أجمع سياسيون وأكاديميون على أن طريقة معالجة النظام السياسي للأزمة في غرداية، يجعل الأزمة في هذه المنطقة تتجدد وتتفاقم في كل مرة، وأكد هؤلاء خلال مشاركتهم في ندوة سياسية لحركة البناء الوطني تحت عنوان "دور الطبقة السياسية في حماية النسيج الاجتماعي والوحدة الوطنية"، على أن خطاب السلطة وإضعاف المعارضة ساهم في بروز بؤر توتر جديدة. ودعا الأمين العام لحركة البناء الوطني أحمد الدان السلطة لتحمل مسؤولياتها في منطقة غرداية، بإعادة المنطقة لسابق عهدها من التعايش، وعرج على ضرورة الارتقاء بالأداء السياسي ليكون قادرا على الإسهام في حل المشكلات ومواجهة التحديات، وأشار إلى تحضير حركته لمبادرة تساهم في معالجة الأزمة الحاصلة هناك. ويرى الوزير والدبلوماسي الأسبق، عبد العزيز رحابي أن موضوع النسيج الاجتماعي والوحدة لا يزال يحتاج إلى تعميق النقاش وفق مقاربات هامة تعالج المشكلة من جذورها ولا تجتر القديم الذي لم يعد يغني شيئا"، شانه شان موضوع التدخل الأجنبي في شؤون الجزائر. وابرز وزير الثقافة والاتصال الأسبق أن النسيج الوطني في التضامن الاجتماعي الحقيقي، وليس في توظيفها سياسيا، مضيفا أن قوة الانتماء لدى المواطن والشعور بالمواطنة الكاملة، ونبذ التدخل الأجنبي شيء طبيعي في حياة البشرية، وأوضح أن السياسات الخارجية للدول الكبرى تسعى لإرضاء مواطنها وتقوية المواطنة لديه، مبرزا أن هشاشة بعض الأنظمة العربية جعلها تخضع للربيع "الغربي"، وأكد أن الأنظمة بهشاشتها وقدمها وضعفها أضعفت المواطن وسهلت التدخل الأجنبي". من جهته، قال كريم طابو الأمين الوطني الأول للأفافاس سابقا، أن أصل جميع أزمات البلاد، يكمن في عدم نجاح السلطة في بناء دولة ديمقراطية اجتماعية في إطار المبادئ الإسلامية التي أقرها بيان أول نوفمبر، وهو هدف أساسي وجوهري كانت يجب أن تسعى السلطة لبنائها طوال هذه السنوات التي لم تف فيه بهذا الهدف، وأبرز أن ما يحدث اليوم من تفكك وتعفن وفساد سببه الرؤية الأحادية التي حكمت البلاد وصادرت الحريات وألغت التعددية وضيقت على الحريات. وانتقد رئيس حزب الاتحاد الاجتماعي الديمقراطي غير المعتمد، اعتماد السلطة على الحل الأمني كحل وحيد في تعاملها في حل جل الأزمات التي عرفتها البلاد، داعيا على إشراك الطبقة السياسية التي يمكن أن يكون لها دور في حل الأزمة، قبل أن يشدد على أن الحل يكمن في العودة للديمقراطية والعمل بالمبادئ تقوم عليها. ويقول الدكتور زبير عروس أستاذ علم الاجتماع بجامعة الجزائر أن تفاقم أزمة غرداية يعود إلى كون النظام السياسي يقوم بمعاجلتها في كل مرة بمنطق السلطة وليس الدولة، وذكر أن عملية توزيع الأراضي على سكان غرداية في أعقاب كل تطور للأحداث هناك يتم بمنطق القبيلة وليس لقوانين الجمهورية. وحذر الباحث في علم الاجتماع من تطور الصراعات والنزاعات داخل المجتمع الجزائري من الصراع المذهبي أو العقدي إلى"الصراع الأخطر اليوم وهو الصراع الثاني"، الذي تشكل معه خطاب جديد وهو الإلغاء ونحر الآخر، وسجل أن خطاب السلطة من أزمة غرداية خطاب تفريقي ومذهبي وليس بمنطق المواطن، إلى جانب تبنيها لخطاب يضعف الطبقة السياسية وصل إلى التخوين والعمالة، مما أدى إلى إضعافها فنتج عنها خطاب مضاد لها وهو خطاب العنف.
أما محند أرزقي فرّاد، المؤرخ والناشط السياسي، فيرى أن غياب ثقافة الدولة والسطو على دور الأحزاب، سبب بروز الكثير من الأزمات في الجزائر، مبرزا أن أزمة غرداية قضية عقار وتفاوت اجتماعي، قبل أن يتهم النظام بتركها لتتعفن مثلها مثل قضية القبائل ومشكلاتها التي خلقت نداء للانفصال، موضحا أن التدخل الأجنبي ليس له أي علاقة بالترويج بوجود صراع مذهبي، وإنما بسبب ما يعتبره إهمال السلطة وعجزها.