أعاد فوز المرشح إيمانويل ماكرون بسباق الانتخابات الرئاسية الفرنسية، الوعود التي أطلقها خلال زيارته للجزائر إلى الواجهة، وبات الوفاء بالتزامه تجاه الجزائر بعد أن أصبح مسؤولا أولا في الدولة الفرنسية أكثر إلحاحا. السلطات الجزائرية لم تفوت فرصة انتخاب ماكرون كي تذكّره بدورها، بموقفه من الماضي الاستعماري لبلاده في للجزائر، وتكمن أهمية هذا التذكير في كونه جاء على لسان القاضي الأول، في رسالة التهنئة التي وجهها إليه بمناسبة هزيمته لزعيمة اليمين المتطرف، مارين لوبان، وهي التهنئة التي لم تخل من الرسائل المشفرة والمباشرة. الرئيس بوتفليقة خاطب ماكرون قائلا: "في سياق انطلاق مسيرتكم الباهرة صوب تحقيق غايتكم الوطنية السامية، أضافت إلى الرصيد المشترك بين بلدينا، موقفكم المبدئي المتميز بالإقدام السياسي والإخلاص الإنساني المنقطع النظير حيال الاستعمار وطبيعته التي لا تغتفر.. إن ذلكم الموقف الرائد الذي صدر منكم، يضعكم طبيعيا وشرعيا في الموقع المرموق، موقع الفاعل المقتنع والمقنع في عملية استكمال مصالحة حقيقية بين بلدينا في إطار احترام القيم الذاتية للشعوب". وكان ماكرون قد زار الجزائر في فيفري المنصرم بينما كان بصدد التحضير لخوضه سباق الرئاسيات الفرنسية، وقد استقبل حينها من كبار المسؤولين في الدولة الجزائرية وحظي باستقبال أشبه ما يكون بذلك المخصص للرؤساء، كما صنع الحدث بتصريحه المثير والذي قال فيه: "إن الاستعمار جزء من التاريخ الفرنسي. إنه جريمة، جريمة ضد الإنسانية، إنه وحشية حقيقية وهو جزء من هذا الماضي الذي يجب أن نواجهه بتقديم الاعتذار لمن ارتكبنا بحقهم هذه الممارسات". غير أن هذه التصريحات جلبت له وابلا من الانتقادات من قبل أوساط سياسية معروفة بعلاقاتها بالدوائر التي لا تزال تحن ل "حلم الجزائر الفرنسية"، مثل الأقدام السوداء و"الحركى"، الذين يحوزون على سطوة كبيرة، بين أوساط اليمين واليمين المتطرف، بل إن الغضب من تصريح ماكرون تجسد في دعاوى قضائية رفعت ضده من قبل هذه الأطراف، ولعل هذا المعطى هو الذي كان وراء مراجعة ماكرون للتصريح الذي أطلقه من الجزائر، عندما تراجع عن اعتباره "الاستعمار جريمة حرب"، خوفا من إمكانية تعرض من تبقى من سياسيي وعسكريي فرنسا الاستعمارية على قيد الحياة، للمتابعة القضائية على مستوى المحاكم المحلية أو الدولية. كما لم تحظ تصريحات ماكرون بالاهتمام المنتظر من قبل المسؤولين الجزائريين، فغالبيتهم اعتبروها تصريحات بخلفية انتخابية هدفها كسب أصوات الجالية الجزائرية، ولم لا الحصول على دعم من الدولة الجزائرية في المعركة الانتخابية التي كان سيخوضها، لاسيما وهو أعزل من قاعدة حزبية قادرة على ضمان توفير الدعم اللوجيستي له. ويبدو أن ما قرأه المسؤولون الجزائريون من تصريحات ماكرون، نابعة من تجربة طويلة ومريرة مع الساسة الفرنسيين بخصوص الماضي الاستعماري، فالرجل لم يثبت على موقفه ولم يلبث أن تراجع عن بعض ما صرح به قبل الانتخابات، فهل كان ذلك بهدف مغازلة الأوساط اليمينية واليمينية المتطرفة طمعا في أصواتهم، أم أنه سيعود إلى تصريحه الأول بعد أن حقق ما كان يصبو إليه، وقد أصبح الرجل الأول في فرنسا.. هذا ما ستجيب عنه الأيام القليلة المقبلة لنزيل قصر الإيليزي الجديد.