هو مجاهد من الرعيل الأول للحركة الوطنيّة، شقّ مشواره النضالي منذ الأربعينات من القرن الفائت، عبر الكشافة الإسلامية الجزائرية وحركة انتصار الحريات والديمقراطية ثم حزب الشعب، وصولا إلى جبهة التحرير الوطني، ليرافق القادة الكبار مع الشهيد عميروش والبطل كريم بلقاسم والزعيم مصالي الحاج. نشأ وترعرع في أحضان جرجرة الشامخة بأعالي منطقة القبائل، وبها تتلمذ على يد مشاهير المشايخ الذين رابطوا بزوايا العلم الشرعي والقرآن الكريم في مواجهة المشروع الاستعماري البغيض، ليتلقّى بذلك مبادئ اللغة العربية ويحفظ كتاب الله حتّى ختمه عن ظهر قلب، قبل أن يترقّى في مدارج التحصيل العلمي، بعدما نهل من أصول الدين والفقه والعقيدة، متنقّلاً بين زوايا المنطقة، ولم يمنعه ذلك من التمدرس النظامي في تلك الفترة، ما جعله يتقن لغة فولتير ببراعة، الأمر الذي سيفتح له آفاقا واسعة في مستقبل مسيرته الدعوية بعد الاستقلال. إنه الشيخ المربّي والداعية محنّد أمقران آيت عيسى، هذه القامة السامقة التي عاشت في تواضع كبير، جعلها بمنأى عن الأضواء الكاشفة، لكنّ أدواره ومشاريعه ستبقى ساطعة الآثار في كلّ مكان حلّ به، وقّف حياته للعمل في صمت وهدوء، بعيدا عن الصخب والضجيج، فعرفته المساجد والزوايا طيلة عقود، ولا زال إلى اليوم (صاحب 89 عاما) يصول ويجول في خدمة القرآن وإصلاح ذات البين، فضلاً عن اهتمامه البالغ بترجمة معاني القرآن إلى اللغتين الأمازيغية والفرنسية. ومع حضوره التربوي والعلمي والدعوي، فقد امتد نشاطه العام، بحكم تكوينه السياسي والنضالي، إلى مساعي التقريب والتأليف بين التيارات الإيديولوجية في الجزائر، حرصًا منه على جمع الكلمة وتوحيد الشمل بين أبناء الوطن الواحد. وتخليدا لمسيرته الناصعة، فقد احتفى به مجمّع "الشروق" في إطار سلسلة التكريمات الرمضانية، وننقل للقرّاء في هذه التغطية، ملخّص المحاضرة التعريفية التي تناولت حياة الشيخ آيت عيسى، مُرفقة ببعض الشهادات التي وقّعها عارفوه من مريديه ومرافقيه.
نجل الشيخ محند أمقران آيت عيسى يستعرض سيرة أبيه: "والدي نشأ في أسرة علم.. تمتد جذورها إلى الوليّ عبد الرحمن الثعالبي" تحدث ابن الشيخ محند أمقران آيت عيسى، خلال محاضرة ألقاها في حفل تكريم "الشروق" لوالده، عن تفاصيل وجوانب مهمة من حياة الشيخ، تركت أثرا بالغا فيه، حيث سرد جمال الابن، مراحل نشأة أبيه، انطلاقا من تاريخ مولده الذي صادف عيد الأضحى، الموافق ل30 ماي من سنة 1929، بقرية آيت عباس بواسيف، بعين الحمام، بأعالي جبال جرجرة بتيزي وزو، فكان والده (أي الجدّ) إماما مدرسا بقرية مجاورة هي حساني بشير، فيما يمتد نسبه من الأم إلى الشيخ أولمنصور، ابن مولاي يعقوب المنصوري، كما ذكر المتحدث أن الشيخ ينتمي لأسرة ذات نسب، امتدت جذورها إلى الولي الصالح "سيدي عبد الرحمن الثعالبي" دفين القصبة بالعاصمة، وصاحب كتاب "الجواهر الحسان في تفسير القرآن". وعاد نجل الشيخ للحديث عن نشأة أبيه داخل الأسرة الشريفة المحافظة، قائلا "نشأ والدي في أسرة علم وورع، فأبوه كان فقيها ورعا، لدرجة أنه كما سمعته عنه في مجالس عدة، أن أباه لا يعرف وجه زوجة أخيه التي عاش معها في بيت