.. وإن تم تسجيل حالات تسلل لمغاربة كانوا يقصدون معاقل درودكال إلا أنها حالات تعد على الأصابع، وفي أغلبها يتم الإعلان عليها من الجانب المغربي وترتبط بالهجرة السرية، مما يجعل فرضية التخويف للحد منها يدخل في أجندة هذه المطاردات... * فضلا عن أسباب الخلاف الجزائري المغربي القائم منذ سنوات طويلة الذي بلا شك سيغذي هذا الأمر، وكذا رهان الرباط على توريط الصحراويين في شبهات الإرهاب الدولي بأي طريقة كانت. ومن بين الاستثناءات نذكر اعتراف التنظيم نفسه في بيان بتاريخ 20 جانفي 2009 بمقتل المكنى أبو الحارث يوسف المغربي من طنجة والذي التحق بالجماعة مطلع 2005؛ أي قبل إعلان الظواهري. * كما يعني أن أطروحة عالمية التنظيم التي تنطلق من التصور المغاربي للجماعة السلفية قد أخفقت إخفاقا ذريعا، لأنها لم تصل إلى المبتغى الذي تم الرهان عليه ما بين باكستانوأفغانستان والعراق. حتى وإن حاولت إظهار بعض الوجوه من المغرب أو موريتانيا أو النيجر عبر الإنترنت فهو من باب محاولات الهروب للأمام من أجل إعطاء الصبغة الموسعة التي تشمل الشمال الإفريقي فقط. * إشكالية أخرى تضاف إلى التناقضات المطروحة، وتتعلق بعدد العناصر النشيطة في أدغال الجزائر، فإن كانت الجهات الرسمية لم تعط رقما قطعيا الثبوت والدلالة وظلت الأرقام المتناثرة عبر الصحف تتراوح ما بين 600 و800 عنصرا موزعين ما بين الجزائر وأوروبا، فتوجد مصادر خاصة أفادتنا من أن عدد المقاتلين المنضوين تحت لواء "القاعدة" في الجزائر في حدود 2000 عنصرا يتوزعون في الشمال والشرق والغرب والجنوب، بينهم ما يقارب 600 شخص يعملون بسرية وأغلبهم غير مطلوبين ولا معروفين بنشاطاتهم لدى المصالح الأمنية، هذا في الداخل أو الخارج. * أما النساء فعددهن في حدود 400 امرأة يتوزعن بين الجبال كزوجات أو مختطفات رضخن للأمر الواقع أو ممن يشتغلن في الدعم والإسناد، وتؤكد مصادر أمنية أن نسبة كبيرة من هن مومسات ممن يتلقين الأجور على الخدمات المقدمة لعناصر التنظيم كالإيواء والرصد والمراقبة والتموين وتسهيل نقل البريد وجمع المعلومات من خلال بعض عناصر يشتغلون في الأمن يترددون عليهن... الخ. وهي الطريقة التي استعملها أبو مصعب الزرقاوي في العراق أيضا. * الأطفال لا يتجاوز عددهم 50 طفلا ولدوا أغلبهم في الجبال بينهم من جاء عن طريق الزواج بالفاتحة وآخرون عن طريق علاقات الاغتصاب الجماعي، وتضطر الجماعة إلى أن ينسب الطفل إلى أحد منهم من باب الاحتراس والستر على "المجاهد الصغير" الذي لا ذنب له. * العدد المشار إليه هو في حالة هبوط دائم، ولم يسجل تزايد عدد المسلحين في الجزائر إلا ما بين 1993 إلى غاية 1995، أما ما تلاها فظل تعدادهم في نزول متواصل، وإن كانت قيادة التنظيم تحاول دائما مخادعة المجندين الجدد عن طريق أرقام مغلوطة أو تحويلهم من معسكر إلى آخر، وهكذا يضطرب عندهم الأمر ولا يزرع في نفوسهم أدنى ريبة أو تردد. ونذكر في هذا الإطار أن الجنرال معيزة، وهو من قيادة الجيش مكلف بمكافحة الإرهاب، قد قدر في 2002 أن الجماعات منذ 1992 هي 11 جماعة، وتراجع العدد إلى 3 جماعات في 1997. * إن "القاعدة" هي شعار فقط أو ماركة كما سميناها صارت تستعمل للمبالغة والتخويف والتشويش وخلق الفوضى وإشعال فتائل أخرى في ظل حروب قائمة، والذي كان يعود بالفائدة على المحافظين الجدد في البيت الأبيض أو حتى في إسرائيل، ولو تأتي مجموعة من الأشخاص ولو كانوا من اللصوص ويطلقون على أنفسهم "القاعدة" سيصنعون الحدث الإعلامي حتما وسيكونون محل نقاش سياسي وإيديولوجي دولي، خاصة إن جاء بيانهم حافلا