"كيف وصلنا إلى هذا الوضع؟".. تساؤل طرحه تيري ماكاوليف، حاكم ولاية فيرجينيا الأمريكية (شرق)، بعد أعمال العنف العنصرية في مدينة تشارلوتسفيل بالولاية، على خلفية الاعتراض على قرار السلطات إزالة نصب الجنرال الجنوبي "روبرت إي لي"، أحد أبرز رموز الحرب الأهلية الأمريكية (1861-1865). ذلك التساؤل كان محاولة لاستكشاف الاتجاه الذي تسير إليه الولاياتالمتحدة وفق روبين رايت، الكاتبة بمجلة "ذا نيويوركر" الأمريكية، في مقال لها، منتصف الشهر الجاري، اعتبرت فيه أن ذلك السؤال "غير منطقي، لتعدد الإجابات واتضاحها"، وتابعت أن "وحدتنا باتت هشة، وكذلك دولتنا، بعد أن كنّا الدولة التي تُعرف في العالم بديمقراطيتها المستقرة". وهي فكرة رجحها أيضا مايكل سيغنر، عمدة تشارلوتسفيل، حين اعتبر، في تصريحات لشبكة "سي إن إن" الأمريكية، أن "أعمال العنف التى قام بها المتمردون البيض في تشارلوتسفيل أثبتت أن المبادئ الديمقراطية الأساسية للبلاد تتآكل". وفي منتصف الشهر الجاري، قُتلت امرأة (32 عاما) وأُصيب 19 آخرون، عندما دهس رجل بسيارة مجموعة كانت تحتج على مسيرة لعنصريين من القوميين البيض والنازيين الجدد في مدينة شارلوتسفيل، فيما أُصيب 15 آخرون في مناوشات بين الجانبين. ووفق رايت فإن "الخطر ما زال يتنامي ويتخطى فكرة التجمعات العنيفة، بسبب تمكن اليمين المتطرف، لأول مرة منذ نصف قرن، من دخول عالم السياسة". وقبل خمسة أشهر من هجوم شارلوتسفيل، وتحديدا في مارس الماضي، قال كيث ماين، وهو مستشار سياسي في الجيش الأمريكي، ل"ذا نيويوركر"، إن "أمريكا قد تواجه بنسبة 60% حربا أهلية خلال السنوات العشر أو الخمس عشرة المقبلة". لكن آخرين يرون خطر هذه الحرب أكثر قربا، فبحسب مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية، في مارس الماضي، يقدر خبراء بأن "الأمر سيحتاج ما بين 5 إلى 9 سنوات فقط". "لا يصدق المحافظون المناهضون (للرئيس الأمريكي دونالد) لترامب أن الأمريكيين قد يتقاتلون فعليا في إطار حرب أهلية، بينما يصدق ذلك المحافظون المؤيدون له".. هكذا تحدث دينيس براغر، وهو إذاعي ينتمي إلى تيار المحافظين، في جوان الماضي، عن إمكانات اندلاع حرب أهلية، حتى وإن لم ترافقها مظاهر عنف واضحة. براغر ذهب إلى أبعد من ذلك بالقول إن الأمريكيين يعيشون بالفعل وسط حرب أهلية دخلت منتصفها، حسب موقع "ذا دايلي سيغنل" الأمريكي. واعتبر أن "البعض يرفضون تصديق أننا في غمار حرب أهلية كونها غير عنفية، لكن الحرب الأهلية الثانية من وجهة نظري، لن تشترط اندلاع العنف". واندلعت الحرب الأهلية الأمريكية بين قوات حلف الجنوب الكونفيدرالي ضد جيوش الشمال الاتحادية، على خلفية قرار الرئيس الأمريكي إبراهام لينكولن (1861-1865) تحرير العبيد، وانتهت بوحدة أراضي الجنوب مع الشمال، تحت رئاسة لينكولن، الذي قتله لاحقا مؤيد للكونفيدراليين، الذين كان الجنرال "لي" أحد قادتهم. على النقيض، اعتبر كيث ماين، وهو مستشار سياسي أمريكي، في تصريحات ل"ذا نيويوركر"، قبل ايام ، أن مصطلح الحرب الأهلية لابد أن يشمل "نطاقا واسعا من أعمال العنف، يظهر في رفض السلطة السياسية التقليدية، واستدعاء الحرس الوطني للتعامل مع الأوضاع". ووفق فرضية ماين فإن تعامل حاكم ولاية فرجينيا مع الاعتداءات العنصرية لجماعات البيض في شارلوتسفيل، عبر إعلان حالة الطورائ في الولاية، يمثل أقرب شكل للحرب الأهلية. وتنص حالة الطوارئ المحلية، وفق بيان رسمي لشرطة شارلوتسفيل، على السماح للمسؤولين المحليين بطلب موارد إضافية لمواجهة الأحداث الجارية، فضلًا عن منع التجمعات غير القانونية. واستنادا إلى خبرته في الحروب الأهلية، لمشاركته في مهمات عمل بثلاث قارات، استشهد ماين بخمسة محددات تدعم رؤيته، التي تشير إلى احتمال تعرض الولاياتالمتحدة لخطر الحرب الأهلية خلال سنوات. وصنف تلك المحددات في: "الاستقطاب السياسي الراسخ، والتغطيات الصحفية المنقسمة، وضعف المؤسسات، لاسيما تلك المرتبطة بالكونغرس والقضاء، وتخلي القيادة السياسية عن مسؤولياتها، علاوة على تشريع العنف لحل المشكلات". تلك المحددات يرى مراقبون أنها تنامت بشكل متفاوت منذ ترشح الجمهوري دونالد ترامب لانتخابات الرئاسة الأخيرة، التي أجريت في الثامن من نوفمبر الماضي، وكذلك تنامي الصراع السياسي بين الديمقراطيين والجمهوريين، الذي أفرز بدوره خلافات على صعيد السياسات الداخلية، أهمها تصاعد الاتهامات بضلوع ترامب وأعضاء حملته الانتخابية.