ما يجري على أرض اليمن لا يمكن وصفه إلا حالة من حالات الصرع التي أصابت العقل العربي في مواجهة استحقاقات السيادة والكرامة.. فليس من المنطقي او المصلحة مواصلة الدمار الذاتي في منطقة عربية القاتل والمقتول فيها هم من العرب، بل ومن قبائل عربية واحدة او متصاهرة يجمعها تاريخٌ واحد ودين واحد.. ليس مهمًّا الآن التذكير بتجاوزات الجميع في حق انفسهم.. فاليمنيون كانوا في منأى عن هذه الورطة لو أنهم تفاهموا وقنعوا بما لهم من مشاركة وتركوا الباب مفتوحا للجميع.. ان استقواء بعضهم على بعضهم الآخر ومحاولة الاستفراد التي هتفت بنفوس بعض اليمينيين استدعت نفيرا مضادا في بقية اليمن التي استنجدت بالمحيط.. لم يكن المحيط العربي والإسلامي ناصحا لليمن ولا مخلصا في حل التنازع اليمني.. المحيط العربي والإسلامي ذهب لتشكيل تحالف لضرب اليمن وتدمير اليمن وقتل اليمن بحجة ان هناك تجاوزا من احد أطرافه على الكل اليمني.. الآن ليس مهمًّا الحديث عن مبررات كل طرف في المعركة.. الآن لابد ان يفهم كل طرف انه لم يجن الا الخسران على صعيد ضميره وماله وثرواته ودمه، فالحرب ان كان من السهل التحكم في بدايتها فإنه من غير المتوقع ان يسيطر على المشهد.. الآن قد اصبح واضحا ان التنازع على الحكم ليس مبررا لكي يتم استعداء شركاء الوطن.. وينبغي ان يفهم الجيران العرب ان نفوذهم ومجالهم الحيوي لا يتحقق بالدمار والتخريب إنما بالمحبة والمودة والمساعدة فلقد كان اليمن بحاجة إلى جزء من هذه المليارات المنفَقة في اسلحة الدمار كان اليمن بحاجة إليها في بنيته التحتية وإقامة شبكة أمان اجتماعي لبلدٍ يضربه الفقر والجوع من كل جهة.. لقد كان اليمن بحاجة إلى ان يجني ثمرة انتفاضته العظيمة بدولة لا يهيمن عليها حزب ولا مجموعة ولا مليشيا.. اليمن بحاجة لدولة تعتني بابنائه وتقيم له مؤسسات وكيانات تحمي ثرواتهم وتنمّي قدراتهم وتستثمر في كل ما لديهم من ثقافة وعلوم وخلق وموقع استراتيجي. المبادرات الدولية والمبعوثون الدوليون هم أسوأ وصفة لاستمرار الأزمة.. وهم لا يحملون الا الخبث والنصائح لكي تتواصل الخلافات والعداوة بين أصحاب البلد الواحد.. وهنا يجد اليمنيون ان مستقبلهم مرهونٌ بتوافقهم ولن يغنيهم احد من الجوار او من عالمهم الإسلامي الكبير عن التوافق الداخلي.. اليمنيون وليس سواهم هم المعنيون بالتنازلات لبعضهم بعض بعيدا عن المَحاور في المنطقة.. ان اليمن القويّ المتماسك مصلحةٌ حقيقية لكل الجوار العربي، فهو الحارس على البحر الأحمر، وهو بوابة لعالم من البحار والثقافات وممر لخطوط النفط الكبرى.. ان اليمن القويّ هو الحارس على حدود الجزيرة من اخطر مواقعها.. محليا واقليميا واسلاميا ينبغي ان يفهم الجميع ان وحدة اليمن بكل طيفه ومكوّنه هو لمصلحة الجميع، كما ينبغي ان يفهم اليمنيون بكل طيفهم انهم أولى ببعضهم وانهم، هم لا سواهم، ينبغي ان يحسموا أمرهم بضرورة الحوار البيني ومغادرة مربع الاستقواء على بعضهم.. تولانا الله برحمته.