يبدو أن ثقافة حقوق الانسان ليست راسخة فى ممارسة مسؤولينا، فهي مجرد ثقافة لا أثر لها على مستوى الممارسة الرسمية والتشريعات ، كما أنه -أحيانا- البعض رغم إجحافه فى حق العديد من النصوص الأساسية المقررة لحق الخصوصية ما زال يتعمل بعقلية "معزة ولو طرت"، فإننى بدائيا لم أقرأ الأستمارة الخاصة بإصدار بطاقة التعريف البيومترية، ولكن أجمع الكثير على أنها تتعارض بالخدش والنبش مع حق الخصوصية، من خلال طرح أسئلة لا موقع لها من الإعراب؛ ولا مكانة لها في دولة القانون والحق، فنقولها بدون تحفظ إن حق الخصوصية.. وسرية المعلومات من الحقوق الشخصية المقدسة التي هي محل تشريعات واتفاقيات دولية تصونها من أي انتهاك، والمؤسف في ذلك أن هذا المشهد يتم أمام سكوت مطبق لبعض الهيئات يفترض فيها حسب رسالتها الدفاع عن حقوق الإنسان بدون تردد أو هوادة؟!... * * فحق الخصوصية في الوثائق البيومترية قد انتهك ماديا ومعنويا، سواء بفرض حلق اللحية أو تخفيفها؛ أو نزع الخمار أو إعادة ترتيبه بما يسمح للأذنين من الظهور على الصورة أو طرح أسئلة جد خاصة ذات طابع أمني ليس لها مبرر... فالمواطنة وحقوقها لا تحتاج إلى تزكيات من طرف أشخاص.. كما لا تحتاج لتبريرها من خلال الإجابة على بعض التساؤلات أقل ما يقال عنها إنها غير جامدة، وقابلة للإيجابية أو السلبية مع مرور الزمن؟! * فخدش حق الخصوصية هو إنقاص للديمقراطية وتقويضها!!... * * هذا "الحق" الذي اعترف به الدستور الجزائري؛ حاليا هو محل اختبار عسير رغم حسن النويا، وفي المقابل النويا عادة لا تدخل الجنة بل الأفعال، بقدر -أحيانا- ما تسبب مآسي على شاكلة غفلة الصالحين، فالمعلومات الجد الخاصة المطلوبة في الاستمارة قد تكون في متناول العديد من الأفراد والموظفين من البلدية بداية ومرورا إلى مكان إصدار هذه الوثائق، وعليه قد تكون عرضة للتلاع والابتزاز و المناورة، كما أنه طرح بعض الأسئلة قد لا يتحملها لا نطاق الوثيقة المستخرجة البيومترية؛ ولا طبيعة المعاملة، مما يدفعنا لطرح العديد من التساؤلات؟!... وإنني لن أدخل في المرافق المطلوبة مع الاستمارة، والتي تثقل كاهل المواطن البسيط، فتحديث وثيقة أو إدارة دون غيرها، كالنقطة البيضاء التي تكون في محيط أسود لا أثر لها... فيوميا نسمع أو نقرأ شكاوى المواطنين حول ندرة شهادة الميلاد رقم ((12... أو غيرها من الوثائق الأخرى!!... * * ولذلك فإن حديثنا عن الوثائق البيومترية أو اللحية أو الحجاب.. ليس حديث "كهوف" حسب أحد السياسين... بل هو حديث وجودي فلسفي، "فصلت" فيه العديد من الدول التي تحترم حقوق الإنسان منذ مدة بعنوان كبير أسمته بحق "الخصوصية"، ثم تبعته بمعايير دولية متعارف عليها! فأصبحت العديد من الدول ملزمة بها.. * * "فالكهف الوحيد"؛ أو حديث "الكهوف" ينطبق حسب قناعتي على طبقتنا السياسية التي ينطبق عليها حديث أهل الكهف بوصفهم على أنهم تحسبهم أيقاظ وهم رقود، فهم (الطبقة السياسية) في سبات عميق لا يجيدون فعلا سوى رفع الأيدي أو التصفيق، وتلك بدعة جزائرية أخرى تضاف إليهم... * * وإنني كتبت العمود من منطلق أن الشواهد كلها تدل على أن حق الخصوصية بات على قوس أو أدنى من اختطافه وتلوينه حسب القناعات الشخصية وليست قناعة القانون ومخرجاته!!... * * ومما مازد في استفزازي، وتحمسي لكتابة مقال اليوم حول حق الخصوصية، أن العديد من أحزابنا ونوابنا يعتبرون موظفين أكثر من مناضلين في هذه المسألة متخلين عن قناعتهم، منطلقاتهم تتبخر، وتتيه في دوامه دهاليس السلطة والسياسة!! فحتى بعض الأجنحة في السلطة التي توصف بالمحافظة لم تخرج فتواها السياسية بكل وضوح؛ أو بالأحرى لم تكون لها الشجاعة السياسية في إصدار فتواها!. * * كما أنني أتعجب أن العديد من الدول التي سبقتنا في هذه الإجراءات -وعلى فكرة نحن متأخرون في إصدار هذه الوثائق، فموريتانيا ومالي والمغرب وتونس... الخ لها سبق في تحديث وثائقها- لم تعرف النزاع المحتدم في الجزائر بين المواصفات الجزائرية في الوثائق البيومترية... كما أنه لم تقس قيمة الوثائق بطول اللحية، أو الشعر أو الخمار أو.... إلخ في قوانين المنظمة الدولية للطيران المدني أو في بعض الأنظمة المقارنة (الولاياتالمتحدة، فرنسا، السوق الاوروبية المشتركة)... إلخ. * * هذه بعض الملاحظات، حاولت ذكرها من باب الساكت عن الحق شيطان أخرس، وأعتقد -حسب فهمي- إجبار البعض على تصرف معين أثناء التصوير للجواز السفر أو بطاقة التعريف البيومتري، أو طرح أسئلة تدخل سافر لإدارة في حقوق الافراد الشخصية، ودخول بالقوة وبدون طرق الباب!!.. فهو مناف لمبادئ وقيم حقوق الإنسان والشرعية الدولية... * * وفي الأخير، سأسرد بعض المواد من الدستور؛ التي تنص على قداسة هذا الحق، فالمادة ((29 تنص مثلا على أنه لا يمكن أن يتدرع بأي تمييز يعود سببه إلى المولد، أو العرق أو الجنس أو الرأي أو أي شرط أو طرف آخر أو ... والمادة ((34 تلزم وتجبر الدولة على عدم انتهاك حرمة الإنسان أو أي مساس بالكرامة، والمادة ((36 تجزم أنه لا مساس بحرمة حرية المعتقد وحرمة حرية الرأي أو حرمة حياة المواطن الخاصة وحرمة شرفة (المادة 39)... والشواهد قد تزداد وتكثر...