خطاب اليأس والتشاؤم، الذي وزّعه بعض المسؤولين في البلاد بالقسطاس على الجزائريين، ونفثت فيه المعارضة ريح اليأس من غد أفضل، عقب الأزمة المالية الخانقة التي عصفت بكل الآمال في تحسّن الأحوال، سينتج لا محالة شعبا خائفا من كل شيء، متوجّسا من كل قرار تتخذه السلطات، حتى ولو كان في صالحه! كان بالإمكان إطلاع الشعب على مكامن الخلل والمخاطر الاقتصادية، التي تواجه البلد، وشرحها وتبسيطها وتقديم الحلول للخروج من هذه الضائقة، لا اعتماد أسلوب التخويف والترهيب، الذي وسّع مساحة الرّعب والفزع في نفوس الجزائريين، وقلّص رقعة التفاؤل في الخروج سالمين غانمين من هذا المأزق، بعدما صُوّرت الأزمة المالية على أنّها غولٌ سيفترس البلاد والعباد. الأزمة، للأسف، استوطنت عقول الجزائريين وبالضبط في مكان اسمه اللاّشعور، حيث ولّدت لديهم تصرفات سلبية وأظهرت حجم الرّعب الذي أصابهم جراء خطاب الأزمة، حتى دفع بكثير منهم إلى التدفق زرافات ووحدانا على السوق السوداء التي توفّر العملات الصعبة.. والنتيجة نفاد الأورو والدولار في لمح البصر، ومنهم من دفعه خوفه وتفكيره التشاؤمي إلى حدّ الشروع في تخزين المواد الاستهلاكية الأساسية خوفا من نفادها أو التهاب أسعارها. الخوف، لن ينتج شعبا واعيا بإمكانه أن يتحمَّل مسؤولياته تجاه الوطن، بل سيزيد من الخائفين والمتوجسين والهاربين، وإلاّ، كيف نفسّر تزايد عمليات الهجرة السرية في الآونة الأخيرة نحو الضفة الأخرى؟ أطفال وشبان وشيب وحتى نساء، يتزاحمون على قوارب الموت للفرار نحو الجنة الموعودة أوروبا، بعدما ضاقت الدنيا على هؤلاء الذين يشعرون بأنّهم مواطنون من الدرجة الثانية. الوزير الأول، أحمد أويحيى، لخص هول الأزمة بعبارة "الموس وصل العظم"، والمعارضة أشهرت ورقة التشاؤم في وجه المتحمِّسين لطبع النقود لمواجهة الأزمة المالية.. وبهذا يكون الطرفان قد نجحا في تصدير الخوف والرعب ممّا هو آت للجزائريين، وكأنّنا كنّا في وقت سابق نصنف ضمن الدول المتطورة التي تأكل ممّا تزرع وتلبس ممّا تنسج ويتمتع ساكنتها بدخل فردي محترم يجعلهم يعيشون عيشة كريمة هنيئة. منذ الاستقلال، وإلى حدّ اليوم، والبلد يُعاني؛ ما إن يخرج من عثرة حتى يقع في أخرى أعمق وأوسع منها، إذ فشلت كل السياسات الاقتصادية على مرّ السنوات الماضية، لأنها اتكأت على الشعبوية ولم تستند إلى خطط استراتيجية تستشرف مستقبل البلد على المديين المتوسط والبعيد. وفي خضم هذا اليأس والتيئيس، ينبغي التساؤل: متى كُنّا بخير نحن معشر الجزائريين؟ ألم نكتوِ بالعديد من النكبات، التي دفعت ثمنها الأجيال المتلاحقة؟ ألم يتهاو سعر برميل النفط ووصل أدنى مستوياته حتى صارت تكلفة إنتاجه أغلى من ثمن بيعه؟ ألم يُصدم الرئيس الراحل الشاذلي بن جديد لمّا تولى مقاليد الحكم بعد وفاة الزعيم هواري بومدين بالوضعية المالية الصعبة للبلاد التي كانت غارقة في الديون إلى درجة أنه قال: "شوف واش كان متحمّل بومدين مسكين"؟ كيف للجزائريين أن ينسوا ما كابدوه في العشرية السوداء بعدما أغلِقت المؤسسات وسُرِّح آلاف العمال، ثم جاءت البحبوحة المالية في الألفية الثالثة التي لم تفرز سوى مجتمع مستهلك ينتظر ما تجود به الحاويات القادمة من وراء البحار؟؟