أخيراً، يُسحب البساط الأحمر، من تحت أقدام صاحب المقولة المشهورة: "ينعل بو لي ما يحبناش"، لتُصيبه لعنة التعديلات، والذي كان بقراراته المنافية لكل الأعراف يتعمّد استفزاز كل من يعارضه، وبمفهومه الخاص، اعتراه نوعٌ من الاعتقاد أن كل من يخالفه فهو "ما يحبوش" وبالتالي يجب لعنه.. ولا حول ولا قوة إلا بالله. نعم، لقد وصلت درجة الكراهية عند عمارة بن يونس لمعارضيه إلى هذا الحد، إلى حدّ القول إن "البلد لا يوجد فيها معارضة بل هم عبارة عن زمرة من المعارضين"، ناهيك عن قضية ترخيص الخمور التي أثارت جدلاً واسعاً، وما قام به في الفترة المنصرمة ليس ببعيد، حيث ألغى صاحب الحقيبة التجارية قصاصة تعريب السلع المستورَدة، عند دخولها إلى الجزائر، وهذا بمثابة الهجوم غير المبرر على التعريب، حتى من الناحية التجارية تم اكتساح الأسواق بسلع مجهولة التكوين والمصدر، في ظل ما تعانيه الجزائر من غياب المراقبة. لعنة التعديلات لم تصب بن يونس لوحده، بل نزلت عمودياً لتزيح كل من عبد القادر قاضي وزير الفلاحة، وعبد القادر خمري وزير الشباب والرياضة، وقبلها بيوم كان نزول هذه اللعنة أفقياً على حركة سلك الولاة لتصيب بعضهم، وتثبّت آخرين في مناصبهم، ثم تتوسع لتضع ولاة منتدبين، كانت للعاصمة حصة الأسد فيها. ما حدث من صخب تعديلات بعض الوزراء، وأغلب الولاة، وإجراءات التنصيب على رؤوس الولايات المنتدبة، مع تنفيذها فجأة، يدل أن هناك عملية استقطاب كبيرة، تمهّد لظاهرة غير مسبوقة. إذن، لماذا هذه المفاجآت، ما دامت الأمور تسير على هذا السياق؟ جميع القرارات التي تم اتخاذها من طرف السلطة، سواء كانت تعديلات وزاريّة أو ولائيّة أو تغيير رؤساء المؤسسات العمومية الكبرى، هي أصلاً نابعة من نزعة ذاتية وانفعالية، الهدف منها التغيير من أجل التغيير، وليس في سبيل إيجاد الحل أو البديل الأفضل. إن فشل بعض الوزراء أو الولاة أو رؤساء الهيئات العامة في تسيير زمام حكمهم، لن يُجدي نفعاً بتحويلهم إلى مناطق أخرى، كالولاة مثلاً، فقد يستنسخون فشلهم في مكان آخر، والأحق من ذلك عزلهم تماماً أو تحويلهم إلى مهام أخرى خارج التّولّي، والعكس صحيح للذين نجحوا في تسيير ولاياتهم، لماذا يُثبّتون في مناصبهم؟ لماذا لا يُستنسخ هذا النجاح في ولايات أخرى، وهكذا يعمّم النجاح ويتقلّص الفشل؟ وعندما نقول يعمّم النجاح، ويتقلّص الفشل، فإننا نقصد بذلك تحليل ما هو متداول في هذه الأجواء الحارة، أن النظام لا يزال عاجزاً عن تقديم تعديلات إلا بضغط من الرأي العام جراء الأخطاء التي يقترفها هذا النظام، وما حصل لبن يونس ولعبيدي، دليلاً على ذلك، ولا يزال معه مشروع تعديل الدستور عاجزاً أيضاً، دون تحديد أي آجال لانتهاء هذه الصياغة، وما حصل كذلك في غرداية وقبلها في عين صالح، ومن دون أن ننسى قضايا الفساد في أكبر المؤسسات، كسوناطراك والخطوط الجوية الجزائرية، دليلاً آخر، والذي يحمل في أُفقه بوادر مناخ صيفي سياسي ساخن، على واقع لعنة التعديلات التي شملت الصالح والطالح، سواء كانوا وزراء أو ولاة أو رؤساء مؤسسات كبرى.