صادق البرلمان بغرفتيه بالأغلبية على مشروع تعديل الدستور، الأحد، في جلسة علنية بقصر الأمم، ترأسها رئيس مجلس الأمة، عبد القادر بن صالح، حيث صوت 499 نائبا من بين 517 نائب حضروا جلسة التصويت ب"نعم" فيما رفض اثنان وامتنع 16 آخرا عن التصويت. وحضر جلسة التصويت رئيس المجلس الشعبي الوطني، محمد العربي ولد خليفة، والوزير الأول، عبد المالك سلال وأعضاء من الحكومة . وافتتحت الجلسة بكلمة مقررة اللجنة البرلمانية المشتركة، غنية إداليا التي ألقت تلقي كلمة كشفت فيها أطوار أشغال اللجنة و قانون سير الجلسة، فيما وافق النواب على النظام الداخلي لسير جلسة المصادقة. بعدها عرض الوزير الأول، عبد المالك سلال، بنود مشروع تعديل الدستور، والذي قال بشأنه إنه "سيحمي البلاد من المخاطر المحدقة بها وعلى رأسها الإرهاب، مشيرا إلى أن المشاورات التي أوعز بها الرئيس عبد العزيز بوتفليقة كان الغرض منها إعطاء الطابع التوافقي للدستور. وحضرت الأمينة العامة لحزب العمال، جلسة المصادقة على مشروع الدستور، وقالت – في تصريح صحفي مقتضب- بأن حضورها "جاء بناء على طلب من اللجنة المركزية للحزب ولأن الوضع خطير في البلاد". وكان النائب المنشق عن حزب العمال، سليم لباطشة، حاضرا في الجلسة، حيث أعلن أن 11 نائبا من الكتلة البرلمانية المنشقة عن الحزب قد قرروا التصويت ب"نعم" لصالح مشروع تعديل الدستور. وشدد رئيس مجلس الأمة لدى إعطائه الكلمة لرؤساء الكتل البرلمانية على عدم تجاوز مدة 10 دقائق المخصصة لكل واحد منهم.
المجموعات البرلمانية تثمن مضمون تعديل الدستور وأبدى رؤساء الكتل البرلمانية لحزبي جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي، في غرفتي البرلمان وكذا الثلث الرئاسي في مجلس الأمة، دعمهم لمشروع تعديل الدستور ودعوا نوابهم للتصويت بقوة لصالح المشروع. واعتبر رئيس المجموعة البرلمانية للأحرار بالمجلس الشعبي الوطني محمود ساسي، "إننا اليوم أمام خيار تخطي الاعتبارات السياسية والحزبية لنضع مصلحة البلاد فوق كل اعتبار تجسيدا لهذا الهدف العظيم". وأكد ذات المسؤول على تزكية مجموعته البرلمانية "لمجمل الإصلاحات التي جاء بها رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة مع المصادقة على مشروع قانون المتضمن تعديل الدستور كاملا دون تحفظ". كما أكد على استعداد مجموعته البرلمانية على "العمل دون هوادة في مرافقة تنفيذه وتجسيد مواده على أرض الواقع". وأما رئيس المجموعة البرلمانية للتجمع الوطني الديمقراطي بمجلس الأمة علي بوزغيبة، فقد أشار أن تعديل الدستور "حمل ايجابيات للطبقات السياسية وضمانات لنزاهة العملية الانتخابية ومنح صلاحيات جديدة لصالح المعارضة". من جهته، أكد رئيس الكتلة البرلمانية لحزب جبهة التحرير بمجلس الأمة محمد زبيري "مساندة وتأييد حزبه لما تضمنه هذا المشروع "الذي جاء كما قال ل "يعزز اكثر 'المساواة بين كل فئات المجتمع ويكرس الممارسة الديمقراطية ودولة الحق وكذا الحقوق الفردية والجماعية وحرية الرأي والتعبير واستقلالية العدالة". من ناحيته، يرى رئيس الكتلة البرلمانية للثلث الرئاسي بمجلس الأمة الهاشمي جيار بأن مشروع تعديل الدستور "سيفتح أفاقا واسعة وجديدة من شأنها أن تساهم في بناء نظام ديمقراطي حقيقي مبني على العدالة والمساواة ويعزز مكانة المؤسسات". وأوضح جيار بان الطريقة التي أعد بها هذا المشروع "كانت بعيدة كل البعد عن الاعتبارات الحزبية الضيقة" خاصة وأن التعديلات التي جاء بها كما قال هي "تعديلات ايجابية تخدم مصلحة الصالح العام وتفتح آفاقا واعدة وورشات جديدة وتساهم في إنعاش الاقتصاد الوطني وتعزز الوحدة والتضامن". في حين أثنى رئيس المجموعة البرلمانية للتجمع الوطني الديمقراطي بالمجلس الشعبي ىالوطني محمد قيجى، على ما جاء في هذا المشروع فيما يتعلق بحقوق العمال والفلاحين ومكانة الاقتصاديين والباحثين والمثقفين وتعزيز استقلالية القضاء وكذا أحداث آلية جديدة ودائمة لمراقبة الانتخابات. أما رئيس المجموعة البرلمانية لحزب جبهة التحرير الوطني بالمجلس الشعبي الوطني، محمد جميعي، فقد اعتبر هذا المشروع "قوة نوعية واستكمالا للاصلاحات التي باشر بها رئيس الجمهورية منذ توليه الحكم في 1999." وقال جميعي إن التصويت على هذا المشروع "نكون قد دخلنا وانطلقنا في الجمهورية الثانية لنتكيف مع متطلبات العصر والتحولات الجارية في مختلف المجالات ونجسد الإصلاحات التي تهدف إلى إرساء دولة القانون وتعزز العدالة والمساواة بين مختلف فئات المجتمع . من جهته، أشار ممثل المجموعة البرلمانية لحزب العمال بالمجلس الشعبي الوطني جلول جودي أن أعضاء حزبه في البرلمان سوف يمتنعون على التصويت لأنه لا يمكن التصويت ب"لا" لأن المشروع يتضمن تحسينات وايجابيات التي طالما ناضل من أجلها هذه التشكيلة السياسية ولا يمكنها التصويت ب"نعم" لان الدستور المقترح "يتضمن مواد وإجراءات متناقضة وأخرى قد تفتح الباب لتراجع المكاسب الاقتصادية". يذكر أن جبهة القوى الاشتراكية وتكتل الجزائر الخضراء وجبهة العدالة والتنمية كانت قد أعلنت في وقت سابق عن قرارها بمقاطعة هذه الجلسة.
سلال: مصادقة النواب على الدستور استجابة لنداء الضمير أكد الوزير الأول، عبد المالك سلال، بأن لتصويت لصالح مشروع تعديل الدستور يعد "لحظة تاريخية" استجاب فيها أعضاء البرلمان بغرفتيه ل"نداء الضمير والتاريخ". وفي تعقيب له بعد المصادقة على مشروع تعديل الدستور الذي حظي ب 499 صوتا، شدد سلال على أن "الجزائر تعيش اليوم لحظات تاريخية، حيث سجلنا إرادة البرلمانيين في تدعيم مشروع تعديل الدستور الذي بادر به الرئيس بوتفليقة واستجبتم فيها لنداء الضمير والتاريخ". كما أضاف بأن "أعضاء البرلمان ومن خلال موقفهم هذا، إنما صوتوا لصالح "صانع المصالحة الوطنية والاستقرار الاجتماعي والاقتصادي للبلاد والسلم والجمهورية الجزائرية الجديدة". وبعد أن ذكر بأن التصويت على التعديل الدستوري يعد "مكسبا تاريخيا قويا للجزائر"، أعرب عن تهانيه لرئيس الجمهورية و الشعب الجزائري. كما سجل قناعته ويقينه بنجاح الجزائر في مواكبة الوضع الاقتصادي الدولي الصعب، بفضل الإرادة التي أبداها اليوم أعضاء البرلمان، ليختم بالقول "سننجح (في هذه المهمة) لأننا مطالبون بذلك من قبل الشهداء". ولقد مرّ مشروع التعديل طيلة أربع سنوات ونصف بمراحل عديدة، وبقي محل شدّ وجذب بين السلطة والمعارضة التي رفضت الانخراط في مشروع الإعداد تحت عنوان رفضها استئثار السلطة التنفيذية به. ولا يعد تعديل الدستور الأول، فقد سبقه تعديلان قام بهما الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، وصادق عليهما البرلمان. وتمّ التعديل الأول في 2002 تحت ضغط احتجاجات منطقة القبائل بالتنصيص على اللغة الأمازيغية كلغة وطنية، ثم