الاعتداء الوحشي الذي تعرضت بعثة الفريق الوطني لكرة القدم عاد أخيرا عبد العزيز شوقي سيف النصر، السفير المصري بالجزائر إلى عمله بعد ما يقارب الثمانين يوما من مغادرته بطلب من خارجية بلاده، كرد احتجاجي على ما اعتبرته القاهرة اعتداءات جزائرية على مشجعي الفراعنة في مقابلة أم درمان الفاصلة. * الخارجية المصرية وبعد أن تشاورت طويلا مع سفيرها، أكدت أيما مرة أنها لن تعيد سيف النصر إلى عمله بالجزائر إلا بشرط واحد، وهو تقديم هذه الأخيرة اعتذارا للشعب المصري، عما تصر على وصفه باعتداءات أم درمان، ناسية أو متناسية الاعتداء الوحشي الذي تعرضت بعثة الفريق الوطني لكرة القدم قبل يومين من مقابلة 14 نوفمبر المؤهلة لنهائيات كأس العالم. * اليوم وبعد 78 يوما من مغادرته، يعود سعادة سيف النصر إلى عمله كسفير للقاهرة بالجزائر، لكن من دون أن يتحقق الشرط الذي اعتبر لا مفر منه، وهو الاعتذار، بدليل تأكيد سفير الجزائربالقاهرة، عبد القادر حجار، أن الجزائر لم تقدم اعتذارا، لا عبر القنوات الدبلوماسية ولا عبر القنوات الإعلامية ولا عبر غيرهما من القنوات، فما خلفيات هذه العودة؟ * يجمع المتابعون للعلاقات العربية العربية، أن تضرر العلاقات الجزائرية المصرية ستكون نتائجه وخيمة على الطرف المصري دون الجزائري، لعدة اعتبارات أولها الاعتبارات الاقتصادية، طالما أن البلدين لا يتقاسمان الكثير من القناعات والتوجهات السياسية. * فمصر تعتبر الشريك الاقتصادي الأول للجزائر على مستوى الوطن العربي، وواحد من أكبر الشركاء على المستوى العالمي، وذلك بفضل التسهيلات التي استفاد منها المستثمرون المصريون بحكم عوامل العروبة والاعتبارات التاريخية المعروفة، غير أن هذه الشراكة تبقى في نظر الطرف الجزائري امتيازات قدمت للطرف المصري، سرعان ما أعيد النظر فيها مباشرة بعد تغليب القاهرة للاعتبارات السياسيوية والفئوية الضيقة على حساب علاقات تاريخية ضاربة في أعماق التاريخ والجغرافيا معا. * ولعل أولى المسائل الثنائية التي قررت الجزائر مراجعتها، مسألة توريد الغاز إلى مصر، بحيث أصبحت القاهرة مجبرة على تسديد فاتورة ما تستورده من غاز الجزائر مسبقا، بعدما كان التسديد بعديا، الأمر الذي تسبب في حدوث أزمة غاز بوتان في مصر هذه الأيام، وقد يكون في ذلك مصلحة للشعب المصري والقضية الفلسطينية، لأن القاهرة في هذه الظروف تجد نفسها مضطرة لإيقاف توريد الغاز إلى دولة الكيان الصهيوني. * الأمر الثاني الذي قد يكون وراء عودة السفير المصري، هو حرص القاهرة على إعادة المياه إلى مجاريها مع الجزائر، وذلك لن يكون إلا بإظهار حرصها على إعادة العلاقات الثنائية إلى سابق عهدها، وذلك لا يمكن أن يكون إلا باستمرار تمثيل القاهرة الدبلوماسي بالجزائر، بأعلى مستوياته، عبر سفير مفوض، وليس بواسطة قائم بأعمال، وهي أدنى مستويات التمثيل الدبلوماسي، الذي عادة ما يلجأ إليه عند حدوث أزمات بين الدول. * من هنا تبدو عودة السفير المصري أنها جاءت لإنقاذ ما يمكن إنقاذه فيما تبقى من مصالح مصر الاقتصادية بالجزائر، وليس أدل على ذلك من الأزمة التي تعيشها شركة أوراسكوم تليكوم مع مصالح الضرائب، التي تبقى مطالبة بدفع أكثر من 596 مليون دولار، كمخلفات عن مستحقات ثلاث سنوات.