى حد الاعتراف بأن الواردات النفطية الأمريكية من الشرق الأوسط ستتجاوز 75٪ بحلول 2025 إن لم يتم توفير طاقة بديلة. * النفط الإفريقي له مميزات خاصة لجودته العالية ومميزاته الاستثنائية، وحسب التقرير الشهير حول مستقبل الطاقة في الولاياتالمتحدة الصادر عام 2001، أكد ديك تشيني نائب الرئيس وهو أحد كبار المستثمرين في النفط، وصاحب ملكية مجمع »هاليبورتن« والمتواجد من خلال شركاته الفرعية في القارة السمراء، بأن إفريقيا تتحوّل بشكل سريع إلى مصدر نفط وغاز للسوق الأمريكية، وأن النفط الإفريقي ذو جودة عالية ومما يجعله نموذجيا لمحطات التكرار بالقارة. لهذا صار إقبال الشركات البترولية عليه يتزايد بقوة، فنجد مثلا شركة »شيفرون تكساكو« التي كانت تديرها من قبل كونداليزا رايس (وزيرة الخارجية الأمريكية في إدارة جورج بوش)، إستثمرت حتى 2008 أكثر من 10 ملايير أورو في إفريقيا، وقدرت استثماراتها مع نهاية 2012 ما يقارب 20 مليار أورو... * إن كان تقرير تشيني قد عدّ نفط إفريقيا عالي الجودة، فإن والتر كاينستين، الذي كان مساعدا لوزير الخارجية للشؤون الإفريقية، قد صرح في 01 / 02 / 2001 بأن بترول إفريقيا تحول بالنسبة للإدارة الأمريكية إلى استراتيجية وطنية جذابة، ولهذا راحت الكثير من الجهات الرسمية والاستراتيجية ومراكز البحث إلى حثّ الإدارة الأمريكية على أن تجعل النفط الإفريقي من ضمن الأولويات السياسية الأمريكية، كما جاء في التقرير الصادر عن مركز "CSIS" في جوان 2005 والذي تناول الاستراتيجية الأمريكية في خليج غينيا. * وهذا لا يتحقق طبعا إلا بإقامة قواعد عسكرية، مما دفع مجلة (أليكسندر غاز أند وال كونكشيو) إلى نشر ما مفاده أن الإدارة الأمريكية شرعت في حماية مصالحها البترولية في إفريقيا، ومن دون أن تعطي صورة عن الطريقة المنتهجة من قبل إدارة البيت الأبيض، إلا أن المؤكد هو خلق تهديدات تفرض أجندتها على الكل، ولا يوجد أفضل من بعبع القاعدة في شمال إفريقيا. * وتشير بعض المصادر الأمنية إلى وجود ما يشبه التخطيط لأجل إنشاء تحالف سري يجمع »القاعدة« المغاربية مع تنظيم بوكوحرام أو ما يطلق عليه ب»طالبان نيجيريا« مما يوسع دائرة الترهيب المفضي للخضوع المطلق ويؤمّن مصالح أمريكا النفطية في إفريقيا...