بينما كان نائب الرئيس الأمريكي جو بايدن في طريقه للقاء الوزير الأول الإسرائيلي بن يامين نتانياهو، قبل أسبوعين في فلسطين، سمع خبرا مفاده أن السلطات الإسرائيلية قررت بناء 1.600 مسكن في مستوطنة جديدة في القدسالشرقية. واعتبر نائب الرئيس الأمريكي أن هذا القرار يشكل صفعة لأمريكا، فقرر العودة إلى مركز إقامته، وعدم لقاء نتانياهو، قبل أن تتدخل أطراف أخرى وتفرض عليه الذهاب إلى الموعد المحدد. هذا ما جاءت به الصحافة الدولية قبل أسبوعين، عند بداية الأزمة الجديدة التي تكون قد ظهرت في العلاقات الأمريكية الإسرائيلية. وركزت التعاليق على غضب نائب الرئيس الأمريكي، مع التذكير أنه من أكبر المساندين لإسرائيل منذ دخل الحياة السياسية. وقالت الصحافة إن هذه المعاملة التي يتلقاها أصدقاء أمريكا أصبحت تزعجهم، ومن الممكن أن تؤدي إلى تغيير في الموقف الأمريكي تجاه إسرائيل.. ولما ذهب الوزير الأول الإسرائيلي هذا الأسبوع إلى واشنطن والتقى الرئيس الأمريكي باراك أوباما، أعلنت السلطات الإسرائيلية عن قرار لبناء منازل أخرى، دائما في القدسالشرقية، دون أن يثير ذلك أزمة في العلاقات بين الطرفين. وكان الطرف الأمريكي قد أكد قبل ذلك أن العلاقات الأمريكية الإسرائيلية مبنية على قواعد لا يمكن أن تتأثر ببعض القضايا الثانوية مثل مصير بناء بعض المساكن. وبذلك تكون طبيعة العلاقة الأمريكية الإسرائيلية قد أعيدت إلى طبيعتها، وهي علاقة لا يمكن أن تتدهور... ومن جهتها، قالت مجموعة الأربع التي تضم أوربا وروسيا والأمم المتحدة والولايات المتحدة، إنها تساند إقامة دولة فلسطينية، وإنها تندد بالقرار الإسرائيلي الذي يوسع الاستيطان في القدس. وجاء في تصريح للأمين الأممي بان كي مون الأسبوع الماضي أن الرباعية تعتبر عمليات الاستيطان مخالفة للقانون الدولي ومخالفة لمساعي السلام، لكن تعاطف الرباعية لم ينفع الفلسطينيين مادامت أمريكا تغضب على إسرائيل في الصبيحة وتعود بعد الظهور لتنسى كل مساوئ إسرائيل. وقد فهم الرئيس الأمريكي باراك أوباما هذا الدرس منذ مدة طويلة، بعد أن ارتكب أول وآخر خطأ حول الشرق الأوسط. فقد قال باراك أوباما لما كان مرشحا للرئاسة إنه لا يوجد شعب عانى مثلما عانى الفلسطينيون، قبل أن تتدخل اللوبيات وتصحح كلامه، وتفرض عليه خطابا جديدا، كما فرضت عليه ابن أحد مؤسسي دولة إسرائبي كأمين عام للبيت الأبيض، وهو أمنوال راهم. ونلاحظ من خلال هذه التصريحات والأحداث ظاهرتين أصبحتا تميز أزمة الشرق الأوسط، أولهما حسن استعمال إسرائيل للفرص السياسية التي تتاح، بينما لا يعرف الفلسطينيون استعمال الأوراق القليلة المتاحة بين أيديهم. واستعمل الإسرائيليون الظرف الحالي لتجربة مدى خضوع أمريكا لسياستهم، فاتخذوا كل القرارات التي يمكن أن تزعج أمريكا، لكن ذلك لم يؤثر شبرا واحدا على مساندة أمريكا لهم، في حين لا يعرف الفلسطينيون استعمال تعاطف الشارع الغربي، وخاصة الأوربي معهم لتحقيق أهدافهم السياسية. أما الظاهرة الثانية، فإنها تتعلق بالتغيير البطيء، لكنه متواصل لصورة إسرائيل في البلدان الغربية. وقد كانت إسرائيل منذ إقامتها تتميز بصورة الدولة البريئة المهددة من طرف العرب، قبل أن تتغير تلك الصورة لتعطي دولة عسكرية وبوليسية يعتبرها الرأي العام الأوربي كأول منبع لتهديد الأمن الدولي. وتشير بعض الأبحاث إلى أن الرأي الأمريكي بدأ يتغير بدوره حيث بدأت نسبة الأمريكيين الذين يعتبرون إسرائيل دولة صديقة وديمقراطية، بدأت تنخفض تدريجيا ولو أن هذا التغيير لم يبلغ بعد ما وصلت إليه في أوربا. ويبقى على الفلسطينيين وعلى من يساندهم من العرب أن يعرفوا كيف يتعاملون مع هذا الواقع. فمن جهة نرى أن الفلسطينيين مازالوا منقسمين، ولم يتفقوا حول صيغة للتفاوض، ولم يتمكنوا من تنظيم أنفسهم لاستعمال أوراقهم بطريقة جيدة. ومن جهة أخرى نرى أن الغرب يفرض عليهم التفاوض في مثل هذا الظرف، لتستغل إسرائيل ضعفهم، وتفرض شروطها. ورغم ذلك فقد اختارت القيادة الفلسطينية أن تفاوض، بينما تمسكت المعارضة برفض أي تفاوض، دون أن تقدم بديلا ذا مصداقية. وهذا ما يهدد الفلسطينيين بكارثة جديدة مهما كان قرارهم.