واحد، ويأكلون من قدر واحد لمدة خمسين سنة، إذ لو التقى بها خارج البيت لا يعرف أنها زوجة أخيه، لأنه لا يعرف ملامح وجهها منذ دخلت عروسا". وأضاف المتحدث" أن ذلك سهّل عليه انتهال العلم من أبيه أولا، ثم عمّه الإمام المدرس الذي تتلمذ على يده في بداية مشواره الدراسي بالقرية، مع مجموعة مؤلفة من ستين تلميذا، وهي الفترة التي سبقت التحاقه بداية من 1940 بزاوية الشيخ أولحاج بجمعة سعاريج، لتكون حسب جمال آيت عيسى، فرصة ليتمّ والده الشيخ محند أمقران حفظ القرآن الكريم ومختصر خليل ابن إسحاق المالكي، هذه الزاوية التي انعقد فيها ذات يوم اجتماع لمجموعة من العلماء بالمنطقة، لمدارسة قانون المجتمع القبائلي، والنظر في درجة تناسبه مع قواعد الشريعة الإسلامية، حيث وجدوا أنّ جلّه ينبثق من الشريعة السمحاء.
"من عين الكبيرة وبجاية... بدأت الرحلة العلميّة للشيخ أمقران" لم يكتف الشيخ محند أمقران، بتلقي العلم ممنْ أحيط بهم داخل وسطه العائلي، ما جعله، يقول نجله جمال، ينتقل إلى مدينة عين الكبيرة بسطيف، رفقة أخيه الأكبر - زيزي مناد - كما يحلو للوالد مناداته، الذي كان بمثابة الأب الثاني، وأسوته التي يقتدي بها، حيث كان حينها قاضيا بالمحكمة الشرعية، وهناك تتلمذ على يد الشيخ الطيب بلحنش، وأكمل دراسته لمبادئ اللغة والعلوم الشرعية، والتحق بإحدى ثانوياتها سنة 1942، ثم انتقل إلى مدينة بجاية، حيث تتلمذ على يد الشيخ العربي تواتي، والشيخ يوسف قابوس، والشيخ عبد الحميد بن حالة، وأخذ عنهم مبادئ الفقه الإسلامي، وأصول القضاء الإسلامي وعلوم الفرائض، وأضاف الأستاذ المحاضر، أن من بين المشايخ الذين تتلمذ على يدهم والده، كان الشيخ سعيد الناتاليوني، والشيخ علي الصدقاوي، الذي أخذ على يده علم الفلك، هذا الأخير الذي كان عالما ماهرا في الطب والفلك. في سنة 1948، توفّي شقيقه الأكبر، ولم يتجاوز الثامنة والعشرين من العمر، متأثرا بالتعذيب الذي سلّط عليه في سجون الاستعمار الفرنسي، فكان لذلك الأثر العظيم في قلب الشيخ محنّد أمقران، حسب رواية ابنه جمال، وجعل رحلته تتوقف، ليعود إلى قريته، حاملاً على عاتقه إدارة شؤون الأسرة، قصد مواصلة الدراسة على يد والده الذي أتمّ معه مجموع المتون. وفي سنة 1949، عيّن الشيخ آيت عيسى، على يد الشيخ محمد أبو القاسم البوجليلي وبتزكية منه، إماما مدرسا بقرية أمزدوراز، قبل تعيينه إماما مدرسا بقرية سماش إلى غاية 1954، وبعد لقاء "أورني" ببلجيكا الذي جمع بين بعثة اللجنة المركزية لحزب الشعب الجزائري ومصالي الحاج، والذي أفضى إلى إبعاد مصالي الحاج من الحركة الوطنية، كُلّف الشيخ آيت عيسى من طرف العقداء أوعمران وكريم بلقاسم وعميروش بمهمة في هذا الإطار، وعليه ولأسباب أمنية، وحفاظا على حياة الشيخ آيت عيسى، جاء أمر من العقيد عميروش بتغيير الوجهة ومغادرة المنطقة، إذ أرسل له كل ما يلزم لذلك، وعاد الشيخ ليعيّن إماما مدرسا، ومجاهدا في صفوف جيش التحرير الوطني بقرية محمود، وخلالها كان ملازما لوالد زوجته، الذي كان إماما مدرسا في القرى المجاورة، وعلى درجة من العلم والتقى، ربطته به علاقة حبّ كبيرة وعلاقة مصاهرة والجهاد إلى أن استشهد سنة 1956.
