في حصة تلفزيونية للشروق ارتفعت قيمة الوفاء إلى الالتحام مع دموع الفرح والانتصار لقيمة تعيش في هذا الزمان حالة من الانحسار.. وبمقدار رفع شأن القيم تتسع الحياة لكرامة الإنسان وسعادته.. اجتاحتني المعاني برونقها وأنا أشاهد لقاء بين الأستاذ علي فضيل مدير مجمع الشروق وأستاذه الفلسطيني محمد جمعة المنسي في حفلة تكريم اختلطت فيها الدروس والأدب والجميل من القول. محمد جمعة المنسي فلسطيني من القدس جاء إلى الجزائر معلما بعد أن فقد خمسة من خاصة أهله شهداء في فلسطين وعاش يتيما وشمّر عن ساعده ليكمل مسيرة حياته ويتنقل بين بلاد العرب ليستقر به المطاف في ربوع الجزائر، وكما كل فلسطيني وجد شيخنا المنسي في هواء الجزائر عبق الحرية وفي ثراها حضنا دافئا لكل من تلاحقه يد الإجرام والبطش وفي قلبها حنوا لا يستطيع من فرط تدفقه أن يفكر بمغادرته.. فكان شيخنا المنسي كل هذا وزيادة.. كان مدرسا والتلميذ علي فضيل الذي كان ككل الجزائريين عشقا وحبا لفلسطين تهيج روحه لذكرها ويحدد صديقه وعدوه على أساسها ويمنحها خلاصة روحه ويجعلها صاحب الفيتو الوحيد فعليها لا مناورة ولا مساومة ولا مراعاة لأحد.. فكان علي فضيل هذا كله وزيادة. لم يسعفني الحظ أن أتعرف على واحد من أبناء فلسطين الذين كانوا شامة لها بما قدمه من خدمة لأهله في الجزائر بإخلاص وتفان وهو الشاعر الأديب الأستاذ المقدسي محمد جمعة المنسي.. ولكن الحظ السعيد جمعني بالأخ علي فضيل في الحي الجامعي بن عكنون في عام 1979 وحينها كان يترأس لجنة الحي.. أذكر يومها كيف كان اللقاء فلسطينيا حميما ومتدفقا لم أعرف يومها السر الذي يتكشف الآن أمامي بعد هذا العمر الطويل.. كان لقاؤنا الأول أن أوكل لي تأليف مسرحية بعنوان فلسطين الشاهد والشهيد وأشرف على أن تعرض في الحي الجامعي وتنتقل إلى أحياء جامعية أخرى.. ومن يومها كانت فلسطين هي ترموتر مواقفه التي ينحاز إليها من دون تردّد. تكريم الأستاذ علي فضيل للأستاذ المنسي هو في حقيقته فضل يرتفع إليه الأخ علي ولولا القيمة التي تشيع من الحدث لما تطاول قلمي للكتابة مدحا لأحياء أبدا.. إنها درس كبير جميل جليل أن يعود التلميذ إلى أستاذه الفلسطيني من بين كل أساتذته وبعد عشرات السنين يكرّمه ويقبل رأسه ويقدم له عربون محبة خالصة، وكابن بار يقدّم لأبيه أجمل ما يمكن أن يقدم أن يتحمل على نفقته عمرة له ولزوجته الكريمة التي جسدت وفاء المرأة الجزائرية الحرة لزوجها الذي أبى أن يعود إلى الأردن رغم إلحاح أهله هناك بالعودة قائلا لهم إن لي في الجزائر أهل وأحبة ووطن أعشقه. أجل في لحظة عشق الجزائرلفلسطين تخرس الألسنة وتحتشد الدموع.. تحيا الجزائر وتحيا فلسطين.. وتحيا القيم النبيلة.