ليس مفاجئا أن تتقدم سورية في الذهن على أنها مجموعة ما ينتجه الإنسان في أبهى ما يكون الإنتاج حريرا مطرزا وصناعات تقليدية تبهر الناظرين وزراعة بفنونها تكفي الجميع من كل المشتهيات، أو طهيا وصناعة ألذ ما يرغب فيه الناس الذين لفّهم المكان ببركته وسحره أو أدبا وشعرا رقراقا عذبا كماء "الفيجي" وظلال أشجارها الوارفة حتى العبادة في سورية لها مذاق خاص من تعظيم لشعائر الله ومآذنها وأصوات المنشدين فيها في أوقات السحر، وقراؤها المشهود لهم بالمهارة والاقتدار. كل هذا معلوم عن سورية.. أما قصة الورود وتخصصاتها فهي قلما تسربت إلى الأسماع.. صحيح أن الياسمين الدمشقي ذاع صيته وأصبح مضرب الأمثال وصحيح أن كثيرا من الورود هاجرت إلى الأندلس واتبع المهاجرون سنتهم في بلادهم الأصلية فزينوا بيوتهم بورد من شرفات المنازل حتى إن بلدة مثل قرطبة استصدرت قانونا يفرض على كل صاحب دار أن يزين خارجها بالورود.. لكن ما لم يكن معلوما أن هناك مدينة بالقرب من دمشق اسمها "أم الورد".. اختصت بالوردة السورية المشهورة منذ آلاف السنين وإنها صدرتها إلى شتى أنحاء العالم فأصبحت هذه الشجرة المتوسطة الخاصة التي تضج بالورد وتنثر ألوانه البهية على كل محيطها أبرز ما يميز هذه المدينة التي جعلت منه يوما في منتصف الربيع في نهايات ماي أيار ليحتفل الناس بعيد الورد. ظننا وظن العالم كله أنه ليس هناك متسعٌ من وقت للاهتمام بالورد وتتبع رحلته فأي ورد ودماء الأطفال والعزل تلون كل شيء والتدمير والتخريب طال كل شيء وهجوم الغزاة من كل أصقاع العالم كالجراد الشرير تكاد تقضي على كل شيء من خضرة ونضرة؟ في زمن، إذاعات العالم وإعلاميوه منشغلة بشيطنة سورية واستراتيجيوه منشغلون بوضع الخطط لتفتيت سورية وعسكريو العالم منشغلون ببعث الأسلحة والقتلة من كل جهات الكون ليُحرقوا سورية.. في هذا الزمن الاستثنائي اجتمع السوريون في مدينة الورد بالقرب من دمشق ليحتفلوا بعيد الورد في مهرجان بديع يتغنون بشجرتهم التاريخية ويبعثون إلى العالم معاني، أولها أن الجمال والتأمل والتمتع والإتقان والفرح صفات لن تغادر السوريين مهما حاول المجرمون أن يفعلوا لتكسير روح الشام وجمالها وبهائها.. سورية اليوم تجمع أطرافها بصعوبة وبألم وبعناء شديد ولكنها بكل عناد لا تتوقف تلم أعضاءها من المشرحة وتعيد التركيب المبدع لمستقبل قريب يُؤوي إليه المهجّرين والمشردين ويمسح دموع اليتامى والأرامل والثكالى.. ليس من قدَر لسورية وبلاد الشام إلا الجمال والبهاء والروعة وليس من قدَر للأشرار إلا الاندحار مهما بلغت قسوة اللحظة. في سورية يوم عيد للورد وفي عواصم أعدائها أيام للجرائم والفتك وروائح الزفت تضج به الطرقات المشبوهة.. سورية الحرير والبهاء والبركة قدرنا جميعا لكي لا نفقد باعث التاريخ السعيد.. تولانا الله برحمته.