"مسيرته الثورية انطلقت من الكشافة حتّى رافق القائد عميروش" وبخصوص علاقته بالثورة ونشاطه فيها، أشار المتحدث، إلى أن والده انخرط في صفوف الكشافة الإسلامية سنة 1948 كقائد نشط بمنطقة الأربعاء ناث ايراثن، ما صقل موهبته وغرس فيه الروح والمبادئ الوطنية. وفي سنة 1946، انخرط في حركة الانتصار والحريات، بعدما كان عضوا نشطا بحزب الشعب الجزائري، وبقي ينشط مناضلا فعّالا في صفوف الحركة الوطنية إلى غاية اندلاع الثورة المظفرة، حيث نال شرف الجهاد ضد المستعمر الفرنسي إلى غاية الاستقلال، وكافح تحت إمرة العقيد عميروش. وأضاف المتحدث، أن والده عيّن بعد الاستقلال مباشرة بمدينة تيارت، قبل الالتحاق في 1964 بقصر الحكومة، وأثناء هذه الفترة، وفي نهاية كل أسبوع وبداية العطلة الأسبوعية، كان الشيخ دائم التنقل بين مختلف مناطق الجزائر وبين الزوايا، مدرسا ومقاربا بينها، وعاقدا لمجالس الصلح، كما كانت له جهود في محاولة إذابة الجليد الذي خلفته فرنسا بين الزوايا والطرق الصوفية.
"عاش للقرآن.. وأسّس الرابطة الرحمانية للزوايا العلمية" بقي الشيخ محند أمقران آيت عيسى ينشط في حقل الدعوة، وخاصة في منطقة القبائل، حيث اهتم بها وبزواياها ومدارسها القرآنية، حتى أصبح ذلك شغله الشاغل، ويقول ابنه جمال عن هذه المرحلة "كانت تربط والدي علاقة مميزة بخليل القاسمي الحسني بزاوية الهامل، حيث اقترح عليه تأسيس رابطة، وتم إنشاء الرابطة الرحمانية للزوايا العلمية، برئاسة الشيخ خليل الحسني القاسمي، وبقي متنقلا مسافرا في ترحال دائم مستمر إلى غاية 2013، حيث أثقله المرض، حتّى قال لابنه مرة "الآن بدأت أشعر بثقل السنين"، ومرات عديدة يقولها بلغة فولتير "Maintenant s'approche de la fin". ورغم ذلك، يضيف الأستاذ جمال "ظلّ الشيخ يستقبل الوفود ببيته، دارسا معهم أحوال الزوايا والمدارس القرآنية، مهتما بمجال الدعوة والتعليم، مشجعا ومساهما في ذلك، مع اهتمامه البالغ بالمطالعة، لدرجة أنّ الكتاب لم يفارقه حتى خلال تناوله الطعام، فهو كثير القراءة، قليل الكلام، دائم الفكر والتطلع للدار الآخرة، محبّا للعلم والعلماء، حيث ربطته علاقات متينة بالشيخ محفوظ نحناح، ومحمد متولي الشعراوي والشيخ محمد بلكبير، وغيرهم من الدعاة والمشايخ.