بتهديدات للعالم، فضلا عن أن تقدم مجموعة مسلحة كانت تصنع المشهد الدموي في الجزائر على هذا الإعلان ويرافقه صوت الرجل الثاني في القاعدة الظواهري معلنا ميلاد هذا التنظيم بالتبني وشطب تسمية قديمة وتعويضها بأخرى جديدة ومن دون تغيير يذكر. وقد كان في السابق يحتوي على جماعات تختلف في الأهداف محليا وإن كانت تظهر بعض الاتفاق دوليا، وهو محاربة الاستكبار العالمي والامبراطورية الأمريكية والأطماع الأوروبية، ولا يستبعد تحالفهم مع أمريكا مستقبلا كما كانوا من قبل في أفغانستان أثناء الاحتلال السوفياتي، إن وجهت أمريكا سلاحها لإيران وشيعتها في العراق ولبنان. فيتحالفون مع العدو في منطقة ويحاربونه في أخرى من منطلقات متعددة تفضي إلى التناقض ثم المواجهة ثم الفناء حتما. * كما لا يمكن إخراج "القاعدة" المغاربية من إطارها الدولي حتى وإن كنا على يقين أن الأجندة المتوخاة من خلالها قد استبعدت حاليا لأسباب مختلفة، وأهمها التركيز الأمريكي على الخليج والبحث عن أطر للخروج من حروب صنعتها أمريكا وحققت منها كل ما تريد وإن ظهرت للعالم أنها دفعت الثمن غاليا إقتصاديا وعسكريا وسياسيا. * ما يسمى "القاعدة" في المغرب هي آخر ما أفرخته قاعدة بن لادن، ومنذ ذلك الحين لم تظهر قاعدة جديدة، وهو انتحار أو نشدان للنهاية لسبب رئيسي هو أن الجزائريين اكتووا من نيران الجماعات المتطرفة وأي تنظيم يظهر سيكون مصيره كمصير ما سبقه، والقاعدة في ظل إخفاق غير معترف به في العراق وإن كان حقيقة لا يمكن تجاوزها، وكذلك في الصومال حيث تحول إلى ساحة للحرب الأهلية، هو نوع من السباق نحو مقبرة لن تكون إلا في الجزائر حسب قناعتنا وفهمنا لتركيبة البلاد وتفكير شعبها، وخاصة أنه لا يمكن تحصيل النصر على بقايا هزيمة نكراء. * فكما قلنا إن انقراض أبرز الجماعات المسلحة سواء عن طريق التصفية أو الاستسلام أو بوسائل أخرى لم يحدث إلا في الجزائر، وقد راهن المتابعون للشأن الأمني وحتى بعض المتعصبين أن أول انتصار للإسلام المسلح سيكون في الجزائر، وهو رهان فاشل لم ينطلق من دراسة وافية لطبيعة الأرضية التي أشعل فيها فتيل حرب شعواء دفع ثمنها المدنيون من الأحياء الفقيرة وما أكثرها. فالبلاد التي أخفق فيها الحلف الأطلسي برغم أكثر من قرن و30 سنة من الحرب والتمسيخ ومسح الهوية، لا يمكن أبدا أن يحقق فيها أي مشروع عسكري مخططاته إن لم ينل ثقة الشعب ودعمه. * ليست عادتي أن أتحدث في أشياء تتعلق باستشراف المستقبل، ولكن الموضوع يتعلق براهن حركة إن صحت تسميتها بدأت تتآكل أوصالها منذ فترة وإن كان لها البريق الإعلامي بسبب اقترانها بحادثة 11 سبتمبر 2001 والحرب الأمريكية الشاملة على الإرهاب، في قناعتي أن القاعدة برغم تصاعد الزخم الإعلامي من حين لآخر إلا أنها على أرض الواقع في تآكل مستمر، وهو الذي لا يخدم المحافظين الجدد ولا حتى بعض أدعياء الفوضى الخلاقة في العالم الإسلامي، وما يورط إلا أسامة بن لادن ويدفعه للانتحار. * * المد والجزر بين السعودية وإيران!! * * لا يمكن فصل نهاية ما سميت "القاعدة" في الجزائر عن نهاية القاعدة الأم حتى وإن كان الرابط بينهما مجرد عقدي ايديولوجي بحت أما التعاون التنظيمي المباشر أو غير المباشر فهو لا يوجد إطلاقا، سوى من خلال تبادل معلومات محدودة عبر بعض المقاتلين الذين يلتحقون من حين لآخر بالعراق، أو عبر شبكة الانترنت من خلال منتديات تتناول أحيانا المعلومات بأساليب مشفرة أو فيديوهات تصدرها مؤسسة "سحاب" والتي في أغلبها تحوي بين طياتها رسائل وأوامر يقدمها بن لادن أو الظواهري للأتباع، وطبقا لشفرة تكون