كان تعديل 2008 الذي فتح العهدات الرئاسية. وعرفت الجزائر في ظرف ثلاث وثلاثين سنة وتحديدًا منذ الاستقلال وحتى 1996، تاريخ إصدار الدستور الحالي، أربعة دساتير أي بمعدل دستور كل ثماني سنوات وهو ما يمثل شاهدًا على حيوية المجال السياسي في الجزائر وسرعة تحوّلاته. وكان أول دستور شهدته الجزائر هو دستور 1963 الذي تم إقراره في عهد أول رئيس للجمهورية أحمد بن بلّة. ثم كان دستور 1976 الذي أصدره هواري بومدين وبعده دستور 1989 وهو الدّستور الذي تم إصداره في عهد الرئيس بن جديد إثر أحداث 1988، والذي تم تعليق العمل به إثر الانقلاب العسكري بداية التسعينيات. وفي 1996، بادر الرئيس اليامين زروال، المنتخب حديثًا حينها، بتشكيل لجنة من أجل إعداد الدستور لتجاوز الفراغ المؤسساتي الذي تعيشه البلاد وهو الدستور الحالي الذي تم إقراره في استفتاء شعبي في الثامن والعشرين من نوفمبر 1996. وأعلن رئيس الجمهورية، عبد العزيز بوتفليقة في خطاب للأمة في الخامس عشر من أفريل 2011 عزمه إخضاع الدستور إلى تعديل تحت يافطة الإصلاح، وبذلك كان التعديل الثالث للدستور الذي اقترحه بوتفليقة منذ صعوده للسلطة سنة 1999. وتمت سنة 2011 مباشرة مشاورات سياسية بقيادة رئيس مجلس الأمة عبد القادر بن صالح. وسمحت هذه المشاورات لبن صالح بلقاء أحزاب سياسية وشخصيات وطنية و خبراء أدلوا بآراء مختلفة حول مشروع مراجعة النص الأساسي للبلاد، كما التقى الوزير الأول، عبد المالك سلال في إطار مشاوراته بشخصيات سياسية وطنية. وفي سياق هذه الإصلاحات تم سنة 2012 إصدار خمسة قوانين عضوية، يتعلق الأمر بقوانين تتعلق على التوالي بالنظام الانتخابي وحالات التنافي مع العهدة البرلمانية وتوسيع فرص تمثيل المرأة في المجالس المنتخبة وبالإعلام والأحزاب السياسية، وكذا القانون المتعلق بالجمعيات. وقدّم بن صالح في نهاية شهر جوان 2011 حصيلة مشاوراته إلى بوتفليقة. وبينما تم القيام بتعديلات في عدد من القوانين الأساسية على غرار قانونيْ الأحزاب والصحافة في بداية 2012، بقي ملف التعديل الدستوري مركونًا على الرفّ إلى غاية أفريل 2013، إذ أعلن الوزير الأول عبد المالك سلال، قبل أسبوع من الذكرى الثانية لخطاب "الإصلاحات" لسنة 2011، تنصيب لجنة خماسية لتعديل الدستور تولّى رئاستها أستاذ القانون في جامعة قسنطينة عزوز كردون. وقدّمت اللجنة مسودّة لمشروع تعديل الدستور في سبتمبر 2013. إثر ذلك، أعلن بوتفليقة، بمجرد إعادة انتخابه لعُهدة رئاسية رابعة، في ماي 2014، استئناف مسار التعديل بإطلاق جولة جديدة من المشاورات محورها مسوّدة لمشروع التعديل. وأًعلن عن تكليف أحمد أويحيى، مدير ديوانه، بإدارة المشاورات مع القوى الحزبية والشخصيات الوطنية. وفي ال 5 جانفي الفارط عرض وزير الدولة رئيس ديوان رئاسة الجمهورية، أحمد أويحيى الخطوط العريضة لمشروع القانون المتضمن تعديل الدستور على الجزائريين وبعد مصادقة المجلس الوزاري على مشروع القانون في ال 11 من الشهر ذاته، أخطر رئيس الجمهورية المجلس الدستوري ليصدر رأيا معللا حول هذا المشروع وفي 28 جانفي 2016 أصدر المجلس الدستوري رأيه المعلل بشأن مشروع القانون والذي صرح بموجبه أن هذا الأخير "لا يمس البتة المبادئ العامة التي تحكم المجتمع الجزائري وحقوق الإنسان والمواطن وحرياتهما ولا يمس بأي كيفية التوازنات الأساسية للسلطات والمؤسسات الدستورية".