رئيس مجالس الصلح بتيزي وزو الدكتور السعيد بويزري: "آيت عيسى يعمل ولا يتكلم إلا بلغة الإنجازات" اختصر الدكتور السعيد بويزري الحديث عن الشيخ محند أمقران آيت عيسى، خلال تدخله بحفل التكريم، في ثلاث خصال ميّزت الرجل، فقال "إنه لم يغفل إطلاقا عن مبادئه يوما، وهو من جمع بين الشريعة والأصالة، حيث كان وفيا للأصالة الجزائرية"، وأضاف "أنّ الشيخ آيت عيسى يملك رصيدا ثريا في أصالته، تمثلت في القيم والمبادئ التي غرسها الإسلام فيه، وتركت أثرا في حياته الاجتماعية، ليكون منبعا صافيا لها، وتجلى ذلك في كل ما تلقته الأجيال بعده". ثم عاد المتحدث للقول "إن الشيخ الفاضل رمز للوفاء، وهو خلق عظيم تميّز به آيت عيسى، وعلم الأجيال أسمى معانيه، حيث خدم دينه ووطنه بوفاء وتفان، رفقة من عاشوا معه من المجاهدين والشهداء"، ليتبع قوله "إن آيت عيسى، عمل ولا يزال يعمل أكثر مما يتكلم، ولا يتحدث إلا بلغة الإنجازات، بدليل كل ما قدّمه في خدمة الدين والوطن".
خرّيج الجامعة الإسلامية بماليزيا الدكتور محمد بلغيث: "آيت عيسى جمع بين النجاح الدعوي والأسري بامتياز" وبدوره، عاد الدكتور محمد بلغيث إلى 25 سنة خلت، تاريخ تعرّفه على الشيخ محنّد أمقران آيت عيسى، وقال إنه التقى بالشيخ في مسجد الثورة بالمراديّة، وهو المسجد الذي كان يصلي فيه، ويلقي دروسه أمام مئات الطلبة من رواد المسجد، حيث كان الشيخ آيت عيسى بمثابة الأب الروحي الذي يوجه ويرشد طلبته وكذا تعليمهم القرآن وأسراره، إذ كان الجميع ينهل من علمه ويستفيدون من معارفه المتعددة للقرآن والحديث والفقه وأصول الدين. وأكد خرّيج الجامعة الإسلامية بماليزيا، أن أهم صفة يتميز بها الشيخ آيت عيسى هي نجاحه في مجال الدعوة ونشر القرآن ونجاحه في تربية أبنائه الذين هم الآن إطارات عليا، إضافة إلى تمسكهم بدينهم وأخلاقهم وأدبهم الرفيع، وهو نجاح ما بعده نجاح، زيادة على نجاحه الكبير في ترشيد طلبته إلى الفهم الصحيح للدين والوسطية، ومحافظتهم على المرجعية الوطنية، على حدّ تعبيره. وقال بلغيث إنّ الشيخ حريص أشد الحرص على الأعمال الدعوية التي يكلّف بها مريديه ورفقاءه، حتى أن اتصاله بهم لا ينقطع إلى أن تنجز المهام على أكمل وجه. وأضاف الدكتور بلغيث أن الشيخ غرس في مريديه حب البلاد والمحافظة على استقرارها والحرص على تنمية الجزائر، وعمل على توريث تلك القيم إلى الأجيال القادمة، معتبرا أنّ الجزائريين بأمسّ الحاجة إلى مثل هؤلاء العلماء، الذين سطّروا تاريخا خاصا بهم في مجال الدعوة والإصلاح ونشر الوسطية والمرجعية الوطنية، التي بفضلها ما زالت الجزائر مستقرة متحدة، لا فرق بين شمالها ولا جنوبها، وغيرها من المناطق في ربوع بلادنا، على حدّ قوله. وحسب المتحدّث، فإن الشيخ أمقران آيت عيسى من القلائل الذين جمعوا بين النجاح في تربية الأبناء والمحافظة على تماسك أسرته، وبين العمل الدعوي، وهي خاصية يتميز بها الشيخ، ذلك أنّ الذين نجحوا في المجالين قلة، كما أكد بلغيث على أن الشيخ له مكانة خاصة في منطقة القبائل، فهو محبوب بين الناس، والجميع يذكره بالخير، فالشيخ آيت عيسى لا يحبه إلا مؤمن، ولا يبغضه إلا كافر، كما قال بلغيث.