صريحة أو تأويلية أو شكلية أو تركيبية في بعض الأحيان، لا توجد إلا لدى الأمراء البارزين أما الجنود فلا يعلمون عنها شيئا. ومما لا شك فيه أن نهاية أجنحة القاعدة وفروعها في بعض الدول أصبحت واضحة للعيان، فقد حوصرت في العراق وأقصيت من المشهد بنهاية الزرقاوي في جوان 2006 بالرغم من رهان بن لادن على هذا التنظيم في فرض أجندته على الولاياتالمتحدةالأمريكية، حتى أبو عمر البغدادي لم يفلح في الحفاظ على نفوذ التنظيم وحضوره، وإن بقي يتردد صوته عبر جرائم شنيعة تقترف من حين لآخر في حق العراقيين أو منتديات الانترنت. * وطبعا يعود ذلك لدور إيراني من خلال توقيف الإمداد أو اعتقال بعض النشطاء على ترابها والذين من خلالهم تحصلت المخابرات الإيرانية على معلومات حول أخطبوط القاعدة في العالم وهو الذي استغلته في صراعها مع الغرب. وأيضا من خلال دعم ميلشيات شيعية موالية لها مثل "جيش المهدي" الذي يتزعمه مقتدى الصدر، والذي لعب دورا محوريا في فرض الأجندة الإيرانية داخل العراق. * وحتى السعودية أيضا لعبت دورا من خلال المقاومة السنية التي حاربت القاعدة، وطبعا كان ذلك من أجل التعاون مع الأمريكان وأيضا من أجل إبعاد مخاطر التنظيم عن ترابها، وخاصة أن تنظيم القاعدة في جزيرة العرب كان يشكل خطرا واضحا على المصالح السعودية في الداخل والخارج، فضلا عن كل ذلك أن الشبهات لاحقتها بسبب تورط عناصر سعودية وجمعيات خيرية في أحداث 11 سبتمبر إلى جانب أن المطلوب الأول عالميا كان محسوبا عليها وكان يؤدي دورا سعوديا بامتياز بأفغانستان في إطار الوجه الآخر للحرب الباردة والتصدي للخطر الشيوعي الزاحف حينها، وإن كنا على يقين من أن المبالغات فيه تجاوزت حدا لا يمكن وصفه لحسابات كثيرة ليس المجال لبسطها. * وهنا تجدر الإشارة إلى أن الصراع السعودي الإيراني ظل قائما، ويظهر كثيرا في مواقع النزاع مثل ما يجري في العراق أو في صعدة اليمنية أو حتى في باكستانوأفغانستان، وهو الذي تحرك من أجل الظهور في الجزائر مطلع التسعينيات غير أنه فشل نظرا لخصوصية الفتنة الجزائرية، فضلا عن كل ذلك أن النظام القائم حينها تفطن إلى ذلك واستطاع وأد المخطط في المهد من خلال التحرك الدبلوماسي في الرياض أو الأمني بالتعاون مع سورية وتركيا، وأيضا بالموقف الحازم مع طهران حيث أقدمت السلطات في البداية على إبعاد 7 دبلوماسيين إيرانيين وسحبت السفير الجزائري عبد القادر حجار ثم وصلت إلى قطع العلاقات الدبلوماسية في مارس 1993. * ونذكر في هذا السياق المحاولات الإيرانية لخلق "حزب الله" في أدغال الجزائر من خلال محفوظ طاجين، وقد كان أميرا ل "الجيا" خلفا لشريف ڤوسمي الذي قضت عليه مصالح الأمن في سبتمبر 1994 والذي تنقل لمعاقل "حزب الله" في لبنان عام 1991 وتلقى تكوينا هناك. وأيضا من خلال شبكات تنقلت لإيران وتلقت التدريبات في ثكنات الحرس الثوري وآخرها مجموعة حمدي باشا المدعو سيف الدين التي تم توقيفها في جانفي 2000 تتكون من 7 عناصر بينهم من تنقل من دمشق إلى إيران وتلقى تدريبات عسكرية في ثكنة تبتعد ب 160 كم عن طهران في مارس 1998 حسب ما جاء في إفادات المتهمين. * أيضا ما نقلته الصحيفة البريطانية "ديلي تلغراف" في تقرير لها، إبان التهجم الإيراني على الجزائر بسبب حل حزب جبهة الإنقاذ، من أن طهران وعدت الحزب المحل بمبلغ 5 ملايين دولار في حال وصوله إلى السلطة... الخ. أما مع الجانب السعودي فقد تحركت الآلة الدبلوماسية ومن خلال وزير الدفاع حينها الجنرال خالد نزار الذي تنقل الى السعودية وأخذ عهدا من المملكة بوقف الإمدادات المالية للفيس المحظور.