الدكتور خالد حسين مدير مركز السودان للبحوث والدراسات الإستراتيجية بوش ساعد الحركة الشعبية لإسقاط البشير بعد موت قرنق أوباما يعارض الانفصال ..والكرة الآن في ملعب البشير يرى الدكتور خالد حسين، مدير مركز السودان للبحوث والدراسات الإستراتيجية في هذا الحوار الذي أجرته معه (الشروق اليومي) في الخرطوم أن بلده السودان مقبل على مرحلة جد صعبة تتمثل في استفتاء تقرير مصير الجنوب. واعتبر أن تكاثف القوى السياسية في حكومة قومية مهم جدا لتفادي تقسيم السودان الذي قال إنه سيكون كارثة على هوية السودان والعرب ككل. كما أوضح المحلل السوداني أن الكرة الآن هي في ملعب الرئيس البشير وحزبه للتعامل مع إدارة باراك أوباما المعارضة لانفصال الجنوب السوداني عن شماله .. كيف تقيّمون العملية الانتخابية التي جرت منذ أيام في السودان؟ مهما قيل من كلام ومهما ارتكب من أخطاء وتجاوزات، أعتقد أن هذه الانتخابات ستؤدي إلى تحوّل كامل في الحياة السياسية السودانية، لأنها تشكل أحد البنود الأساسية في اتفاقية نيفاشا الذي أنهى حرب الشمال والجنوب ونص أيضا على إجراء استفتاء تقرير مصير الجنوب في ظل حكومة منتخبة. وبالتالي فإن تنظيم هذه الانتخابات يؤكد الحرص على تنفيذ الاتفاقية حتى نهايتها، بالإضافة إلى ذلك تؤكد نسبة المشاركة المرتفعة في مجمل الولايات المشاركة في العملية الانتخابية أن الشعب السوداني حريص جدا على التغيير وعلى التحوّل الديمقراطي، حيث نلاحظ أن شريحة واسعة من الشباب أعطت الإجابة الشافية للأحزاب التي قاطعت والتي رفضت المشاركة في العملية الانتخابية. وأعتقد أن المقاطعة كانت لأهداف سياسية وليست لأسباب قانونية وانتخابية، لأن كل الأحزاب شاركت في البداية في العملية الانتخابية، في التسجيل وفي الطعون وفي الترشيح، ولكن بمجرد أن بدأت الحملة الانتخابية وشعرت هذه الأحزاب أن حظوظها في الفوز ضئيلة بدأت تفكر في المقاطعة والانسحاب. ولكن الأحزاب السودانية مثلها مثل بقية الأحزاب العربية لا ترى جدوى مشاركتها في انتخابات يهمين فيها الحزب الحاكم على كل شيء؟ هناك مفارقتين في أحزابنا العربية التي هي للأسف الشديد متخلفة جدا عن الشعوب، المفارقة الأولى في العراق، حيث شككّت الحكومة في الانتخابات، رغم أنها هي من نظمتها. والمفارقة الثانية تجسدت في السودان، فليس هناك أحزاب معارضة في العالم ترفض المشاركة في الانتخابات، بل أن المعارضة هي التي تسعى لتنظيمها من أجل إسقاط الحكومة. وانتخابات هذا العام في السودان نالت اهتماما دوليا يستحيل معه أن تحدث عمليات تزوير، فقد راقبها 130 مراقب من الاتحاد الأوروبي، بالإضافة إلى مركز كارتر بكل ثقله واهتمامه، وكذلك الاتحاد الإفريقي ومنظمة المؤتمر الإسلامي والجامعة العربية. كما أن قانون الانتخابات أعطى الحق لأي مرشح كي يكون لديه وكيلا في مكان الاقتراع. وبالتالي مسألة التزوير في تقديري غير واردة على الإطلاق من الناحية العملية. وأرى أن الأحزاب لم تأخذ هذه الأمور بجدية لأنها لم تكن راغبة منذ البداية المشاركة في الانتخابات، وإنما كان هدفها إسقاط النظام الحالي. وشعرت من خلال الحملة الانتخابية أنها غير قادرة على ذلك بما فيها قيادات الجنوب، وخاصة بعد الالتفاف الشعبي حول الحزب الحاكم. أما الحزب الحاكم فقد كان يريد أن يفوز في هذه الانتخابات بصورة نزيهة أو مرضية على الأقل وخاصة بعد التقارب الذي حصل بينه وبين الولاياتالمتحدة. ما هو تصوّركم لشكل الحكومة القادمة؟ يفترض أن يأخذ السودان الآن بكل التجارب الموجودة في العالم لكي يحدد بها شكل الحكومة القادمة، وأعتقد أن التجربة اللبنانية هي واحدة من التجارب المهمة جدا في هذا المجال. فقد حصلت مجموعة من المتغيرات ما كانت موجودة من قبل في السودان ساهمت فيها بشكل كبير الأحزاب والمؤتمر الوطني الحاكم. وهذه المتغيرات هي: أن أي إقليم يريد التمتع بحكم نفسه يريد التمتع بحكم ثرواته، وثانيا أن النعرة القبلية انتشرت بشكل كبير وظهرت في ممارسة كل الأحزاب بدون استثناء، وحتى الحركة الإسلامية عندما كانت موحدة تحت قيادة حسن الترابي كانت تحصل على الدعم الشعبي عن طريق القبائل وما كانت تحسب حساب لهذا التحوّل. والآن للأسف تعمقت النعرة القبلية وأصبحت جزءا من التكوين السياسي، فلا يستطيع الحزب الحاكم أن يحكم السودان ولو حاز على الأغلبية ولن يستطيع أي حزب آخر أن يحكم السودان إذا أراد استبعاد الحزب الحاكم، وبالتالي لا بد أن يكون هناك تفكير لشكل من أشكال الحكم تكون فيه المشاركة والمساهمة بالنسبة لكل الأطياف. وأعتقد أن الأخذ بنظام التمثيل النسبي في الانتخابات، هو أمر ممتاز لأنه يتيح التمثيل لكل الأطياف السياسية في السودان، كما أن الدعوة التي وجهها المؤتمر الحاكم والخاصة بتشكيل حكومة قومية تشارك فيها المعارضة موفقة جدا وستؤدي إلى إرساء الاستقرار في البلاد. وبالمناسبة، كلهم جربوا أنفسهم، كل الأحزاب المعارضة قاتلت الحزب الحاكم، لكنها لم تستطع إزاحته عن السلطة، والمؤتمر الوطني بدوره استعمل كل أساليب العنف ضد أحزاب المعارضة لكن الحكم لم يستقر له داخل السودان. وأرى أن مشاركة المؤتمر الوطني الحاكم وحزب الأمة وحزب الاتحاد الديمقراطي، وهو حزب عريق أيضا في الحكومة القادمة سيؤدي إلى تكتل التيار العروبي والإسلامي، ولكن من الخطورة جدا عدم إشراك الحركة الشعبية لأن ذلك سيؤدي إلى تشكيل تيار جنوبي آخر يمثل المسيحيين وغير المسلمين، وأمثل تحالف يمكن أن يحقق مصلحة السودان هو أن يكون هناك تزاوجا بين الحركة الشعبية والمؤتمر الوطني الحاكم وبقية الأحزاب الكبيرة. ولا بد أن يتم التوافق على برنامج يتم من خلاله تجاوز المرحلة القادمة والتي ستكون عصيبة جدا، حيث سيجرى استفتاء تقرير مصير الجنوب. ولو لم يتكاثف السودانيون في هذه المرحلة سيصلون لقرار مؤسف جدا وهو بداية تقسيم لكل السودان. هل تعتقدون أن السودان أخطأ عندما وافق على تقرير مصير الجنوب؟ نعم أنا أعتقد أن هذه واحدة من الأخطاء الكبيرة جدا التي تضمنتها اتفاقية نيفاشا، فمن وجهة القانون الدولي فإن تقرير المصير هو حق بالنسبة للشعوب التي كانت مستعمرة من طرف دولة أخرى وليست بواسطة شعب أو مجموعة من السكان داخل دولة واحدة، وكل التجارب الموجودة في العالم والموجودة في القانون الدولي تتحدث عن هذا الأمر. وأنا شخصيا عملت بحث عن تقرير المصير. وحتى التجارب التي تمت في الاتحاد السوفيتي سابقا ويوغسلافيا كانت عبارة عن دول توافقت في ما بينها، كما أن دستور هذه الدول مبني على الانفصال. في السودان الوضع يختلف وعندما توصلوا إلى اتفاقية نيفاشا اتفقوا على الوحدة الجاذبة، أي أن بعمل شريكا الحكم على تحقيق الوحدة الشاملة، وكان جون قرنق سياسيا محنكا ينادي بوحدة السودان، وكان يردد عبارة "لا أستطيع أن أحكم السودان بدون المؤتمر الوطني .." ولكن بعد موت قرنق ظهرت مجموعة العقائديين داخل الحركة الشعبية لتحرير السودان وأصبحت تتكلم عن الانفصال حتى أصبحت هذه الكلمة جزءا من الثقافة السائدة بين مواطني الجنوب. ولو جرى الاستفتاء اليوم لجاءت النتيجة نعم للانفصال. وللأسف الإدارة الأمريكية السابقة ساعدت هذه المجموعة بصورة كبيرة جدا، حيث اتفقت معها على العمل من أجل خلق الفوضى في السودان وإسقاط المؤتمر الوطني. والدليل على ذلك أن رئيس الحركة الشعبية سيلفا كير قرر إعفاء لام اكول من منصب وزير الخارجية مباشرة بعد الزيارة التي قام بها إلى واشنطن. والسبب أن اكول كان يتصرف كوزير للسودان وليس للحركة الشعبية. ومن خلال قراءتي لممارسات الحركة الشعبية أقول أنها لا تعمل لمصلحة السودان ولا تلتزم بمبادئ اتفاقية نيفاشا التي تؤكد على أن المواطنة هي المقياس والمعيار. ورغم التقارب الموجود حاليا بين سيلفا كير والمؤتمر الوطني، إلا أنني أعتقد أن كير لا يعتبره تقاربا استراتيجيا بل أنه يأخذه من جانب مصلحي باعتبار أن هناك صراعا كبيرا داخل الحركة الشعبية ظهر خلال هذه الانتخابات. وعندما كان كير يدعو خلال الحملة الانتخابية إلى التصويت لصالح الرئيس عمر البشير كان ذلك من باب مصلحته الشخصية فقط. وإذا كانت معظم القوى الدولية هي الآن مع الوحدة فيمكنها أن تتعامل مع الانفصال، وقد قال المبعوث الأمريكي "نحن نسعى لميلاد دولة عن طريق طلاق مدني .."، بمعنى أن الولاياتالمتحدة حريصة على قيام دولة في جنوب السودان ما لم تؤد إلى قيام حرب أخرى. وهناك قوى قوية جدا ومؤثرة في العالم تريد انفصال الجنوب وتريد قيام دولة مسيحية هناك، لكن هناك قوى أخرى في إفريقيا ترفض هذا الأمر لأنه يمكن أن يكون نموذجا يتكرر في القارة. والدول الثلاث التي ترفض بشدة انفصال الجنوب السوداني عن شماله هي: أوغندا وكينيا وأثيوبيا. ما هي مخاطر انفصال الجنوب على الهوية السودانية؟ أول شيء يجب أن يدرك الشعب السوداني حقيقة واحدة، وهي أن انفصال الجنوب لن يؤدي إلى قيام دولة ناجحة في الجنوب ولا دولة ناجحة في الشمال. وقد تحدثت مجموعة من التقارير الدولية وبينها تقارير مجموعة الأزمات الدولية التي كانت تدعم الانفصال. هذه الجهات وبعد التوجه الأخير للإدارة الأمريكية أصبحت تقول أن وجود دولة ضعيفة في السودان أفضل من وجود دولتين منهارتين. إذا حصل الانفصال ستكون كارثة ليس على الهوية السودانية فقط وإنما على كل أطراف السودان التي ستطالب هي الأخرى بالانفصال. وثانيا أن الجنوب لا يملك مقومات دولة وتجربة الحركة الشعبية خلال الخمس سنوات الماضية أثبتت فشلها في جميع الاتجاهات وهذا كلام المحللين الدوليين المهتمين بالشأن السوداني. كما أن الانفصال سيكون كارثة على المنطقة العربية كلها وسيمتد إلى جميع القارة الإفريقية، وذلك سيؤثر على المصالح الأمريكية الموجودة في القارة. يفهم من كلامكم أن أوباما يعارض انفصال الجنوب، كيف ذلك؟ باراك أوباما جاء إلى السلطة وفق شعار التغيير، وهو شعار حقيقي، لكن للأسف هناك كمية من الكوابح تقف أمامه سواء من طرف الجمهوريين أو المحافظين الجدد، ومع ذلك فقد حقق أوباما أولى نجاحاته على مستوى التأمين الصحي الذي كان مطروحا منذ عهد إيزنهاور. ومن خلال الخطابات التي ألقاها في انقرة والقاهرة وكينيا قدم أوباما بعض المؤشرات، من بينها أنه سيعمل على احترام شكل الحكم في الدول وسيستخدم الأسلوب الديمقراطي بدل القوة مثلما كان يفعل سلفه جورج بوش. في موضوع السودان عين اوباما مبعوثا خاصا له هو اسكوت غرايشون، وهو صديق شخصي له وعاش فترة طويلة في إفريقيا. ووضعت الإستراتيجية الأمريكيةالجديدة إزاء السودان من طرف سيدة تدعى ساناتا وكانت ضمن فريق الحملة الانتخابية لأوباما في 2008 لكنها عزلت منها بعدما وصفت هيلاري كلينتون وقتها ب الصرصورة. هذه الإستراتيجية هي عبارة عن توفيق بين رأيين متجاذبين داخل الإدارة الأمريكية، الأول متشدد ويسلك نفس النهج القديم إزاء السودان والثاني موضوعي، وأوكلت مهمة تنفيذ الإستراتيجية إلى غرايشون الذي وضع أهدافا محددة، أولها التعاون مع كل الأطراف السودانية بالتساوي وذلك وفق ماتنص عليه اتفاقية نيفاشا وثانيا مساعدة السودان من الانهيار لأنه لو حصل ذلك سيصبح دولة فاشلة وملاذ لتنظيم القاعدة مثل الصومال، وهذا يعني تهديد المصالح الأمريكية . وبدأ غرايشون مهمته خلال العملية الانتخابية الأخيرة، حيث انتقل إلى الخرطوم واستمع لكل الأطراف بما فيها المؤتمر الوطني الحاكم، وهو أول تعامل أمريكي معه منذ 1989 . ورأت الإدارة الأمريكية أن الانتخابات لا بد أن تكون في موعدها لأنها جزء من اتفاقية نيفاشا وستتبع باستفتاء تقرير مصير الجنوب، وهناك اتفقت مع المؤتمر الوطني الذي يتزعمه الرئيس البشير. وتجدر الإشارة هنا إلى أن غرايشون تعرض لانتقاد شديد من طرف بعض القوى داخل الإدارة الأمريكية إلى درجة أن بعض الصحف كتبت تقول أن غرايشون أصبح يحمل جنسية مزدوجة. وحتى بعض الأحزاب السودانية التي كانت مدللة في عهد بوش هاجمت غرايشون. ومن كل ذلك، اعتقد أوباما يسعى هذه المرة إلى تحقيق نصر على المستوى الدولي وذلك من خلال الملف السوداني بعدما فشل في العراق وأفغانستان وفلسطين. هل يعني أن التفاهم بين أوباما والمؤتمر الوطني سينعكس بالإيجاب على قضية دارفور؟ في السياسية ليس هناك عدو دائم ولا صديق دائم وإنما هناك مصالح دائمة، وأعتقد أن الكرة الآن في ملعب المؤتمر الوطني، وعليه أن يكبح على الأقل جناح الحنابلة الموجودين داخل الحزب والرافضين للتعامل مع أمريكا. أرى أن هناك فرصة متاحة بشكل كبير للمؤتمر الوطني وللسودان كي يتعاملوا مع القوة الأولى في العالم من أجل الخروج من النفق المظلم الذي أدخلهم فيه بوش والمحافظين الذين كانوا يسعون إلى إسقاط نظام البشير. وإذا لم ينتبه السودانيون لهذه المسألة سيضيّعون الفرصة ونحن العرب للأسف معروفون بتضييع الفرص..