ممثّل جمعية "حراء" للقرآن بلجودي عبد الكريم: الشيخ آيت عيسى وراء مشروع "خادم القرآن لتحديث الزوايا" كما قال الأستاذ بلجودي عبد الكريم إنّ الشيخ أمقران آيت عيسى علّم الأجيال حب الوطن، فهو من الرجال الذين لا يساومون على مثقال ذرة من هذا البلد، وحين جاءت السنون الغدارة بالجزائر، كان يقول دائما "إن هذه الأحداث سرعان ما تختفي، وأنها بمثابة فيلم سيمضي، وستعود المياه إلى مجاريها". وأضاف المهندس بلجودي، أحد مريدي الشيخ "لمست فيه إحياء فنون العلوم، وطريقة حداثية في التفسير والتأويل، بنظرة التربية السلوكية الروحية"، مؤكدا على أن مجالسة الشيخ منحت لجيله أرضية خصبة للعلم، وطريقة جديدة في التدريس، وفي مجال الدعوة، عبر أسلوبه الحداثي في تعليم القرآن". وكشف رئيس جمعية "حراء" للقرآن بالمراديّة، في كلمته خلال حفل تكريم الشيخ آيت عيسى أنه "بتوصية منه، انطلقنا في مشروع عظيم، ونحن الآن بصدد إكماله، وهو تحديث المدارس القرآنية، أطلقنا عليه مشروع خادم القرآن الكريم، بإشراف الشيخ وتوجيهاته، وعن طريق مكتب جمعية حراء بالمراديّة، بدأنا فيه منذ سنة 2013، من ذراع بن خدة، ثمّ أعالي منطقة القبائل بعين الحمام"، مؤكدا في هذا الصدد "أن الشيخ آيت عيسى لا تفوته صغيرة ولا كبيرة إلا وسأل عنها، فعمله أكثر من كلامه، خاصة وأنه يتابع عدة أعمال، خاصة تحديث الزواياّ.
الأستاذ الجامعي الدكتور زيان مسعد: "الشيخ مولع بترجمة معاني القرآن إلى الأمازيغية والفرنسية" قال الأستاذ الجامعي زيّان مسعد إنه عرف الشيخ منذ 45 سنة في مسجد الثورة، حيث كان من رواده الدائمين، "أنشأ فيه رفقة مجموعة من العلماء مدارس لتعليمنا القرآن وأصول الدين والفقه كي نحافظ على اللغة العربية". وأكد المتحدث أنّ للشيخ محنّد أمقران خصال تظهر عليه مع أنه كان يخفيها، "فهو من أولياء الله الصالحين، لا ينقطع عن ذكر الله، خاصة عند انتقاله من البيت إلى المسجد، حيث يلازم السكوت، حتى يكون من الذاكرين، فهو يذكر الله رواحا وغدّوا، متمثّلاً الصفوف الأولى في المسجد، يحرص خلال صلواته على أداء سجدة الشكر، التي اختلف فيها الفقهاء، وهي التي كانت تؤدّى في زمن النبي". وأضاف الدكتور مسعد زيّان أنّ الشيخ "كان يتقرب إلى الله بالشكر، كما كان من المصلحين لذات البين، من خلال سؤاله عن أحوال الجيران والأهل، فكلما سمع الشيخ بمشكل إلا وسارع لإصلاحه، للتقريب بينهم، وهي خصال متجذرة فيه، جعلته من الشيوخ الذين لديهم مكانة خاصة وسط الناس". وأوضح المتحدث أنه كان يلتقي الشيخ مرات كثيرة، يتناولون فيها فهم القرآن وأسراره، وكان الشيخ يهتمّ كثيرا بترجمة معاني القرآن الكريم إلى اللغة الأمازيغية، وهو الآن بصدد إنجاز مشروع الترجمة كاملاً، كما كان "يعطيني بعض الملاحظات في المفردات التي تنقل التراجم من اللغة العربية إلى الفرنسية، مؤكدا أنها غير موفقة، لأنّ السر أو الباطن في الآية ليس نفسه الذي ينقل في الترجمة، ويصرّ على أن يكون المترجمُ متحكّمًا في اللغتين العربية والفرنسية، زيادة على أن تكون له دراية بخفايا القرآن الكريم"، مضيفا "وأعطى لي مثالاً على ترجمة أنقصت من قيمة النبي صلى الله عليه وسلم، بل إنها سوء أدب بمقامه الزكيّ".
