يبدو لي أن الاضطراب الحاصل في مواقف قياديي حزبي السلطة لا يخدم مصلحة البلاد ولا يدفع باتجاه الأمل في المستقبل. لأول مرة نلاحظ بوضوح شرخا كبيرا بين من كانا باستمرار طرفا واحدا في المعادلة السياسية في البلاد وكأن أحدهما قد انتقل إلى الصف الآخر أو يريد تغيير موقفه مسبقا. والخطورة لا تكمن في هذا التبدّل في الموقف بقدر ما تكمن في الاضطراب في مواقف كل منهما من يوم إلى آخر؛ فاليوم تتم معارضة المعارضة وشيْطنتها، وغدا تُمَدّ اليد لها وكأن ما قيل البارحة لم يكن سوى زبد ذهب جفاء... اليوم تعتبر قيادة حزبي السلطة نفسها يدا واحدة في وجه المعارضة وغدا يصرّح أحد ممثليها البارزين أنه لن يمد يده إلى حليفه ولن يتعامل معه لأنه عامل شقاق وفراق؟ والأكثر مثارا للدهشة أن يوجه أحدهما اللوم للحكومة والسلطة وكأنه ليس طرفا فيها، وأن ينتقد الأوضاع وكأنه ليس مسؤولا عنها، بل وأن يعلن تحالفه مع الأوليغارشية التي هي النقيض التام للتحالف مع الشعب.. منذ متى والدولة الجزائرية متحالفة مع الأوليغارشية أو تقيم سياستها على تحالف وطيد مع الأوليغارشية أو هي مؤيدة لها؟ أليست الأوليغارشية هي تلك الفئة القليلة التي تخدم مصالحها دون بقية الشعب؟ أم أن هذا المفهوم قد غاب عن مسؤولينا إلى درجة استخدامه في غير محله؟ ألم يكن من الأجدر في أسوأ الحالات الحديث عن رأسمالية وطنية، أو بورجوازية تجارية أو غيرها من المصطلحات القريبة من تراثنا السياسي؟ أم أنه محكومٌ علينا الانتقال من حكم المافيا السياسية إلى حكم الأوليغارشية؟ أحسّ بأن هناك خللا في مستوى معين ينبغي تصحيحه إذا أردنا أن لا تُصبح مثل هذه المواقف صانعة لليأس في المجتمع. لا أتصور بأن تناقضات في مثل هذه الخطورة تبعث على مزيد من الاطمئنان داخل الفئات الشعبية وتهيئها لتتجاوز بسلام المخاطر التي تتربص ببلادنا. إننا في حاجة اليوم إلى خطاب جامع لا مفرق، خطاب موزون ينمّ عن ثقافة سياسية مدركة لتطلعات ملايين الناس في مختلف المستويات، إلى خطاب تهدئة لا خطاب فتنة، إلى خطاب يزن مصطلحاته لا إلى خطاب يطلقها سبهللا وكأن الناس بلا قدرة على التمييز بينها... إننا بحق نحس بأسى شديد عندما نعلم أن الأوليغارشية أصبحت في آخر الزمان حليفة للدولة الوطنية.. فهل هي قليلة عوامل اليأس المتربصة بنا من الخارج لنضيف إليها عوامل أخرى وبلا حساب؟