اليوم الموالي، كان علي أن أنهض باكرا هذه المرة، فقد "سمعت صوتا هاتفا في السحر"، يقول لي والساعة الرابعة صباحا: "شعبان يرحم بوك اليوم شد علي الحانوت راها عندي جنازة، نجي العشية.. غير نهار!" كان صوت عزوز الخضار صديقي. قلت له: ما عليهش، عندي خدمة بصح ما عليهش.. على وجهك! (ما كان عندي لا خدمة ولا زدمة.. كان النعاس ينتظر في هذا ما كان!). في الحقيقة، هذا نبل وكرم مني أني قررت التضحية بيوم من النوم لأجل تعويض صديق في حانوت الخضر فأنا قد سبق وأن اشتغلت معه بضعة أسابيع قبل رمضان، قبل أن أجد عملا أكثر راحة وفائدة: "النوم". غيرت توقيت رنة الهاتف باتجاه الساعة العاشرة، عوض المغرب إلا خمس دقائق! وذهبت للحانوت لأجد عزوز ينتظرني! سلمني المهمة وغادر. أما أنا فلا داعي لأن أقص عليهم كيف وصلت إلى الحانوت على العاشرة وسالما!.. لأن من ينام على الساعة الخامسة ويستيقظ على التاسعة، مثلي، لا يكون بخير! فتحت الخزنة وأرت الخروج، معتقدا أن الباب هو باب البيت وليس باب الخزنة..(الحمد لله أني لم أكن أبحث عن باب "بيت الماء"!). عندها عرفت الاتجاه! الباب إلى الخلف مباشرة. لم أتودر ولم أته! خرجت من الدار بفردة من صندالتي وفردة من نعالة زوجتي! واحدة كحلة وواحدة بيضا! لبست في الظلمة قميصا مقلوبا! الكول للداخل والقفايل على برة! الخياطة بااااينة...على برة! والسروال عربي طويل بدون سلسلة للأمام، يشبه جوكينغ، لكن خيوط الأمام، كانت متدلية للخلف! المشكلة أنها كانت أطول من اللازم، وبلون أسود، وفي نهاية الخيوط المستعملة لضبط الخاصرة وشد الوسط، كانت تنتهي بنواشة تشبه نهاية ذيل "فأرة الخيل"..معناه، كنت أسير بذيل فأرة الخيل! تصورا رجلا أصلع، ببعض الشعيرات خلف الأذنين، بقميص مقلوب، الكول للداخل والأزرار على برة، وبسروال بذيل يجره من خلفه، وبنعالة مزدوجة فردة لزوجته بيضاء بلاستيكية جديدة وفردة أخرى لصندالة كوير سوداء بالية؟..كنت أسير والناس يبدلون طريقهم في مواجهتي. الأطفال كانوا أكثر قلة أدب: يتضاحكون وأنا لا أعرف سر ضحكاتهم: واش بيمات يماهم هذو يضحكون بلا سبة! الناس هبلت! عمرهم ما شافوا واحد صايم ومبكر يخدم؟ وإلا الخدمة في رمضان صارت تضحك؟ كي دارين هذا الناس! من حين لأخر كنت ألتقي أحدا من معارفي، يقول لي السلام فأرد عليه السلام، يطأطئ رأسه ويمر دون زيادة ولا نقصان، رغم أني أرغب أحيانا أن أسألهم عن محمد، الزهرة، خيرة، واش راهم؟ بخير..العربي..؟ كانوا يتركونني ويمرون. قلت في نفسي: رمضان يبدل الناس بهذا الشكل! علاش ما يروحوش يرقدوا خير؟ الناس يغلبهم النعاس حتى الهدرة لا يستطيعون فعلها! مع أننا هذاك فاش ساجيين غير في تشراك الفم..
وصلت ووجدت عزوز الخضار ينتظر! حتى هو لم يطل معي الكلام مثل ما هو معتاد، كلفني بالمهمة وتركني وذهب بدون كلام كثير! لم أفهم! هذا هو عزوز؟. أم فقط لأنه عنده جنازة! نسيت حتى أن أعزي عزوز! لكن عزوز يقل لي من توفي حتى أعزيه، ربما أنه لا يستاهل حتى أن يعزى.. أوووف.. أقصد أن الميت يكون بعيد وليس شرطا أن يكون من أقاربه، فقد يكون هو الآخر ذاهب ليعزي صديقا في صديق في عم أو خال..! وأنا في ماذا أعزي عزوز في كل هذا؟ لكنه بدا لي غريبا معي.. واش بيه؟ كل هذا ولم أتجرأ عن السؤال حول نفسي : واش بيك أنت ياشعبان؟