ذاكرة جدّتي التي جاءت لتُكمل معنا بقية رمضان عندي لا تقابلها ذاكرتي أنا الذي لا أتذكر حتى اسمي أحيانا.. جدتي تعقل على حملة نابليون على مصر، فهي تسميه balionne! تقول لك: "نسمع على "باليون" كي هجم على السندرية (تقصد الإسكندرية).. وعلى الحاج عبد القادر كي داوه "لبواز" (تقصد سجن أمبواز.. كان جدي يحكيلنا). في الحقيقة، بقدر ما فرحت بجدتي وفرح بها "البزاوز" لأنهم وجدوا شغلا آخر يشغلهم و"يفوتون به الوقت"، غير التلفزيون لكي يضحكوا.. حتى إذا ما "كانش فيه ضحك".. الضحك لابد منه! الضحك من الضحك.. ثم إن جدتي تضحكك ولو كنت "مالك الحزين"!.. طريقة الضحك والكلام، يضحك لو كنت تبكي، إنها تتحدث بطلاقة.. وليس مثلي، هي تضحك مني لما "أهدر" وأتكلم بصوتي الخشن والتأتأة التي تنتابني أحيانا عندما أكون قلِقا وغير متيقن من الكلام الذي أقوله. تقول لي: "راك تهدر وإلا راك تنوّض في تراكتور؟ صحيحٌ أن السمع بدأ ينقص والنظر أيضا، وأنها فقدت كل أسنانها قبل نحو 35 سنة وأنها قد بدأت تُخرج أسناناً كأسنان المنشار منذ 20 سنة! تجاوزت القرن والنصف ولم تدخل أرقام غينس لسبب بسيط أنها غير مسجلة في أي "ريجستر" لأن جدي؛ أبوها يعني رفض تسجيل كل أبنائه وبناته! الوحيد الذي أرغم على تسجيله لأسباب لا أعرفها هو ابنه الرابع الذي سماه "ربيعة"!.. واسم ربيعة هو اسم "ذكر" عند العرب مثل "كلثوم" الذي يعني "الفيل".. لكن الإدارة الفرنسية "الحمارة".. سجلت أمامه عبارة "أنثى"!.. وهكذا بقي جدي "ربيعة" امرأة إلى أن جاء الزواج واضطرّ أن يستخرج وثيقة الميلاد لعقد زواج مدني، إضافة إلى عقد القاضي الشرعي. ..قالت لي جدتي إن أباها كان يخشى على أبنائه التجنيد الإجباري فكان لا يسجّل أحدا وإذا سجله يسجله امرأة، فهمت بعدها السبب! من اليوم الأول.. بدأ موسم الضحك.. رغم أن زوجتي لا تحب كثيرا وجود "حنا" في الدار.. فجدتي كثيرة الملاحظة حتى من دون قوة بصر، بقي فيها اللسان طويلا.. والمعدة أيضا! ولهذا زوجتي تتحفظ من وجودها خاصة إذا كانت المدة.. شهر رمضان.. وقليلا من أيام ما بعد العيد! البارحة.. بدأت جدتي أول "كروشاج" مع ابني.. قالت له: روح أقلع "السربدينا" (هكذا تسمي "السبردينا"!) وقد كان من دونها.. قلعها قبل أن يجلس أمامها على كرسي.. لكن، لكونه كان يلبس "بيرميدا" منذ جوان.. اسودت قوائمه السفلى ولم يعد يظهر من بقعة بيضاء فيهما سوى قدميه، كونهنا بقيتا محشوّتين في "أديداص" منذ أكثر من شهرين. المسكينة اعتقدت أنه يلبس "أديداس" فنهرته: روح اقلع علينا هذاك "بومنتل"!.. اقلع عليك هذيك "السربدينا"!.. فأجابها: جدتي.. راني قالعها، ماذا تفعل هي؟.. مسكت نعالة وضربته بها فجاءت في وجهي أنا.. وهي تقول: راني نقول لك روح اقلع علي هذاك "البومنتل"! ماذا فعل هو؟.. ذهب ولبس حذاء أسود وجاء أمامها وجلس فقالت له: هاااكذاك! من الأول أقلع عليك السربدينا، حشومة تقعد قدامنا بهذا "الهركاس"! وانفجر الجميع ضحكا.. إلى ما بعد المغرب.