له مؤلفات مخطوطة في الفقه والترجمة والرأي "يقرأ 12 ساعة يوميّا ومذكراته التاريخية جاهزة للنشر" وفي تعقيبه وإجابته على أسئلة الحضور بخصوص سيرة والده، كشف الأستاذ جمال نجل الشيخ محنّد أمقران آيت عيسى، أن مشروع "خادم القرآن الكريم" الذي حرص على إطلاقه، يقوم على تهيئة وتجهيز وعصرنة الزوايا، وبناء المدارس القرآنية عبر مختلف ولايات الوطن، خاصة في منطقة القبائل الكبرى، وهو ما يمنح هذه المدارس والزوايا دفعا قويا لفتح أبوابها للطلبة، في وقت سجّل عزوف في بعض المناطق والولايات على الالتحاق بها، بينما هناك زوايا أخرى عاجزة عن استيعاب الكم الهائل من المريدين، وأضاف بأن والده يعكف على متابعة هذا المشروع شخصيا رفقة المهندس عبد الكريم بلجودي والقائمين عليه، من خلال لقاءات يعقدها معهم داخل منزله، لوضع إستراتيجية ومخطط لهم، حيث يقوم باستقبال الملفات وتوجيههم لبعض الزوايا غير المعروفة، كما يسعى لدى السلطات كي تكون الشهادة المسلّمة من قبلها معترفا بها لدى الدولة الجزائرية، وتخصيص شبه منحة دراسية معتبرة لتشجيع الطلبة للإقبال على الزوايا. وزيادة على مساعيه في الأعمال الخيرية، اعترف نجل الشيخ بنهم والده وشغفه بالمطالعة، فهو "يقرأ بمعدّل 12 ساعة يوميّا، ولا يدخل عليه البيت إلا ويجد الكتاب في يده، وما ساعده على الغوص في بحر المطالعة إتقانه للغتين العربية والفرنسية، ما جعله يشتغل بالترجمة وما يزال يمارسها إلى اليوم، وكل كتاب يقرأه إلا ويليه ملخص وتعليقات على شكل خواطر يكتبها، وهي أقرب لملخصات في مسائل معينة". وعن مشاريعه في الكتابة، أجاب المحاضر أنه "يعدّ حاليّا كتابًا حول مسألة الأضاحي بين العلم والشريعة، وكذا ترجمة معاني القرآن بالأمازيغية، زيادة على كتابات ومقالات مبعثرة لم يتم جمعها لحد الآن، وبعض المقالات كتبها منذ عهد بعيد، سيعمل على نشرها في الشهور القادمة، إضافة إلى مذكراته الشخصية التي سيبوح من خلالها بالكثير من الأسرار، وأوضح أنه، وبعد إصرار كبير من الدكتور السعيد بويزري، اقتنع بفكرة تسجيل مذكراته، وقد انطلق في ذلك بمساعدة من المهندس عبد الكريم بلجودي في مكتب حراء وستكون على شكل حلقات"، على حدّ قوله.
