رحم الله الرجل الفكاهي الڤالمي “الساسي” الذي كان يعرف في المنطقة باسم “الساسي تقشيرة”. كان رجلا فائق الذكاء وصاحب نكتة، تداولت الأجيال ومازالت تتداول كلامه ومواقفه التي تختزل الحكمة والابتسامة معا. دعا مرة والي ڤالمة في نهاية الثمانينيات، وكان وقتها “الشريف مزيان” واليا هناك، دعا الساسي إلى مجلسه وقد نصحه أبناء ڤالمة باستضافته للترويح عنه، وكان ذلك قبل الفايس بوك والتويتر وكل “البلاوي”، كان قبل التعددية عندما كان الوالي سلطانا في سلطنته بحاجة لمهرجين ومطبلين ومبخرين... دعا قلت الساسي ليروّح عنه ويروي له نكتا مضحكة، فرد المرحوم ببداهته المعهودة وبلغة فرنسية جميلة “ماذا تريدني أن أحكي سيدي الوالي؟” والي مع والو un wali avec un walou أي والي مع لا شيء..! تذكرت كلمات الساسي وأنا أتابع أخبار التعديل الوزاري الأخير، وقبول وزراء ترقوا من مناصب ولاة إلى وزراء، ثم أرجعوا بحكم التعديل الأخير إلى منصب والي من جديد. وجدت أن نكتة الساسي تنطبق على هؤلاء، “والٍ خير من والو”، وإلا كيف يقبل إطاران وهما “يمينة زرهوني وعبد القادر قاضي” هذه “الترقية” إلى الخلف؟ على كل التعديل الوزاري الأخير فيه الكثير ما يقال، فهل من الحكمة أن يجرى تعديلا في أقل من شهرين على تعديل سابق؟ ثم كيف يعاقب وزير لم يبق على رأس وزارته أكثر من شهرين، في وزارة الفلاحة، ولم يتسن له حتى الاطلاع على ملفات الوزارة، إن لم يكن هذا قرارا جائرا ينم عن قصر نظر؟ لكن الذي أثارني في كل هذا، هو إقالة بن يونس، فرغم انتقادي الشديد للرجل أيام الرئاسيات عن مقولته الشهيرة “يلعن بو اللي ما يحبناش” التي شتم بها كل من عارض العهدة الرابعة، إلا أنه كوزير قام بعمل يمكن أن نصفه بالجيد، فالرجل حاول كسر طابوهات الاستيراد، خاصة استيراد الخمور، هذا الإجراء الذي كشف عن الوجه المنافق للإسلاميين الذين اتحدوا مع مستوردي الخمور، وتظاهروا جنبا إلى جنب في ولايات الجنوب ضد بن يونس. وأيضا في حملته الهادفة “لنستهلك جزائري” وإن كانت هذه استفاقة متأخرة جاءت بعد كسر قطاع الصناعة، إلا أن الاهتمام بالمنتوج الجزائري على قلته كانت نظرة صائبة. أعتقد أن الرجل دفع ثمن محاولة تقارب السلطة مع حمس، وإبعاده من الحكومة وتعويضه برجل من رجال مدير ديوان رئيس الجمهورية، هو محاولة لكسب ود الإسلاميين وعلى رأسهم حركة مقري التي ركلت ركلة إلى قطب المعارضة. واحدة بواحدة إذاً مقري يركل المعارضة، والسلطة تضحي من أجله بأحد رجالها، عمارة بن يونس، وربما لأن حزب هذا الأخير لا يزن ثقيلا في التحالف حول الرئيس الذي حاولت من خلاله السلطة تعويض التحالف الرئاسي السابق بين حمس والأفالان والأرندي. ويبقى أن الرجل الذي “نشف ريقه أيام الحملة، في فرنسا تحديدا، وتلقى الكثير من الشتائم، لا يستحق هذه المكافأة من قبل السلطة! الجديد في التعديل الحكومي أنه لأول مرة يسبق تنبؤات الصحافة وفاجأها، وأيضا ينم عن قصر نظر السلطة وغرقها في تخبط غير مسبوق، إن لم أقل عن خرف تعاني منه ولم تجد له مخرجا!!