توفي، الأربعاء، الرئيس الإسرائيلي السابق شيمون بيريز عن عمر بلغ 93 عاماً، لتطوى مع رحيله صفحة القادة المؤسسين لدولة الاحتلال الإسرائيلي. وبعد الإعلان عن وفاته، تسابق زعماء العالم على نعيه بوصفه "حمامة سلام" مع تناسيهم لتاريخه الحافل بالإجرام كقائد في عصابات الهاغانا الصهيونية بالإضافة إلى دوره في تأسيس المشروع النووي الإسرائيلي وصولاً إلى مسؤوليته عن مجزرة قانا في جنوبلبنان. "الشروق أونلاين" يسلط الضوء على أبرز المحطات في حياة آخر "القادة الأحباء" في الدولة العبرية، بعد أن رحل في السنين الماضية دافيد بن غوريون ومناحيم بيغين وأرييل شارون وإسحق رابين. بداية حياته ولد شيمون بيريز في عام 1923 في مدينة فيشنييفه في بولندا (أو روسيا البيضاء -بيلاروسيا- حسب الحدود الدولية الحالية) وكان اسمه شيمون بيرزسكي. كان أبوه تاجر أخشاب أما أمه فكانت أمينة مكتبة ومعلمة للغة الروسية. هاجرت عائلته إلى فلسطين في عام 1934 (أيام الانتداب البريطاني) واستقرت في مدينة تل أبيب (يافا) التي أصبحت في تلك الأيام مركزاً للمجتمع اليهودي، تعلم بيريز في مدرسة "غيئولا" في تل أبيب ثم واصل دراساته في المدرسة الزراعية "بن شيمن" قرب مدينة اللد، وفي 1940 انضم إلى مؤسسي مستوطنة "ألوموت" الواقعة بين مرج بيسان وبحيرة طبريا. في 1947 انضم إلى قيادة الهاغانا الصهيونية (منظمة عسكرية صهيونية استيطانية أُسست في القدس عام 1920) التي تعتبر مسؤولة عن تنفيذ الكثير من الهجمات والمجازر ضد الفلسطينيين خلال فترة الانتداب البريطاني لفلسطين قبل عام 1948، وقد أولي لبيريز عدة مهمات خاصة فيها، ولاسيما في مجال القوة البشرية، والمقتنيات العسكرية، والبحوث الأمنية. في ذلك الحين عمل مع دافيد بن غوريون وليفي أشكول من أهم السياسيين الإسرائيليين واللذان أصبحا من كبار زعماء دولة "إسرائيل" بعد تأسيسها في ماي 1948 على أرض فلسطين التاريخية، فانضم بيريز إلى مجموعة أنصار بن غوريون حيث يعتبره بيريز راعيه السياسي. عمله السياسي في خمسينيات وستينيات القرن العشرين، عمل بيريز كدبلوماسي في وزارة الدفاع الإسرائيلية وكانت مهمته جمع السلاح اللازم لدولة "إسرائيل" الحديثة. في 1949 تعين بيريز رئيساً لبعثة وزارة الدفاع الإسرائيلية إلى الولاياتالمتحدة. في 1952 عينه بن غوريون في منصب نائب المدير العام لوزارة الدفاع الإسرائيلية ثم أصبح المدير العام في 1953، ونجح بيريز في الحصول على المقاتلة "ميراج 3"، وبناء المفاعل النووي الإسرائيلي (مفاعل ديمونة) من الحكومة الفرنسية. كذلك نظم بيريز التعاون العسكري مع فرنسا الذي أدى إلى الهجوم على مصر في أكتوبر 1956 ضمن العدوان الثلاثي. وفي 1959، بعد انتخابه للمرة الأولى عضواً في الكنيست (البرلمان) الإسرائيلي، عُيّن نائباً لوزير الدفاع الإسرائيلي آنذاك دافيد بن غوريون، وظل في منصبه هذا ست سنوات حيث أقام الصناعة الجوية والصناعة الإلكترونية والنووية وسلطة تطوير الوسائل القتالية، فضلاً عن كونه مؤسس البرنامج النووي الإسرائيلي. كان بيريز عضواً في الكنيست مدة 48 عاماً، وهي