سعى للتقريب بين الإسلاميين والليبراليين في الجزائر هذه قصّة الشيخ آيت عيسى مع سفير الدانمارك وملك السعودية كما أوضح الشيخ جمال آيت عيسى عدم تحزب والده منذ أن كان في صفوف جبهة التحرير الوطني، لكن تربطه علاقة وطيدة بالشيخ محفوظ نحناح، إذ كان دائم الترحال معه في جهات البلاد، وذهب معه لولاية أدرار عند الشيخ محمد بلكبير ومكثا معًا أسبوعا كاملاً، ليردف أنّ ما تحدث عنه كان مجرّد استراق للسمع، لأن والده لم يفصح عن الكثير من الأمور بهذا الخصوص، فقد كانت علاقته بالشيخ نحناح روحية، لأنّه في فترة من فترات الزمن، كان يدعو للمقاربة بين الأحزاب خصوصا ذات التوجه الإسلامي، وعندما كان نجله المتحدث يستفسره عن سرّ تلك العلاقة التي تجمعه بمؤسس حركة مجتمع السلم "حمس"، فكان يرد عليه بأنها سرّ من أسرار الله. وقد جمعه فيما سبق لقاء تاريخي مع العقيد عميروش يعود لبداية سنة 1948، حيث تلقوا أوامر لشراء الأسلحة والتدرب على استخدامها، ومهمة أخرى تتمثل في تدريب الناس عليها، فالعقيد عميروش كانت تربطه علاقة قوية بالشيخ المجاهد آيت عيسى، حيث كان إماما مدرسا في منطقة السماش بتوجيه من العقيد، قبل أن يتم ترحيله منها لأسباب أمنية. وقال ولده، لقد كان الشيخ يعمل أيضا على التقريب بين الإسلاميين والليبراليين في فترة زمنية عصيبة أثناء العشرية السوداء، حيث عقدوا عدة جلسات في بيته مع أقطاب الأحزاب الأخرى لفترة طويلة، فهناك ثلاث شخصيات لأحزاب وصفها باللائكية وأخرى إسلامية معروفة، كان يضمها مجمعه وتطول لثلاث وأربع ساعات يوميا، على رأسها الشيخ محفوظ نحناح، وزعيم الأفافاس حسين آيت أحمد الذي تجمعه به علاقة مصاهرة وعلاقات وطيدة، تعود لما قبل الثورة في زمن حزب الشعب الجزائري في الأربعينات، وبقيت العلاقة مستمرة لحين وفاته. ولم تقتصر مجهوداته على القضايا الداخلية، بل ذكر الشيخ جمال بأن والده بعث رسالة باللغتين العربية والفرنسية، إلى سفير الدانمارك بعد حادثة نشر الرسومات الكاريكاتورية المسيئة للرسول صلى الله عليه وسلم، ثم تنقل لمقر سفارة الدانماركبالجزائر، وضمنها طلبا لإجراء مقابلة مع صاحب الرسومات، لمناظرته علميا وبكل الوسائل، وبعدها راسل ملك المملكة العربية السعودية وقتها المرحوم عبد الله بن عبد العزيز، وقصّ عليه ما قام به من تنقل للسفارة الدانماركية والرسالة التي سلمها، ثم طلب منه في حال قتله، أن يأمر بدفنه بالمدينة المنورة بجوار الرسول صلى الله عليه وسلم، لكنه لم يتلقّ أي رد إلى يومنا هذا من السفارة.
ممثل مجمّع "الشروق" الأستاذ علي ذراع : مشروع آيت عيسى سيجهض مخططات التقسيم والانفصال عبّر ممثل مجمع "الشروق" الأستاذ علي ذراع، عن مدى سعادته لوقوفه أمام "قامة وجبل من جبال الجزائر الشامخة وهو الشيخ محمد أمقران آيت عيسى"، وأوضح أنه كان خائفا من بقاء الجزائر على ما هي عليه من استقرار أمني، لما يُتداول من تحليلات ومعلومات حول الجزائر بالقارة التي يجب تقسيمها، لكن بهذه الوقفة التكريمية من "الشروق" لأمثال الشيخ أمقران آيت عيسى تعود إليه الثقة، بأن الجزائر لن تمسّ ولن تهدم، ومخططات الاستعمار الفرنسي والغربي لضرب العالم الإسلامي والعربي والجزائر من ضمنها ستسقط في الماء، على حدّ قوله، فبفضل هؤلاء العلماء وبكلمة "لا إله إلا الله" تحررت الجزائر، وبفضل الشهيد عميروش والثوّار الأحرار ونضالهم من أجل الجزائر، ستبقى مؤسسات القرآن في بلاد القبائل، وفي الجنوب ومختلف ربوع الوطن، وسيضعون حدّا للانفصاليين، لإفشال مشروعهم، فالجزائر ستنتصر طالما توجد مشاريع تحافظ على الإسلام، واللغة العربية والأمازيغية، مثلما قال علي ذراع.
