سجلت الصحافة الغربية الصادرة خلال اليومين الماضيين ما يشبه الإجماع من الهجوم الوحشي الإسرائيلي على أسطول الحرية في عرض المياه الدولية في طريقه نحو غزة، وكانت عناوين الصحافة الفرنسية الأكثر حدة بوصفها الاعتداء الجبان ب"إرهاب الدولة في عرض البحار". للمرة الأولى جر تعنت إسرائيل وإعلانها للعالم أجمع أنها كيان خارج عن القانون، الصحافة الدولية والغربية منها على وجه الخصوص لاتخاذ موقف واحد وصف "إسرائيل الدولة الخارجة عن القانون"، وما تقوم به "إرهاب دولة"، ورغم أن الموقف عرف درجات من الحدة والصرامة بين كل من الولاياتالمتحدة وبريطانيا وفرنسا، إلا الإجماع قام لأول مرة على وصف ما جرى بالجريمة في حق المدنيين. الحدث احتل مكانا هاما على ظهر الصفحات الرئيسية وتناولته الافتتاحيات بالتحليل، إلا أن الصحافة الفرنسية وصفته بما يستحق فعلا "إرهاب الدولة في عرض البحار" و"إسرائيل دولة قرصانة" و"الدولة العبرية باسم اللاقانون"، وقد كتبت صحيفة "لوموند" أمس في افتتاحيتها تحت عنوان "الهزيمة المثلثة" أو "الفشل المكعب" بحسب الترجمة، شرّح صاحب المقال الوحشية الإسرائيلية، التي لا تؤمن إلا بالعنف واستعمال القوة، التي جعلت اسرائيل تقترف حماقة الهجوم على اسطول الحرية في عرض المياه الدولية للمتوسط فتخسر بدل الخسارة ثلاث خسارات. الأولى إنسانية بالهجوم على مدنيين في طريقهم لتقديم المساعدة وفك الحصار على أهالي غزة، والثانية إعلامية نسيت فيها المغفلة اسرائيل ان الزمن زمن العولمة والانترنت فبلغ صدى جريمتها النكراء مسامع العالم في نفس اللحظة التي اقترفتها فيها، ثم خسارة سياسية بيّنت للعالم أجمع، أكثر من أي فترة مضت جور حصار فرض على شعب فلسطيني يعاني البؤس والشقاء منذ بداية الاحتلال. هذا الخسران المبين لسياسة إسرائيل الظالمة كتبته "ليبراسيون" في شكل إبراز للوقاحة الإسرائيلية التي، حسب الصحيفة، "بدلا من أن تفسر ما حدث أو تعتذر على ما اقترفته، اختارت إسرائيل الكذب"، لتضيف بأن "تل أبيب بيّنت مرة أخرى أنها فوق القانون ومرة أخرى المدنيين هم ضحاياها". من جهة أخرى قالت "لا يمكن أن تستمر إسرائيل في الاستفادة من دعم الغرب وحماية أمريكا وحسابات العرب والمسلمين، يجب أن يفتح تحقيق مستقل تتحمل نتائجه إسرائيل". صحيفة "لا كروا" وصفت الجريمة الإسرائيلية ب"الخطأ الدامي والخسران المبين"، وهو الفعل الذي رأته "لومانيتي" على أنه "جريمة حرب"، ونقلت على لسان ممثلة فلسطين في فرنسا بأنه "لا بد من وضع حد لحالة اللاعقاب التي تتمتع بها إسرائيل واختراقها الدائم للقانون الدولي". أما "الغارديان" البريطانية فكتبت في افتتاحيتها أمس عن مفهوم الفكرة الذي تقوم عليه حركة حماس الفلسطينية والذي لا يمكن لإسرائيل أن تهزمه ولو استعملت كل ما تملك من قوى. واستعمل صاحب المقال مثلا يقول "بالنسبة لحامل المطرقة، كل مشكل يقابله يعتبره مسمارا" في تحليل لفشل إسرائيل منذ حرب 1967 في إقرار سياستها بالقوة، ولو نجحت في تقسيم المقاومة الفلسطينية إلى حماس وفتح، أخفقت في كسب حماس بالقوة، لأن قوة الفكرة بالنسبة لصاحب المقال لا تهزم إلا بفكرة أحسن منها أو أقوى، وهذا ما لم تجد له اسرائيل سبيلا، رغم فرضها حصارا على غزة كانت تظن أنه سيخنق المقاومة هناك، لكن حادث هجومها على أسطول الحرية لم يزد إلا دليلا إضافيا على الإخفاق. أما الصحافة الأمريكية فانقسمت على نفسها بين مدافع عن موقف إسرائيل، مثل النيوزويك التي وضعت واشنطن في دور حليف إسرائيل الذي يتفهم له كل الخطوات، موضحة الفرق على سبيل المثال بين تصريح الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون الذي طلب من اسرائيل توضيحات، وبين تصريح الرئيس باراك أوباما الذي تأسف لسقوط أرواح مدنيين، وقد كتبت الصحيفة صراحة "فليقلل مناوئو إسرائيل من أحلامهم بشأن العلاقات مع إسرائيل، لأننا في سنة انتخابات". أما صحف "نيو يورك تايمز" و"لوس أنجلس تايمز" و"واشنطن بوست" فذهبت في تحليلاتها إلى "الهجوم الإسرائيلي على الأسطول يعقد العلاقات مع الولاياتالمتحدة ويعثر جهود السلام"، معتبرة وجود "أزمة دبلوماسية" بعد "لجوء إسرائيل المفرط إلى استعمال القوة".