بعد أن عزاني أحدهم قائلاً: عظم الله أجرك أخي ورزقك الصبر والسلوان، إنا لله وإنا إليه راجعون! تعالوا تشوفوا الانفجار الذي حدث: فقد انفجرتُ في وجهه بكل ما أوتيت من طعام ومرق، لا أراكم عاقبة ذلك! تركت الخيمة شبه هارب، فقد يحدث وأن يصل صديقي ليجدني أنا من قام بهذه العملية "الانتحارية" في خيمة العزاء! عدتُ إلى البيت وكان على بُعد ساعة مشيا على الأقدام، وما إن وصلت حتى ارتفع آذان العشاء، فمررت مباشرة إلى المسجد الأقرب، وهو الذي لا أصلي فيه عادة، بل لم أصل فيه إلا نادرا، بل لم أصل فيه في يوم من الأيام! هاني بدأت أتذكر.. قلت، سوف أصلي التراويح هنا حتى واحد ما يعرفني وإذا غلبتي الضحكة من جديد، أسلِّم وأخرج.. سكيمي!. أول حاجة طلعت لي الضحكة إلى البلعوم، صوت المؤذن: هذا صوت أم طنبور؟ هذا هو الآذان؟ من أين جيء بهذا الصوت؟ سمعت واحدا بجواري يقول لصاحبه: ماله؟ الديسك عنده مريّي؟..ماله؟ شكون هو؟ قال له: هذا غير واحد بانت له يأذّن، ناض يأذّن. المؤذن ماجاش. كل هذا وأنا أضغط على نفسي لكي لا أنفجر: إنما كان صوت خروف وليس صوت مؤذن، يا إلهي.. لو كان معنا واحد مسيحي أو قليل الإيمان لنفره هذا النفير! أخمدت أنفاس الضحكة بنت الكلب، وبقيت صابرا محتسبا أدعو الله على ألا تباغتني وأنا في الصلاة، فقد أضحك وأُضحك معي بقية المصلين لاسيما الأطفال وعددهم اليوم كما أرى أكثر من الكبار، وتعالوا تروا المصيبة: الإمام حتى هو ما جاش، وجاؤوا بواحد "رامبلاصون" من عامة الناس يبدو أنه لا يحفظ حتى ربع! ويكسر القراءة تكسيرا، لا قواعد قراءة ولا تلاوة ولا تجويد: سمعت نفس الشخص يقول لصاحبه: واقيلا عاود اليوم غادي يصلي بنا بوعجمي، أنا اعتقدت أنه الشيخ العجمي! وإذا به مش غير أبوه..بوعجمي.. هو عجمي، وكريف.. ثور، بقرة تقرا! "لافاش كي لي" مش "لافاش كيري"! كان الرجل يخور ولا يقرأ، مرة يثغو ومرة يصيح، ومرة يصهل ثم يغني.. نيشان.. الشيخة الجنية راها تصلي بنا! وهنا لم أتمالك نفسي: سلمت في أول ركعة وتركت الصف وخرجت مسرعا أتخطى رقاب الناس، وما إن رميت قدمي خارج المسجد حتى انفجرت ضاحكا: هاهاهاها.. بعض المتأخرين الذين كانوا يهرولون للحاق بالصلاة، قلت لهم: روحوا صلوا في المسجد الآخر..خير لكم، هذا مش إمام.. هذا..عادل إمام! هاااااهههها.. الحمد لله لا يعرفني أحد، فاتجهت مباشرة إلى مسجدنا الذي أصلي فيه التراويح هذه الأيام الأخيرة من رمضان، وكان المسجد على بُعد ربع ساعة تقريبا، دخلت ولست أدري إن كنت على وضوء، فبعد هذه الضحكة.. لا أعتقد أن أحدا فينا يبقى على وضوئه طويلا! هذه مش ضحكة، هذه تبهديلة: في جنازة ثم في المسجد، استغفر الله، اللهم ثبتنا! مع الإمام الشيخ ناصر، جاءني الهدوء بصوته الشجي.. ونسيت أني هربت قبل قليل من قراءة بوعجمي، وصلت متأخرا، لكن ما عليهش، هذا يؤكد بداية تمسكي بصلاة الجماعة في الجامع، لأني قبل هذا لم أكن أصلي إلا وقت ما ترشق لي أو لا أصلي حتى ولو رشقت لي! المشكل أنه في آخر الصلاة عندما تخلفت لقضاء ما فاتني، وهممت بالخروج، وجدت حذائي الجديد قد طار.. فعدت بخُفيْ حنين إلى الدار!