الناشط في الحركة الإسلامية الشيخ بوجمعة عياد: "آيت عيسى رفض الأضواء وعاش للعلم والقرآن" صرح الناشط في الحركة الإسلامية الشيخ بوجمعة عياد، أن معرفته بالشيخ آيت عيسى تعود لبداية السبعينيات من القرن الماضي، كانت هذه المعرفة عن بعد، كان آنذاك صغيرا يتابع ويلاحظ، فيلتقون سويّا في محاضرات كان يلقيها الشيخ متولي الشعراوي بمسجد أبو بكر الصديق بالمرادية، وتقاطعوا وقتها في أعمال كثيرة ضمن العمل الدعوي الذي يغلب عليه طابع جماعة الدعوة والتبليغ، كما كان يؤدي معه صلاة الجمعة من حين إلى آخر بمسجد الثورة مع الشيخ المكّي عبادة، أما معرفته له عن قرب، فتبدأ في عام 1986، فمن خلال هذا الرجل تعرّف على الكثير، ولما يتعلق الأمر بالزوايا وما قامت به في مواجهة المستعمر الفرنسي، قال المتحدث إنّ الشيخ عايش الثورة انطلاقا من مسقط رأسه، فأدرك أن الثورة الجزائرية ثورة إسلامية، تتطلع إلى أن تبقى الجزائر مسلمة وستبقى كذلك. وأضاف الداعية بوجمعة أنّ للشيخ آيت عيسى خصوصيات، من بينها رفضه الأضواء، فقد كان يتهرب منها، وحريص على طلب العلم وتحصيله والعمل به، كما حثّ على التواصل بين الأجيال وتلحيمهم مع بعضهم البعض، وكان ساعيا لرأب الصدع مع أي كان وفي أي مكان، بل إنه تدخل للإصلاح بينه وبين الشيخ محفوظ نحناح رحمه الله، لكن الذين كان لهم مصالح في خلافهما، حالوا دون أن يتم ذلك، على حدّ قوله. ويضيف المتحدث، أنّ الشيخ آيت عيسى كان يتنقل مع الشيخ محفوظ نحناح، فكان له دوران، دور عام والثاني خاص، حيث يظهر من خلال اللقاءات والمحاضرات دون أن يتكلم، لكن في الخفاء يحثّ باستماتة على تلاحم الجزائريين، وقد أدرك ذلك من خلال محادثته ومجالسته وتنقلاته المستمرة مع الشيخ ومع محفوظ نحناح، فوحدة الجزائريين عنده لا ينبغي أن يصيبها أي مكروه. واستطرد المتحدث، لقد عمل الشيخ على التقريب بين أبناء الجزائر باستمرار والجمع بين مختلف الأطياف، أما فيما يتعلق بالتحزب، فهو أكبر من التحزب، لأن مشروعه أبعد وأعمق وأكبر من ذلك، لكنه كان يلتقي الأحزاب ويبدي رأيه مع النصح، موضّحا أنّ ما ذكره بعض المتدخلين حول قربه من الشيخ محفوظ نحناح صحيح، لكنه لم يكن مقرّبا منه وحده بل من الجميع، ويتطلع ليراهم متوحدين من أجل الوطن والمجتمع الطيب، مثلما صرّح بوجمعة عياد.
كمال تواتي يكرّم الشيخ محنّدأمقران شعرا فضّل الإمام الشاعر كمال تواتي أن يشارك في حفل تكريم الشيخ محنّد أمقران آيت عيسى بقصيدة قرضها على عجل، وهذه أبياتها: إن تسأل الفضل في أسمى معانيه أو تكتب الشعر فامدح كل ما فيه مُقراننا وآيت عيسى محمدنا غيث الرحيم وهذا ما أناديه أنعمْ به رجُلاً من أجله اجتمعت هاذي المحافل تقديرا لماضيه زين الخصال سمى بالحلم منزلة فضل من الله ذاك الفضل يؤتيه العدل بغيته والصبر رايته بل كفه بذلت خيرا لباغيه العلم مسبحه والحلم مركبه ورحمة الله قد حلت بناديه عمروش رافقه درب الجهاد وتا ريخ لثورتنا يرويه راويه آيتان قد بذلا لله ذرهما روحا وعمرا وسرا لست أحصيه تأبى شروقنا إلا أن تكون يدا للعلم خادمة بالنور ترويه يجزيكم الله خيرا لا مثيل له مادام فضلكم يسدى لأهليه