أطول فترة عضوية في تاريخ البرلمان، وعمل كوزير في 12 حكومة. وتولى بيريز رئاسة الحكومة مرتين (1984-1986 و1995-1996)، وشغل منصب نائب لوزير الدفاع تحت قيادة بن غوريون (1959-1965)، وكان وزيراً للمالية (1986-1987)، ووزيراً للدفاع (1974-1977 و1995-1996)، ووزيراً للخارجية (1986-1988 و2001-2002). وفي 15 جويلية 2007، أدى شمعون بيريز القَسم رئيساً تاسعاً لدولة "إسرائيل" حتى 24 جويلية 2014. حصوله على جائزة نوبل للسلام! خلال شغله منصب وزير الخارجية في حكومة إسحق رابين الثانية، أدار بيريز عملية السلام مع الفلسطينيين، فقاد المفاوضات السرية التي أجريت في العاصمة النرويجية أوسلو والتي انتهت بتوقيع اتفاق سلام في مراسيم احتفالية عُقدت في البيت الأبيض في 13 سبتمبر 1993. وعرف بيريز بحديثه الحماسي المتكرر عن أهمية تحقيق السلام والوئام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، غير أنه ظل متمسكاً مثل باقي قادة الدولة العبرية باستمرار احتلال معظم الأراضي العربية وفي مقدمتها القدس الشرقية. وقد حاز رابين والرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات وبيريز على جائزة نوبل للسلام لعام 1994، عن دورهم في التوصل إلى اتفاق أوسلو الذي يعتبر اليوم ميتاً. مجزرة قانا بعد أن حصل بيريز على جائزة نوبل للسلام بعامين، وخلال توليه رئاسة الحكومة، نفذ جيش الاحتلال الإسرائيلي مجزرة قانا في جنوبلبنان عام 1996، ما أدى إلى قتل العشرات من اللبنانيين، بينهم أطفال. وعلى الرغم مما عُرف عنه عالمياً بأنه "رجل سلام"، يُمثل بيريز بالنسبة للعرب قاتل الأطفال في مجزرة قانا جنوبيلبنان في عام 1996، حيث تمت في مركز قيادة فيجي التابع لقوات الأممالمتحدة (يونيفيل) في قرية قانا جنوبلبنان، حين قامت قوات الاحتلال الإسرائيلي بقصف المقر بعد لجوء المدنيين إليه هرباً من عملية "عناقيد الغضب" التي شنتها "إسرائيل" على لبنان. وأدى قصف المقر إلى استشهاد 106 من المدنيين وإصابة الكثير بجروح، ففي الثامن عشر من أفريل عام 1996 أطلقت المدفعية الإسرائيلية نيرانها على مجمع مقر الكتيبة (الفيجية) التابعة لقوة الأممالمتحدة المؤقتة في لبنان، في ذلك الوقت كان ما يزيد على 800 مدني لبناني قد لجؤوا إلى المجمع طلباً للمأوى والحماية فتناثرت أشلاء ما يقرب من 250 قتيلاً وجريحاً، حمل 18 منهم لقب مجهول يوم دفنه. أنكر شيمون بيريز رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك "معرفة جيش الاحتلال بوجود مدنيين في مقر الأممالمتحدة"، إلا أن الجنرال موشيه ايلون رئيس الاستخبارات العسكرية قال "إن ضباط الجيش الإسرائيلي علموا بوجود لاجئين مدنيين في مركز الأممالمتحدة ". وعلى إثر هذه المجزرة اجتمع أعضاء مجلس الأمن الدولي للتصويت على قرار يدين "إسرائيل" ولكن الولاياتالمتحدة أجهضت القرار باستخدام حق النقض (الفيتو). بعد هذا الموجز عن التاريخ الإجرامي لشيمون بيريز، يبقى التساؤل عن أي "رجل سلام" يتحدثون في الغرب، أم ترانا نعيش في عالم مواز يقلب الحقائق والوقائع ويوصف الجلاد بالضحية.