استفتاء كردستان العراق وكتالونيا إسبانيا، بغض النظر عن كيفية تعامل العالم معهما، يطرحان مسألة في غاية الأهمية بالنسبة إلى مستقبل الدول المركزية المختلفة، سواء أكانت جزءا من العالم المتقدم أم المتخلف اقتصاديا. صحيح، هناك اختلاف في النظرة إلى مسألة كردستان واعتبارها جزءا من مخطط أجنبي شامل يستهدف تفتيت الدول المركزية في الشرق الأوسط، في حين يتم اعتبار مسألة كاتلونيا شأنا داخليا إسبانيا ينبغي عدم التنديد بما يجري به، إلا أننا ينبغي أن نذهب أبعد من هذه المقارنة الأولية إن أردنا أخذ العبرة من الحالتين. مسألة علاقة الأقليات في العالم بالدول المركزية التي تنتمي إليها هي مسألة جوهرية ستتصاعد إلى حد كبير في العقود القادمة بالنظر إلى طبيعة النظام العالمي السائد والتأثير المتزايد لتكنولوجيات الإعلام والاتصال في التأثير على إحياء الثقافات المحلية وتمتين العلاقات بين الجماعات المكونة لها وإن كانت في أقاليم متباعدة. بما يعني أننا لا يمكننا تصنيفها ضمن الظواهر العابرة التي ستموت مع مرور الزمن، إنما ضمن الظواهر الصاعدة في جميع بقاع العالم، وعلينا اعتبارها أمرا طبيعيا من وجهة النظر هذه بلا محاولات عبثية لتصنيفها ضمن خانة غير الطبيعي، أو المرتبط بهذا السيناريو التفتيتي أو غيرها من التصنيفات الأيديولوجية أوالتخوينية الجاهزة... ذلك أن الاتجاه العام في القرن الحادي والعشرين هو نحو بروز مزيد من الانقسام داخل الدول المركزية إذا لم تسارع إلى استباق ذلك بأساليب أكثر تماشيا مع طبيعة العلاقات الدولية في القرن الحادي والعشرين، وليس العكس. والملاحظ إلى حد الآن أن أكثر الدول أمانا في هذا المجال هي تلك القائمة وفق الصيغة الفدرالية أو نظام الحكم الجهوي أو تلك التي طورت نظامها اللامركزي بهذا الاتجاه. وعليه، فإنه لا بديل أمامنا سوى الشروع في التفكير في أكثر الصيغ فعالية بالنسبة إلى خصائصنا. ولا يكفي لبلد شاسع ومترامي الأطراف مثل الجزائر أن يبقى ضمن مفهوم النظام اللامركزي الذي تم اعتماده في منتصف السبعينيات عند صوغ الميثاق الوطني 1976، أي منذ قرابة نصف قرن، بل علينا جميعا أن نطرح بموضوعية مسألة تطوير هذا النظام إلى شكل آخر أكثر فعالية، نستبق به التطورات القادمة، ونتكيف به مع كل المستجدات. وليس عيبا أن يتم فتح نقاش عام حول هذا الموضوع بكل شفافية ودون أي طابوهات، إذا كُنَّا بحق نتطلع إلى أن نستثمر جميع عناصر القوة لدينا لا أن نترك الآخرين يستثمرون جميع نقاط الضعف البارزة بيننا. إن قوتنا ينبغي أن تبرز في القدرة على استباق المشكلات واستحداث المستقبل الذي نرغب في صناعته، أي في صناعة الأمل الذي سيُنقذنا، لا أن نهرب من الحقيقة ونترك اليأس يتحكم فينا، ثم نتحرك بعد ذلك على عجل بعد فوات الأوان...